ظهر الإنسان الحديث بشكله الحالي منذ حوالي مائتي ألف سنة مضت، في ذلك الوقت كانت معظم الوحوش الضارية التي عاشت على هذا الكوكب قد انقرضت منذ وقت طويل. لعل العالم فيما مضى كان أشبه بعوالم أفلام الرعب؛ حيث الوحوش الضخمة ترتع في كل مكان، على الأرض، وفي البحار، وفي السماء، ناشرة الفزع أينما تذهب.
وفي المساحة التالية سنستعرض معاً بعضاً من تلك الكائنات المرعبة التي سادت على الأرض، ولم نعرف عنها إلا من خلال الحفريات التي عثرنا عليها.. إنها وحوش من الماضي.
هذا الديناصور يحمل العديد من الأرقام القياسية؛ فهو الديناصور الأضخم والأطول والأكثر وزناً بين كل الديناصورات. اسمه Amphicoelias Fragillimus (أمفيسيلياس فراجيليموس)، ويعني اسمه أن شكله مقعّر من الجانبين. يتراوح طوله بين 40 إلى 60 متراً، ويصل وزنه إلى 122 طناً.
ولم تصلنا من هذا الديناصور سوى حفرية واحدة غير كاملة تمّ وصفها ورسمها في سبعينيات القرن التاسع عشر، ومع الأسف فُقدت هذه الحفرية الوحيدة، ولا يوجد لدينا الآن سوى الوصف والرسوم التي تمّ إنجازها في ذلك الزمن.
أمفيسيلياس عالم الحفريات الأمريكي إدوارد درينكر كوب (1840- 1897)، هو مَن منح هذه الفصيلة اسمها عام 1877؛ بناء على حفرية تتكون من فقرتين وعظمة حوض وعظمة ساق لنوع أسماه Amphicoelias altus، وهو ديناصور ضخم آخر؛ لكنه أصغر كثيراً من Amphicoelias Fragillimus. أما ديناصورنا هائل الحجم؛ فلم يُعثر منه إلا على جزء من فقرة من عموده الفقري بطول متر ونصف، وكان من المفروض أن يكون طولها 2.7 متراً لو كانت كاملة! هذه فقرة خرافية الحجم حقاً! وعلى بُعد بضع عشرات من الأمتار من مكان اكتشاف هذه الفقرة، تمّ العثور على جزء من رأس عظمة الساق لما يُعتقد أنه نفس الكائن.
في 2010 تمّ الكشف عن فصيلة أخرى من الأمفيسيلياس سُميّت Amphicoelias Brontodiplodocus؛ بناء على حفريات وجدت في ولاية وايومنج بالولاياتالمتحدة.
الاكتشاف هذه الحفرية الوحيدة التي وجدت لAmphicoelias Fragillimus تمّ العثور عليها بواسطة أوراميل لوكاس، الذي كان يعمل لحساب إدوارد كوب، عام 1877.
كانت الفقرة في حالة سيئة؛ لكن حجمها كان مذهلاً، شحن لوكاس الفقرة لكوب ليكتب عنها بحثاً ويُعلن عن الفصيلة الجديدة في 1878. أما Fragillimus فتعني هشاً باللاتينية؛ لأن الجدران العظمية للفقرة كانت هشة. بعدها تمّ اكتشاف رأس عظمة الساق الضخم غير بعيد عن مكان الفقرة.
الفقرة المفقودة لطالما تمّ تجاهل هذا الكائن الهائل في القوائم والكتب التي تتحدث عن أضخم الديناصورات، ربما لأن أحداً لا يعرف أين الفقرة ورأس العظمة اللذان تحدّث عنهما كوب. وتمّت محاولات عديدة لمحاولة تتبع مصير هاتين الحفريتين؛ إلا أنها جميعاً باءت بالفشل.
وفي عام 2006 تقدّم أحد الباحثين بسيناريو مقترح لكيفية اختفاء الحفرية. لاحظ الباحث من كتابات كوب أن الحفرية كانت هشة جداً، وفي ذلك الوقت لم تكن التقنيات التي تستخدم حالياً لزيادة صلابة الحفرية معروفة بعد. ولأن الحفرية وجدت في صخر رسوبي طيني يميل لأن يتحطم سريعاً؛ فربما كانت الحفرية قد تحطّمت تماماً عند استخراجها من الصخر، وقد يفسّر هذا أيضاً لماذا لم يرسم كوب الحفرية من زوايا عديدة كما هو متبع؛ وإنما رسمها من زاوية واحدة فقط.
