تدخل السينما، ومعك خطيبتك، أو عائلتك التي تضم أختك وأمك وشقيقك الأصغر، بعد أن وعدتهم بخروجة ممتعة أو سهرة ما حصلتش.. تنطفئ الأنوار، وتشاهد إعلانات أفلام العرض القادم بتحفز ولهفة عارمة على بدء أحداث فيلمك المنتظر، ثم.. بوووووووووم.. يا إلهي.. حقاً إنه مشهد جنسي شديد الانفجار.. تنظر حولك يميناً فترى الاشمئزاز والتأفف على ملامح والدتك.. تنظر يساراً فترى الخجل والتلعثم على وجه أختك.. تمد يدك محاولاً أن تغمي أعين عائلتك عن النظر دون جدوى.. تخترق أذنيك إفيهات بعض الشباب المبتذلة الحبيسة التي خرجت للتو بعد أن تفاعلَت مع المشهد، تمد يدك محاولاً أن تسد أذن عائلتك فتكتشف أن كل هذا بلا فائدة.. الآن تدرك في قرارة نفسك أنه لم ينجُ أحد من الانفجار! "السينما حرام ومش هادخلها تاني.. أنا إمبارح عزمت ماما وأختي وخطيبتي على الفيلم الفلاني فخرجنا من نُص الفيلم وكلهم بيهزقوني على الخروجة المنيلة اللي عزمتهم عليها".
هكذا تصيح في كل من حولك، فتنفجر ضحكاتهم الساخرة مرددين: "تستاهل.. حد ياخد عيلته معاه السينما اليومين دول.. السينما دي تدخلها لما تكون عايز تنبسط أنت وصحابك الولاد اللي زيك.. دول حتى بيفكروا يكتبوا على أفيشات الأفلام شعار "للشباب فقط والأسر والعائلات يمتنعون"، هع هع هع هع".
تقرأ الحوار الصحفي أو تشاهد اللقاء التليفزيوني مع النجمة العارية، والفنان الذي يظن أنه معبود النساء، والمخرج الذي يستشعر في نفسه العبقرية الفذة، فتسمع نفس الإجابة إياها: "نحن لا نقدم المشاهد الجنسية بهدف الإثارة والابتذال، ومادام المايوه أو السرير موظفاً فنياً في خدمة السياق الدرامي، ويساعد المشاهد في التأثر برسالة الفيلم فأهلاً وسهلاً، ثم إننا لا نتأثر بدعاة التشدد والتطرف الذين يحرّمون الفيلم بفعل تأثرهم بالمد الوهابي أو الشيعي"!
بينما يزيد ويزايد البعض على ذلك مؤكدين: "إحنا زي الدكتور اللي ممكن يكشف على مريضته ويشوف جسمها عشان يعالجها".
بينما لا تجد فئة أخرى أكثر جرأة، أدنى حرج في أن تؤكد : "أنا مش شايفة أي عيب في مشهد الاغتصاب، والحمد لله ربنا وفقني وعرفت أعمله كويس!".
ليصل بعضهم إلى ذروة التحدي مؤكداَ: "الجنس تفصيلة مهمة وأساسية في حياتنا، وإحنا بنعمل أفلام بتتكلم عن الواقع زي ما هو، ثم إن الجنس ورد ذكره في القرآن الكريم والإنجيل والتوراة"!
تهدأ الهوجة، وتمر الأيام، وتنسى ذلك الدُش الساخن الذي أخذته من عائلتك على الفيلم إياه، ليغريك إعلان فيلم آخر، لأبطال آخرين، تستشعر فيهم الاحترام والبُعد عن الاعتماد على معادلات الجنس ولوغاريتماته في أفلامهم لضمان تحقيق أعلى الإيرادات.. تسأل شلة أصدقائك إياهم بعد أن علمت أنهم شاهدوا الفيلم، عن موقعه في خريطة الأدب والإحترام وتناسبه مع العادات والتقاليد الشرقية والذوق العام، فيؤكدون أنه لا يوجد به أي مشهد جنسي، ولا ترى به حتى ذراعا عاريا، فتتابع مندهشاً: "ولا حتى ذراع" فيتابعون بثقة: "ولا حتى رَقَبة"..
تذهب لنفس الأسرة، وتقسم لهم بأغلظ الإيمان أنك ستصحبهم إلى فيلم جديد ومحترم، بأمارة ما أصدقائي أكدوا لي أنه خالٍ من الجنس "ولا حتى ذراع أو رقبة"، وتلحّ على خطيبتك التي لم تراجع موقفها من إتمام الزاوج منك -حمداً لله- بعد عمْلتك معها في الفيلم إياه، وتؤكد لها أن الأمر سيختلف تماماً في هذه المرة، وللمرة الثانية تقسم لها بأغلظ الإيمان أن الفيلم الجديد مضمون، بأمارة ما أصدقائي أكدوا لي أنه خالٍ من الجنس "ولا حتى ذراع أو رقبة" فتضحك في رقة، وتومئ برأسها إيجاباً أنها موافقة، لكنك بكل أسف تلتقي بأصدقاءك "الملاعين" في اليوم التالي، وأنت تنقض عليهم ثائراً ومردداً في ثورة: "الله يخرب بيوتكم.. بقى أنا خطيبتي تسألني بعد الفيلم إيه المقصود بإيه سفن إيه؟ طب أرد عليها أقول إيه؟ ولّا الواد أخويا المفعوص اللي قفشته بيقول لبتاع الفيشار أديني كيس فيشار يا mother fu...r "!
وطبعاً أنتم تعلمون الأحرف التي ينبغي كتابتها مكان النقاط! تستمع إلى حوار صحفي أو تليفزيوني مع بطل الفيلم، وتشاهد تلك الابتسامة الساخرة على شفتيه عندما يوجّه إليه سؤال يقول: "ما معنى إيه سفن إيه و mother fu...r" ثم تسمعه يجيب بثقة: "إيه سفن إيه يعني رقم وحرف.. عادي يعني مافيهاش حاجة أما بقى mother fu...r فمعناها تباً لك أو اذهب للجحيم، بدليل الترجمة اللي بتتكتب بالعربي في الأفلام الأجنبي"!
لكن الأسئلة التي تطرحها على نفسك، ومن حولك، دون أن تجد لها إجابة على ألسنة الأبطال أو المخرجين أو المؤلفين:
أيهما أشد خطراً وتأثيراً على المجتمع.. المشاهد السيكو سيكو ولا الكلام اللي بالي بالك؟
وهل هناك معادلة تقدّم وجبة فنية دسمة متكاملة دون أن تضعنا في مأزق المفاضلة بين كلا الخيارين؟ وهل يمكن أن تعبر السينما النظيفة عن كل قضايا المجتمع أم إن هناك بالفعل بعض القضايا الحساسة التي تحتاج إلى مشاهد موظّفة درامياً مثل ذلك المشهد بين خالد أبو النجا وجيهان فاضل في فيلم "سهر الليالي" والذي بدونه لما كان هناك داعٍ لكليهما في الفيلم من أصله؟
أسئلة يشعر البعض أنها بلا إجابة، لكن البعض الآخر حتما لديه وجهة نظر وقناعات شخصية يؤمن بها، وفي هذه الحالة عليه أن يذكرها، وبكل تفصيل