ها هي الحبة العاشرة في عقد الزمن الذي بدأ وانتهى عند أحداث الحادي عشر من سبتمبر أيلول قد اكتملت في مثل هذا اليوم، ففي مثل هذا اليوم تغيّرت خريطة المصالح وقائمة الأصدقاء، وانهار حلفاء ونشأت صداقات، عندما انهار برجا التجارة العالميان بمنطقة جراوند زيرو بنيويورك معلنة عن مرحلة جديدة في تاريخ الشعوب والأمم. وعلى الرغم من أن ذكرى سبتمبر أيلول دائما ما كانت تحتل صدارة الصحف والبرامج الحوارية والنشرات الإخبارية، مستحضرين ما صاحب هذه الواقعة من غزو أفغانستان والعراق وتصاعد الخطاب الأمريكي العالمي ضد إيران، واستغلال إسرائيل للفرصة وتشديد الحصار غلى غزة المنكوبة، ثم هجومها على لبنان وغيرها الكثير، إلا أن سحابة سبتمبر تمر هذا الصيف دون أن تثير أي ضجة؛ لأن هناك عاصفة أقوى وأعتى سيطرة على نشرة العالم الجوية، هي عاصفة الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن والبحرين. والسؤال الذي يطرح نفسه بالغصب والقوة في تلك اللحظات الراهنة هو: هل نجح الربيع العربي في بعثرة أوراق وخريطة وبوصلة الولاياتالمتحدة فيما يتعلق بالشرق الأوسط والنظام العالمي الجديد world new order الذي اتخذت من 11 سبتمبر ذريعة لتنفيذه، وهل هناك ارتباط أساسا بين رياح أيلول التي عصفت بنييورك عام 2001 وبين الربيع العربي الذي هبت نسائمه على تونس ثم باقي العالم العربي في 14 يناير المنقضي؟ الإجابة هي "نعم" بكل تأكيد، أحداث أيلول خرجت من نفس قمقم أحداث 14 يناير، ولتوضيح تلك النقطة يستلزم علينا توجيه دفة الذاكرة عشر سنوات للخلف في صيف يوم ثلاثاء حار التحمت طائرة مدنية بمبنى برج التجارة العالمي وقضى أكثر من 3 آلاف شخص نحبهم حرقا، وحار الجميع في الإجابة عن السؤال الأهم: ما الذي قد يدفع بمجموعة من الإسلاميين أن يعتقدوا في أن قتل المدنيين الأبرياء العزل فريضة جهاد وإرضاء لوجه الله تعالى؟ وكانت الإجابة التي خلصنا إليها هي.. إن هذا التصرف لم يكن بالأساس نابعا من وازع ديني بقدر ما كان نابعا عن حال من القهر والكبت التي يعيشها مدّعو الدفاع عن الإسلام في بلادهم، وفقدوا أي فرصة للحرية أو التعبير عن الرأي داخل بلادهم وتحت مظلة حكوماتهم، فكان البديل ترجمة زائفة لهذه الحرية من خلال مهاجمة كل ما هو مسيحي أو "صليبي" على حد تعبيرهم، فأرادوا أن يرفعو ظلم الولاياتالمتحدة قبل أن يرفعوا ظلم حكوماتهم وشعوبهم. ومن نفس القمقم وبعد عشر سنوات خرجت الشعوب من جحورها لتنتفض في وجه طاغيتها الحقيقي الذي كبتهم وصنع لهم عدوا مصطنعا يتغير كل فترة؛ لصرف انتباههم عما تقترفه أيديه هو بحقهم، خرجت تلك الشعوب لتترجم المعنى الضائع للحرية بالشكل الصحيح، لتفجير ظلم حكوماتهم الجبارة وليس برج التجارة. ولم يكن هناك ارتباط وتشابه وثيق بين أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 والربيع العربي في يناير 2011 من حيث دوافع الشعوب في تصرفاتها فقط، ولكن كان هناك تشابه أيضا في ردود أفعال الولاياتالمتحدة في كلتا الحالتين، فبعد تفجير برج التجارة العالمي سارعت الولاياتالمتحدة لاستغلال الحادث لمصلحتها الخاصة وتوجيهه بالشكل الذي تريده، فشنّت حربا معلنة على كل التيارات الإسلامية التكفيرية والجهادية في كل بقعة من بقاع الأرض وهي لم يكن هدفها في ذلك تطهير العالم من الإرهاب الأسود بقدر ما كان مجرد وسيلة لبلوغ هدفها وهو تقسيم التركة العراقية من بترول وعلماء وتفريقها شيعا؛ لتفتيت أي قوة من شأنها أن تهدد الكيان الصهيوني المجاور، وتصعيد الخطاب العالمي ضد كل الأنظمة المضادة لنظيرتها الإسرائيلية سواء الإسلامية منها كإيران أو القومية مثل سوريا، وفي سبيل ذلك لجأت لدعم حكومات طاغية لكن موالية لوقف أيّ تصاعد للتيارات الإسلامية بداخل هذه الدول. وبناء على ما سبق فقد صعقت الولاياتالمتحدة بتصاعد أحداث الربيع العربي، وحاولت أن تنقذ ما يمكن إنقاذه في مصر على الأقل عندما تدرجت تصريحات هيلاري كلينتون بين "إن الولاياتالمتحدة تعلم أن الحكومة المصرية مسيطرة على الوضع في مصر، وقادرة على تلبية طموحات شعوبها" – ثم "يجب على الحكومة المصرية أن تتخذ مزيد من الخطوات لتلبية طموحات شعبها" – انتهاء ب"يجب عليه أن يرحل الآن". وهكذا بدأت الولاياتالمتحدة في توجيه الأحداث –التي لم تتوقعها- في بوصلة مصلحتها من خلال مقاومة التيار الإسلامي المتصاعد بعد أحداث الثورة، عن طريق دعم التيارات الليبرالية بدورها، وحتى يقع الشعب المصري بين فكي الرحا فهو رافض للأسلمة المتطرفة ورافض للتغريب المتطرف، وبالتالي يتشرذم شيعا وطوائف وفرق، ويسود منطق الفوضى الذي ساد في العراق، ويخلف وراءه الفراغ الذي يمكّن العم سام من تشكيل عجينة مصر بالشكل الذي يحلو له ويخدم مصالحه ومصالح إسرائيل.