عام 1996 قامت إحدى الحملات الاستكشافية بالبحث في المكان الذي وُجدت فيه الحفرية باستخدام نوع من أجهزة الرادار، يستطيع أن يخترق الأرض، ويكشف عن العظام الموجودة تحتها؛ لكن الرادار فشل؛ لأن العظام المحفوظة في هذا النوع من الصخور قد صارت لها نفس كثافة الصخور المحفوظة فيها؛ فلم يستطع الرادار أن يفرّق بينهما.
أيضاً وجدت الدراسات الطبوجرافية التي أُجريت، أن صخور هذه المنطقة قد تعرّضت لتآكل شديد، ولعلها كانت متآكلة أيضاً في الزمن الذي اكتشف فيه لوكاس الحفرية؛ مما يعني على الأرجح أن باقي الهيكل العظمي للأمفيسيلياس قد تآكل إلى غير رجعة منذ زمن طويل.
وبسبب الحجم الهائل الاستثنائي للحفرية -إضافة إلى اختفائها الغامض- يشكّك الكثيرون في وصف وقياسات كوب للكائن؛ إلا أن الباحثين المدقّقين يرون أن أبحاث كوب يجب أن تؤخذ على محمل الجد، ذلك لأن الاكتشاف تمّ في فترة حمى البحث عن حفريات الديناصورات في الولاياتالمتحدة.
أما المنافس الأساسي لكوب وهو أوثنيل تشارلز مارش، الذي كان معروفاً بأنه يُرسل جواسيس للتلصص على أعمال كوب؛ فلم يعترض على الاكتشاف الذي أعلنه كوب في ذلك الوقت؛ على الرغم من العداوة الشديدة التي كانت سائدة بينهما، ورغبة مارش الشخصية في إذلال كوب والحط من شأنه.. لعل جواسيس مارش أخبروه بصحة الاكتشاف، وعلى هذا فلم تكن هناك اعتراضات عند إعلان كشف كوب.
يصل طول هذا الديناصور إلى 60 متراً وطول الرقبة وحدها 16.75 متراً الحجم لعل أهم ما يميز هذا الكائن هو حجمه الهائل غير المسبوق؛ فيصل طوله إلى 60 متراً كما أسلفنا، وطول الرقبة وحدها 16.75 متراً، وطول الجذع 9.25 متراً، وطول الذيل 32 متراً، والارتفاع من الأرض وحتى أعلى نقطة في الظهر يصل إلى 9.25 متراً.. وللمقارنة؛ فإن أكبر الكائنات التي تعيش على كوكب الأرض حالياً هو الحوت الأزرق، ويتراوح طوله بين 30 إلى 33 متراً فقط؛ أي ما يقرب من نصف الأمفيسيلياس!
أما مسألة أنه الأثقل؛ فهي محل شك؛ حيث تشير التقديرات إلى أن Bruhathkayosaurus (البروهاثكيوصوراس) يصل إلى 139 طناً، أي أنه أثقل من الأمفيسيلياس الذي قُدّر ب122 طناً فقط؛ لكن تظل مسألة تقدير وزن الديناصورات محلّ جدل كبير دائماً؛ فتقدير الطول سهل نسبياً، ويتمّ باستخدام العظام التي تصلنا مع الحفريات؛ لكن مسألة حجم العضلات التي تكسو هذه العظام تتفاوت كثيراً في التقديرات؛ فمن النادر جداً أن نجد حفرية ديناصور محتفظة بعضلاتها بعد مرور هذه الملايين الطويلة من السنين.
ولمَ كل هذه الضخامة؟ في محاولة لتفسير الحجم الهائل لهذا الكائن، واعتماداً على دراسات سابقة أُجريت على الحيوانات كبيرة الحجم آكلة العشب، وُجد أنه كلما زاد حجم الحيوان آكل العشب زادت كفاءة جهازه الهضمي؛ ذلك لأنه كلما زاد طول الحيوان زاد طول قناته الهضمية أيضاً؛ هذا الأمر يسمح للطعام بالبقاء في القناة الهضمية لفترة أطول من الوقت، وبالتالي مزيداً من الاستفادة منه، وهذا يمنح الحيوانات الأكبر مزية؛ للبقاء عند التواجد في بيئة بها طعام ذو جودة منخفضة.. وهذه الحيوانات تواجدت بالفعل في بيئات شبه جافة، وبالتالي كان طعامها ذا جودة منخفضة.
مزية أخرى يوفّرها هذا الحجم الهائل، هي المناعة ضد الكائنات المفترسة؛ فمن الصعب أن يفكّر أحد في مهاجمة كائن بهذا الحجم.