نقدّم لك في هذه المساحة المقالات الأخيرة للكاتب الكبير أنيس منصور -رحمه الله- الذي غادر دنيانا بعد رحلة عطاء طويلة قدّم خلالها الكثير والكثير من الفكر والأدب.. قد تتفق مع منصور في آرائه وقد تختلف، لكن لا يمكنك أبدا أن تُنكر أهميته وتأثيره على مرّ هذه السنوات الطويلة من الكتابة والإبداع.. ولإحياء كلمات أنيس منصور الأخيرة سنقوم بعرض آخر 7 مقالات كتبها قبل أن يغادرنا.. ******************* نحن لا نحبّ الحقيقة، وإنما نحن نضطرّ إلى حُبّها؛ فالحقيقة التي تصدمك هي التي تصدك بعيدا عنها، وهي التي تفضحك أمام نفسك وأمام الناس، ولذلك فأحبّ الدعوات إلى الناس الستر؛ أي أن يظلّ مغطّى بالملابس الثقيلة أو بالجدران الغليظة فلا يراه أحد على حقيقته. فلو قلت لك مثلا: إنه لا يوجد حب في هذه الدنيا وحياتك كلها مصالح، عندك مصلحة فأنا أحبّك موت، انتهت المصلحة لا أحب أن أرى وجهك ولا أسمع صوتك، وإذا رأيتك فكأنني لا أراك؛ لأنني إذا أبديت اهتماما غير عادي بك كأن معنى ذلك أنني أحمل لك امتنانا خاصا، وأنا لا أحبّ أن أكون ممتنا لأحد، ولذلك لا أحبّ أن أراك وإذا رأيتك فلا أحب أن تذكرني بخدماتك لي، ولا أحب أن أتذكّر أنك خدمتني؛ فأسهل حل هو ألا أراك. والحكمة تقول: "اتقِ شر مَن أحسنت إليه".. وهي صحيحة؛ فهل تحسب أن أستمرّ في هذا المعنى، وأضرب لك أمثلة من حياتي وحياتك، أو أطلب إليك أن تتذكّر ما الذي حدث لك مع أولادك وزوجتك وأقاربك وأصدقائك وزملائك. أنت تعرف مثلي الأعلى، ولكن لا تحب أن يصدمك أحد؛ لأن هذه الصدمة ستُؤدّي إلى اختفاء وَهْم جميل أنت تعيش فيه. وأنت تفضّل الأكذوبة الجميلة على الحقيقة الجافة. ولو قلت لك بلغة الكرة: إن كل الذين حولك يتربّصون بك، ينتظرون يوما تقع من فوق مقعدك أو من فوق سريرك؛ فالجميع بلغة الكرة يسخنون أنفسهم لكي ينقضوا عليك، وهي حقيقة، ولكن لا تحسب ذلك؛ فوراءك طابور طويل ينتظر اليوم الذي تختفي فيه. ولكن هذا هو حال الدنيا: الناس لهم أنياب وأظافر وأعماقهم في لون شوارع زمان عندما كان الزفت يغطيها ناعما لامعا.. إنها الحقيقة الناصعة السواد. * نُشِر في جريدة الأهرام بتاريخ: 16/ 10/ 2011 ******************* كلمات أنيس منصور الأخيرة: - أنيس منصور يشكو لقرّائه سوء حالته النفسية - لابد أن نعيش معا