يتميز كثير من كتاب الأدب الأمريكى بمزجهم بين الوقائع فى العالم الحقيقى وبين الأحداث والشخصيات الخيالية، ويبرز فى هذا الاتجاه أسماء مثل دانيال ستيل وملك روايات الرعب ستيفن كنج، وبالطبع نيلسون ديميل الذى يدمج فى أحداث رواياته بين عناصر الإثارة والحبكة البوليسية الممزوجة بروح السخرية من أدق تفاصيل الحياة فى المجتمع الأمريكى فى خلطة سحرية، لدرجة أن القارئ لا يكاد يميز بين ما هو حقيقى وما هو من خيال الكاتب، وربما كان هذا المزج والذى يبدو شديد الوضوح فى روايات ديميل أحد أسباب وجود مقدمة فى كل رواية من رواياته يحاول فيها أن يفصل للقارئ الأحداث والشخصيات الحقيقية عن الخيالية. درس نيلسون ديميل الأمريكى الجنسية الأدب فى جامعة «هوفسترا» والتحق بعدها بالجيش الأمريكى كقائد لفصيلة المشاة فى حرب فيتنام فى الفترة من عام 1966 وحتى عام 1969 وهى السنوات التى يبدو أنها أثرت بشكل كبير على أسلوبه الأدبى منذ صدور أول رواياته «the rivers of Babylon» «أنهار بابل» عام 1978 والتى تدور فى إطار تحقيقات شرطة مدينة نيويورك فى الجرائم. كتب ديميل ثلاث عشرة رواية تصدرت عشر منها قائمة مبيعات نيويورك تايمز وتمت ترجمة أربع منها إلى العربية وتحول بعضها إلى أفلام ومسلسلات ويعتبر فيلم «generals daughter» «ابنة الجنرال» للنجم جون ترافولتا أقرب هذه الأفلام ارتباطا بعقل المشاهد المصرى والذى تظهر فيه موهبة ديميل فى خلق جو الإثارة والاعتماد على نظرية المؤامرة لتفسر الجرائم، ويمكن اعتبار أحداث الحادى عشر من سبتمبر محطة مهمة فى حياة ديميل الأدبية، حيث بدأ بعدها فى كتابة ثلاث روايات هى الأكثر إثارة وارتباطا بالعالم العربى والإسلامى من خلال القضايا التى يتعرض لها مكتب مكافحة الإرهاب فى المبنى 26 بلازا، وهى الوحدة التى تكونت عام 1993 عقب إحباط محاولة تفجير جراج مبنى التجارة العالمى وعلى الرغم من عدم وجود معلومات مؤكدة حول صحة وجود هذه الوحدة إلا أن ديميل تصور أنها تضم أفضل ضباط مدينة نيويورك لمعرفتهم بشوارع المدينة وعملاء «C I A» وخبرتهم فى التعامل مع الإرهابيين العرب و»F B I» بسلطتها داخل الأراضى الأمريكية. ويبرز وسط هذه المجموعة المحقق «جون كورى» وزوجته «كايت ميفيلد» وتبدأ سلسلة روايات جونى كورى برواية «Lions Game» «لعبة الأسد» والتى تصور مطاردة فريق عمل المحقق كورى للإرهابى الليبى أسعد خليل الشهير بالأسد قبل قيامه بعمل إرهابى داخل الأراضى الأمريكية، ووسط أجواء المطاردات والإثارة تتوقف أمام نظرة جون كورى شديدة السلبية للعرب باعتبارهم إرهابيين ومستغلين حتى إن بعضهم يشى ببعض مقابل 20 دولارا أو وجبة غذاء، ويردد البطل فى الرواية دائما أن العربى المعتدل هو من نفدت ذخيرته، ولا تدرى هل يحاول ديميل بذلك نقل صورة العربى داخل المجتمع الأمريكى، أم أنه يعبر عن قناعاته الشخصية، خاصة أن كثيرا من النقاد يجدون تشابها كبيرا بين شخصية ديميل وشخصية جون كورى. هذا التشابه هو ما جعل ديميل يكتب رواية ثانية لنفس البطل بعنوان «night fall» «كارثة الليل» والتى يعيد فيها كورى فتح ملفات انفجار طائرة «TWA 800» أمام سواحل نيويورك عام 1996 بسبب اشتباهه بأن انفجار الطائرة كان بسبب تفجيرها بصاروخ وليس بسبب عطل ميكانيكى، كما أعلنت السلطات الأمريكية، وفى نهاية الرواية تقع أحداث 11 سبتمبر وانهيار برجى مركز التجارة العالمى ليتركنا الكاتب أمام نهايات مفتوحة للأحداث وربما تمهيدا لروايته التالية «wild fire» «عاصفة النار» والتى تصف كواليس السياسيين الأمريكيين عقب أحداث 11 سبتمبر، حيث يتخذ مجموعة من السياسيين اليمينيين فى الحكومة الأمريكية قرار ضرب عدد من المدن الأمريكية بقنابل نووية، مما يجعل الإدارة الأمريكية تنفذ خطة حمايتها القصوى وذلك بتفجير قنابل نووية فى أهم عشر مدن فى العالم الإسلامى والقضاء على العرب بشكل نهائى كخطر إرهابى والاستيلاء على حقول النفط، وهى الرواية التى تعتمد فكرتها على الشائعات المنتشرة عبر الإنترنت حول تأمين الحكومة الأمريكية لنفسها من خلال زرع عدد من القنابل فى المدن الإسلامية الكبيرة ويتم تفجيرها فى حالة تعرض الولاياتالمتحدة لأى خطر وكذلك تسريب معلومات حول هذه الخطة للحكومات العربية حتى تستطيع هى الأخرى حماية المصالح الأمريكية والقضاء على أى خلايا إرهابية فى أراضيها. وبصفة عامة تبدو أحداث وشخصيات روايات نيلسون ديميل شديدة التداخل والتعقيد وهو ما يفسر طول المدة التى يستغرقها ديميل لكتابة رواية واحدة والتى تصل إلى عامين يتوقف خلالهما عن إجراء أى مقابلات مع الإعلام أو القراء من خلال موقعه الرسمى ويتفرغ لعملية البحث وإجراء مقابلات مع شخصيات قد تربطها صلة بموضوع روايته، وقد صدر للكاتب فى نهاية عام 2008 رواية «the gate house» والتى أحيا فيها شخصية جون سوتر عميل المافيا بطل رواية «the gold coast»التى صدرت قبل عشر سنوات وانتهت بانقلاب سوتر على المنظمة التى ينتمى إليها بعد قتلهم لزوجته.