في كل مرة سنقرأ قصيدة، أو جزءاً من قصيدة، أو حتى بيتاً واحداً فقط لأحد الشعراء المعروفين أو غير المعروفين اسماً، وإن بقيت أشعارهم هذه أبداً.. نفعل ذلك بحثاً عن "شوية هوا" نتنفّسهم عبر كلمات معطّرة يبقى رحيقها طويلاً طويلاً. في فجر التاسع من أكتوبر من عام 1934 أُعلن رحيله الصادم فجأة ودون سابق إنذار، لم يعش سوى 25 عاماً فقط؛ ولكنه خلّف إنتاجاً أدبيا ًغزيراً، يفوق من استمر حيّا عشرات السنوات، وُلد في مدينة توزربتونس، وعاش بين جمال الطبيعة الخلاب هناك، فنشأ عقله على الإبداع، وكتب قلمه المُلهم قِطَع شعرية غاية في الإمتاع. روعة الشاعر وشعره في أثره الخالد الذي يُخلّفه؛ حتى إن عقودا مضت.. وقرنا أوشك على المرور، وقصيدة شاعرنا المبدع "أبو القاسم الشابي" ما زالت لحنا يُغنّى على لسان الشعوب العربية. واليوم.. ومع الأحداث التي وقعت في تونس، رفع الشعب التونسي في وجه الظلم والطغيان بيتاً شعرياً، لأبيهم الروحي "الشابي"، وهو البيت الذي يقول: إذا الشعب يوماً أراد الحياة .. فلا بد أن يستجيب القدر كلمات خطّها لينحت بها في جبال الصمود الراسخة مهما تعاقبت الأجيال، ونحن هنا في "شوية هوا"، كما عوّدناكم على مواكبة الحدث شعراً، ننقل لكم أجزاءً من القصيدة الشهيرة "لحن الحياة"؛ لنعرف كيف تكون الكلمات محرّكاً لإرادة الشعوب، وكيف يُمكن أن يُحدِث العظماء تأثيراً بريشة قلم؛ وفي غضون سنوات قلائل يكونون فيها على قيد الحياة.. إذا الشعبُ يومًا أراد الحياة فلا بدّ أن يستجيب القدرْ ولا بدَّ لليل أن ينجلي ولا بدّ للقيد أن ينكسرْ ومن لم يعانقْه شوْقُ الحياة تبخَّرَ في جوِّها واندثرْ فويل لمن لم تَشُقهُ الحيا ة من صفْعة العدَم المنتصرْ كذلك قالت ليَ الكائناتُ وحدثني روحُها المستترْ *** ودمدمتِ الرِّيحُ بين الفِجاج وفوق الجبال وتحت الشجرْ: إذا ما طمحتُ إلى غايةٍ ركبتُ المُنى ونسِيت الحذرْ ولم أتجنَّب وعورَ الشِّعاب ولا كُبَّةَ اللّهَب المستعرْ ومن يتهيب صعود الجبال يعش أبَدَ الدهر بين الحفرْ فعجَّتْ بقلبي دماءُ الشباب وضجَّت بصدري رياحٌ أخَرْ... وأطرقتُ أصغي لقصف الرعودِ وعزفِ الرياحِ ووقعِ المطرْ *** وقالت لي الأرضُ - لما سألْتُ: أيا أمُّ هل تكرهين البشرْ? أُبارك في الناس أهلَ الطموح ومن يستلذُّ ركوبَ الخطرْ وألْعنُ من لا يماشي الزمانَ ويقنع بالعيْشِ عيشِ الحجَرْ هو الكونُ حيٌّ يحبُّ الحياة ويحتقر المَيْتَ مهما كبُرْ فلا الأفْق يحضن ميْتَ الطيورِ ولا النحلُ يلثم ميْتَ الزهرْ ولولا أمُومةُ قلبِي الرّؤومِ لَمَا ضمّتِ الميْتَ تلك الحُفَرْ فويلٌ لمن لم تشُقه الحيا ة مِن لعنة العدم المنتصِرْ! *** وشفَّ الدجى عن جمالٍ عميقٍ يشُبُّ الخيالَ ويُذكي الفِكَرْ ومُدّ على الكون سِحرٌ غريبٌ يُصَرّفه ساحرٌ مقتدرْ وضاءت شموعُ النجومِ الوِضاءِ وضاع البَخُورُ بخورُ الزّهَرْ ورفرف روحٌ غريبُ الجمال بأجنحةٍ من ضياء القمرْ ورنَّ نشيدُ الحياةِ المقدّ سُ في هيكلٍ حالمٍ قد سُحِرْ وأعْلِنَ في الكون: أنّ الطموحَ لهيبُ الحياةِ ورُوحُ الظفَرْ إذا طمحتْ للحياةِ النفوسُ فلا بدّ أنْ يستجيبَ القدر استمع للقصيدة بصوت المطربة التونسية لطيفة إضغط لمشاهدة الفيديو: