سعد الدين إبراهيم ولد 1938 وعمل أستاذا لعلم الاجتماع السياسي، علاقته بآل مبارك كانت منذ تدريسه لسوزان مبارك علم الاجتماع السياسي في أمريكا، وهي مَن عرّفته على زوجها نائب الرئيس وقتئذ، وأصبح صديقا للأسرة؛ لكن هذه الصداقة لم تمنعه من نقدهم في "الجملوكية" وهي المقالة التي نقد فيها التوريث؛ ليبدأ العداء مع البلاط الجمهوري، ويبتعد دكتور سعد عن الأسرة الحاكمة؛ لأنه وجد أنها ستضره وستؤثر عليه سلبا. وكان لهذا الانسحاب أثره السيئ؛ إذ تم اتهامه بتلقي معونات أجنبية، وصدر ضده حكم بالسجن لمدة 7 سنوات قضى منها بالفعل 3 سنوات، كما تم اتهامه بالتجسس لصالح أمريكا؛ إلا أن محكمة النقد الدولي برّأته، وجدير بالذكر أن من دافع عنه في هذه القضية هو المحامي فريد الديب، محامي الرئيس المخلوع مبارك ونجليه الآن. إلا أن الغموض لا يزال يحيط به، بعد قيام ثورة 25 يناير؛ إذ إن جنسيته الأمريكية وتقاربه الواضح مع قطر لا يزالان يثيران حوله المزيد من التساؤلات حول موقفه الراهن وسياساته القادمة. وفي حوار له على قناة المحور في برنامج "من هنا ورايح" كانت له الكثير من الآراء المهمة والجدلية في هذه المرحلة: المادة الثانية من الدستور تثير قلق الأقلية ولا بد من تغييرها فبداية آرائه الجدلية كانت مع اقتراح له تم نشره في اليوم السابع عن استبدال نص المادة الثانية من الدستور -والتي تشير إلى أن الإسلام هو المصدر الأساسي للتشريع- إلى مادة تنص على أن الشرائع السماوية هي المصدر، أو أحد المصادر الأساسية للتشريع؛ مبررا أهمية التغيير بأن المادة الثانية بصورتها الحالية تسبب القلق لغير المسلمين في مصر؛ سواء الأقباط أو المسلمون الشيعة أو البهائيون.. وحتى لو لم تكن تلك المادة مطبقة حرفيا؛ إلا أنه من حق غير المسلمين أن يقلقوا حتى ولو كانوا يمثلون 12% فقط من السكان؛ مؤكدا أننا كمسلمين لن يسبب لنا التعديل أي انزعاج؛ لأننا بالفعل نؤمن بكل الشرائع التي سبقتنا؛ فلا توجد لدينا مشكلة إذا قلنا إن الشرائع السماوية كلها هي مصدر أساسي من مصادر التشريع. ودعم وجهة نظره بأن: الدول العريقة الديمقراطية الآن فصلت الدين عن السياسة، بعد أن سبب ارتباطهما معا الكثير من الأزمات في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، وليس من الضروري أن نفعل مثلهم؛ لكن الأفضل أن نجمع كل الشرائع، ولا نفضِل شريعة على أخرى بحجة الأغلبية. وأكد أننا لن نكون الدولة الوحيدة التي غيّرت من قوانينها من أجل الأقليات؛ فلقد فعلت أمريكا هذا من أجل السود وحقوقهم؛ فبعد الحرب الأهلية تمّ تغيير الكثير من مواد الدستور لتلبية مطالب الأقليات، وبالنسبة لحقوق المسلمين في الخارج فلا شيء يدل على أنها محفوظة بقدر وجود ما يقرب من 40 مليون مسلم في هذه الدول. وردا على عدم إمكانية تعديل هذه المادة بسبب عدم وجود شرائع أخرى بها تشريعات مثل الإسلام، أجاب: إن كل الشرائع الدينية تتصل بقدر ما بالأحكام الدنيوية، وحتى البهائية يعتبرها أصحابها ديانة سماوية؛ حتى ولو لم يعتبرها المسلمون هذا. الصفح عن مبارك من أجل المستقبل ولم حديثه عن المادة الثانية في الدستور هو الرأي الوحيد الجدلي للمفكر السياسي؛ حيث أكد ما كان قد أثير عنه من مطالبته بالصفح عن رموز النظام السابق؛ لكنه أشار إلى أنه يطالب بمحاكمة عادلة، وبعد صدور الحكم يكون للضحايا الحق في العفو عنهم إذا أرادوا؛ مطالبا بالاقتداء بنيلسون مانديلا، الذي تصالح مع مَن احتلوا بلاده وسجنوه 27 سنة، وطلب من أهله أن يصفحوا ويتصالحوا من أجل بناء المستقبل. وأضاف أنه إذا أردنا أن نتجه للأمام علينا أن نفكر في الصفح، وعلى الرئيس القادم -الذي سيأتي بعد انتخابات حرة ونزيهة- أن يستخدم حقوقه السياسية في عمل استفتاء شعبي لتخفيف الأحكام أو إلغائها؛ حيث لا يجب إعدام أي رمز من رموز النظام السابق؛ لكن العفو عنهم لا بد أن يأتي بعد محاكمة عادلة؛ حتى تكون عبرة لأي رئيس قادم؛ مؤكدا أنه -كأحد الضحايا- قد يصفح عن مبارك بعد أن يرى الحكم الذي سيصدر ضده؛ مشيرا إلى أن الضحايا ليسوا فقط هم شهداء الثورة؛ ولكنهم كل من وقع عليه الظلم في العهد السابق. إذا كانت الدولة تأخذ معونات أجنبية؛ فلماذا تحرّم ذلك على منظمات حقوق الإنسان؟ وعندما انتقل الحوار إلى مسألة الدعم المادي الذي تحصل عليه منظمات حقوق الإنسان في مصر، وأن هذا قد أثار بلبلة؛ وفقا لتصريح وزير العدل؛ أشار دكتور سعد إلى أنه عار على وزير العدل أن يقول ذلك دون دليل قاطع، وإن كان هو شخصيا لا يجد في ذلك ما يُشين؛ إذ إن الدولة نفسها تأخذ معونات؛ فليس هناك ما يشين في أن تحصل منظمات خاصة على تمويل يساعدها في القيام بدورها في المجتمع. السلفيون كانوا يقولون إن السياسة نجاسة وبعد الثورة أرادوا إقصاء الآخرين وعن رأيه وموقفه من الجدل الدائر بين العلمانيين والإسلاميين بعد الثورة، أشار إلى أنه يفضّل استخدام كلمة "مدنيين"؛ بدلا من "علمانيين"؛ مؤكدا حق الإخوان في أن يكون لهم حزب؛ مشيرا إلى أن مطالبته بحزب لهم كان مثار خلاف مع الرئيس السابق؛ حيث إنه ضد إقصاء أي فصيل؛ لكن لديه تحفظا على السلفيين الذين كانوا قبل الثورة يقولون إن السياسة نجاسة، وكانوا حتى اليوم الثامن عشر من الثورة ضد الثورة؛ لأنهم يرفضون الخروج على الحاكم حتى لو كان طاغية، ثم بعد أن نجحت ثورة الشباب أرادوا إقصاء الآخرين وأن يعملوا على الساحة بمفردهم. وبرغم أنه لا ينكر حقهم في التعبير؛ فإنه يخافهم كما يخاف العسكر والفلول، ويرى أن التاريخ يشهد على قفز بعض الفئات على ثورات شعوبهم مثلما حدث في سوريا وفي إيران؛ حيث لم يستفِد الثوار بشيء، وقفزت على الحكم فئات أخرى. واستدرك بأنه لا يمكن إنكار أن العسكر والسلفيين وكذلك الفلول هم من أبناء الشعب المصري؛ لكن ليس من حقهم خطف ما ليس ملكهم؛ حيث إن الشباب هم من قاموا بالثورة، وإذا كان الجيل السابق أراد الثورة؛ فإنه لم يقم بها، والعسكر بعد ثورة يوليو قالوا إنهم لن يحكموا سوى لثلاث سنوات كمرحلة انتقالية امتدت لأكثر من 60 سنة؛ بحجة مقاومة الفساد. وهكذا طالب بتأجيل الانتخابات؛ حتى يستعد الشباب لها، كما كرر مطالبته بأن يكون للشباب دون سن الأربعين نسبة 40% من مجلس الشعب، وسيمثلوا ساعتها كل فئات الشعب المصري؛ منددا بمن يقول إن الشباب ليسوا على خبرة ولا يفقهون شيئا؛ مؤكدا أنهم يمتلكون من الوعي والإخلاص ما جعلهم يقومون بالثورة، ولا بد من مكافأتهم؛ بمنحهم هذه النسبة العادلة. مصر أمامها سنة مليئة بالمطبات ثم ستستعيد تماسكها وأكد في النهاية أن مصر تسير على الطريق الصحيح، بعد أن تمر هذه السنة بالمطبات المليئة بها؛ وخاصة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، ثم ستعود لمكانها القيادي بين الدول العربية والإسلامية والشرق أوسطية؛ مؤكدا أن المصري الذي عمره 7 آلاف سنة وتجاوز الكثير من المحن، سيقوم أقوى مما كان عليه. وبسؤاله أخيرا: هل مبارك صعبان عليه؟ أجاب ب"لأ".