نحن لا نحب الحقيقة. وإنما نحن نضطر الي حبها.. فالحقيقة التي تصدمك هي التي تصدك بعيدا عنها.. وهي التي تفضحك أمام نفسك وأمام الناس.. ولذلك فأحب الدعوات الي الناس الستر أي أن يظل مغطي بالملابس الثقيلة أو بالجدران الغليظة فلا يراه أحد علي حقيقته.. فلو قلت لك مثلا: انه لا يوجد حب في هذه الدنيا وحياتك كلها مصالح.. عندك مصلحة فأنا أحبك موت, انتهت المصلحة لا أحب أن أري وجهك ولا أسمع صوتك.. وإذا رأيتك فكأنني لا أراك.. لأنني إذا أبديت اهتماما غير عادي بك كأن معني ذلك أنني أحمل لك إمتنانا خاصا.. وأنا لا أحب أن أكون ممتنا لأحد.. ولذلك لا أحب أن أراك وإذا رأيتك فلا أحب أن تذكرني بخدماتك لي.. ولا أحب أن أتذكر أنك خدمتني.. فأسهل حل هو ألا أراك! والحكمة تقول: أتق شر من أحسنت اليه.. وهي صحيحة! فهل تحسب أن أستمر في هذا المعني وأضرب لك أمثلة من حياتي وحياتك.. أو أطلب اليك ان تتذكر ما الذي حدث لك مع أولادك وزوجتك وأقاربك وأصدقائك وزملائك.. أنت تعرف مثلي الأعلي.. ولكن لا تحب ان يصدمك أحد... لأن هذه الصدمة ستؤدي الي اختفاء وهم جميل أنت تعيش فيه.. وأنت تفضل الاكذوبة الجميلة علي الحقيقة الجافة.. ولو قلت لك بلغة الكرة: إن كل الذين حولك يتربصون بك.. ينتظرون يوم تقع من فوق مقعدك أو من فوق سريرك.. فالجميع بلغة الكرة يسخنون انفسهم لكي ينقضوا عليك.. وهي حقيقة ولكن; لا تحسب ذلك.. فوراءك طابور طويل ينتظر اليوم الذي تختفي فيه! ولكن هذا هو حال الدنيا: الناس لهم أنياب وأظافر وأعماقهم في لون شوارع زمان عندما كان الزفت يغطيها ناعما لامعا.. أنها الحقيقة الناصعة السواد.! المزيد من أعمدة أنيس منصور