فوجئت حين بدأت القراءة بالحقائق التي اختارها الكاتب ليبدأ بها كتابه القيم, فقد ألقى مسئولية مزاجي السيئ على جيناتي الوراثية والإعلام بدلاً من لومي أنا! ففي الفصول الأربعة الأولى يستعرض الكاتب بعض المفاهيم التي تنتشر كحقائق لا تقبل الشك وهي خاطئة. أحد تلك التخاريف "كما يصفها المؤلف" هي تلك المتعلقة بوجود طريقة محددة في التصرف أو الإحساس يتبعها الشخص الطبيعي, فتبعاً لدكتور كيندر فإن الإعلام قد ملأ أدمغتنا بصور غير حقيقية عما يجب أن يكون عليه الشخص "الجيد"؛ ونتيجة ذلك لما نختبر طريقتنا الفريدة في التفكير والإحساس نشعر بعدم الراحة ولا نتقبل أنفسنا؛ لأننا تعلمنا أن نتبنى نموذجا آخر لأناس آخرين.
الكاتب والذي عمل لفترة طويلة كمحلل نفسي أكد أن كثيرا من مرضاه لم يكن بهم أي علة سوى اعتقادهم أن بهم علة, فهم يلومون أنفسهم؛ لأنهم لا يفكرون ولا يشعرون بالطريقة التي يظنونها "صحيحة"، ويبغون حلا سحرياً يجعلهم يشعرون ويفكرون مثل بقية خلق الله, والمضحك أن كل واحد في خلق الله هؤلاء يظن أن المخاليق الآخرين يفكّرون مثل بعضهم البعض، وأنه الوحيد المختلف، فيرد الدكتور بأن كلا منا له تفرّد تناوله لنفسه وللعالم من حوله, فالعامل الأساسي الذي يحدّد استجابتنا للمنبهات البيئية المختلفة هو جيني بالأساس أي أن الوراثة تلعب دوراً محورياً في تركيبة مزاجنا وإدارة شخصيتنا العاطفية.
هذا لا يقلل على الإطلاق من تأثير التربية والظروف والخبرات المتنوعة التي يقابلها الفرد على مدار حياته، لكنه يضعها في المرتبة الثانية من الأهمية.
حدّد الكاتب أيضاً أربعة أنماط رئيسية للشخصية العاطفية تحصر فيما بينها عددا لا نهائيا من التداخلات, لكنه يعرّفنا أولا على أشهر 6 تخاريف تدور حول المشاعر:
خرافة (1) النموذجية: كل البشر الأصحاء الطبيعيون يشعرون ويفكرون بنفس الطريقة. خرافة (2) الجيد والسيئ: هناك مشاعر سيئة يجب التخلص منها ومشاعر جيدة يجب تنميتها. خرافة (3) التحكم: لا بد أن نحاول جاهدين التحكم في مشاعرنا. خرافة (4) الكمال: إننا ببعض الجهد قد نصل لحالة مزاجية وشعورية ممتازة. خرافة (5) الأمراض العاطفية: إن الحزن أو الخجل الشديد دلالة على مرض نفسي أو عقلي. خرافة (6) التفكير الإيجابي: كل شيء في أذهاننا نحن اختلقناه وبقوة الإرادة سنغيره.
والآن.. دعونا نتعرف على ملامح الأنماط الأربعة التي يحددها الكاتب:
Sensor أو "الحساس": متحفز وسهل الإثارة, يميل للخجل ويتفادى التواصل الزائد مع الناس ليتمكن من التحكم في مشاعره, عصبي وقلِق, حسّاس لكل العوامل الخارجية من ضوضاء وألوان وتحركات, هو متعاطف؛ يميل للحماية، وعاطفي, حساس وواعٍ لحالات الناس المزاجية من حوله, غالباً ما يستخدم مشاعره بدلاً من عقله. جوانبه المظلمة: سهولة التعرض للمخاوف المرضية والقلق.
Focuser أو "المركّز": له مقدرة عالية في أن يركّز, يبحث, يحلل ويحلّ مشاكل العمل. لكنه يركّز بشدة بداخله, يتفحص مشاعره ويفكّر بحذر ماذا الذي يستطيع فعله بها, يميل للحزن بلا أمل أو قلق, متواصل مع الناس. جوانبه المظلمة: الاكتئاب والهوس.
Discharger أو "مفرّغ الشحن" هم عاطفيون, سريعو البديهة، لا يخافون التواصل الشخصي والمواجهة, سريعو الغضب إذا ما نقصهم الأمان، لكن ما إن يشعروا بالراحة حتى يتحولوا إلى كائنات شغوفة مُراعية مليئة بالطاقة والحيوية. الجانب المظلم: الغضب.
Seeker أو "الباحث": يجد رضاه في الدراما والحركة, يبحث عن المغامرة وقد يقتله الروتين, لا يرضى عن نفسه ولا يتقبلها، وفي نفس الوقت يشعر أنه مميز, يحدد أهدافه ويصل إليها. الجانب المظلم: نمرود, جنون العظمة.
طبعاً ينبهنا الكاتب أن كلا منا خليط من هذه الأنماط الأربعة بمقادير مختلفة تنتج ملايين الملايين من نماذج الطباع والأمزجة المميزة.
بعدها يتتبع المؤلف الأنماط الأربع ونقاط ضعفهم وقوتهم في العلاقات العاطفية والأسرية, الصداقة والعمل وهكذا. كما أن الكتاب به نماذج اختبارات لتتعرف على شخصيتك العاطفية لتكمل الاستفادة من النصائح والطرق التي تساعدك على إدارة مزاجك مثل أن نبدأ بتقبل أنفسنا ككيان واحد وليس كعقل, وجسد ومشاعر منفصلين.
خلاصة ما يريد أن يقوله الدكتور كيندر في كتابه: أن تقبل شخصيتنا العاطفية والتكيف معها هو أفضل الطرق لإدارة مشاعرنا, ويكرر أن كل إنسان يولد بشخصيته العاطفية الفريدة والتي تمهد لتفرّد منظوره للعالم ولنفسه, فكل إنسان مختلف في طريقة تفكيره ويجب علينا أن نتقبل ذلك ونتكيف عليه، كملمح من ملامح شخصيتنا الإنسانية بل ونستفيد منها أيضاً, فكما تقبلنا اختلاف ملامحنا الجسدية وتفاوت طبقاتنا الاجتماعية وظروفنا الاقتصادية يجب علينا أن نتعامل مع مزاجنا كعامل تنوع آخر لعالمنا الإنساني وستختفي مشاكلنا التي نظن أنها "أمراض نفسية" كالسحر. فالشخصيات التي تشعر بحجم اختلافها كأن تميل للحزن أو الوحدة قد يحجّمون إمكانياتهم في الحياة ويضيعون من أجل حل "المشكلة" التي هي في الأساس صفة وراثية، ويجلدون أنفسهم بدلاً من اكتشاف ما يناسب حياتهم من اختيارات.
الحقيقة أن القارئ سوف يشعر بالراحة فور قراءة هذا الكتاب, فالمؤلف يطمئنك ببساطة إن كنت خجولا وغير اجتماعي, فلا مشكلة؛ لأن تلك هي طبيعتك, وإن غيرتها فلن ترتاح إلا في جلدك, ويذكرك أن العالم به أدوار محفوظة لمن هم مثلك فقط، ابحث عما يناسب ندرة شخصيتك وتفرّدها، واكتشف طريقتك الخاصة في رؤية كل شيء بدلا من أن تحاول أن تكون شخصاً آخر؛ لأنك ببساطة لن تستطيع إلا أن تكون أنت.
اسم الكتاب Mastering your Moods "كيف تُدير مزاجك" نشر عن مركز فاير سايد نيويورك سنة 1994
المؤلف دكتور ميلفن كيندر, ألف العديد من كتب التنمية الذاتية مثل "أزواج وزوجات" - "الذهاب إلى لا مكان سريعاً" - "نساء أذكياء اختيارات حمقاء"... يعيش حالياً بكاليفورنيا بالولايات المتحدة.