في كل مرة سنقرأ قصيدة، أو جزءاً من قصيدة، أو حتى بيتاً واحداً فقط لأحد الشعراء المعروفين أو غير المعروفين اسماً، وإن بقيت أشعارهم هذه أبداً.. نفعل ذلك بحثاً عن "شوية هوا" نتنفّسهم عبر كلمات معطّرة يبقى رحيقها طويلاً طويلاً. هو شاعر مصري بَزَغ نجمه وتألّق بشدة في الآونة الأخيرة، صارت حفلاته في ساقية الصاوي ونقابة الصحفيين كاملة العدد، وصار الشباب والكبار يتغنوْن بما يقول، يتميز في إلقائه لشعره بلكنة صعيدية مميّزة، وهي التي جعلت البعض يُشَبّهه بالشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي.. إنه "هشام الجخ"، الشاعر القادم من محافظة قنا بصعيد مصر، والذي تخرّج من كلية التجارة جامعة عين شمس عام 2003. أَلِف الجميع "الجخ" يتألّق بالعامية؛ خاصةً قصائده "جحا" و"أيوة باغير" و"تلات خرفان" لكن الكثير لا يعرف إتقانه للفصحى أيضاً؛ حتى إنه من ضمن المتسابقين في برنامج "أمير الشعراء"، الذي يُقام في دولة الإمارات العربية المتحدة، ويُعتبر هو المصري الوحيد. "الجخ" الذي قال من قبل في لقاء تلفزيوني سابق إنه يحاول أن يطوّع الشعر سهلاً ليعود اهتمام الناس به بعد أن هجروه منذ زمن، واليوم في "شوية هوا" نقدم إحدى دلائل إتقان "هشام" للفصحى بقصيدته البديعة "انطردي الآن من الجدول". انطردي الآنَ من الجدولْ موتي فالكلُّ هنا ماتوا وأنا اعتدتُ حياتي أَرْمَلْ واعتدتُ الهَجرَ بلا سببٍ وبرغمِ الحيْرةِ لم أسألْ وظلَلْتُ أسجِّلُ أسماءً وأسطِّرُ خاناتِ الجدولْ ضِنِّي إحساسَكِ ما شئتِ فأنا مَلِكٌ لا أتوسَّلْ لا أبكي لفراقِ حبيبٍ أو أترجَّى أو أتذلَّلْ رقةُ شِعري قَوْلٌ إفكٌ فَفُؤادي مِن صَخْرٍ جَنْدَلْ علَّقتُ نساءً في سَقْفِي وجلسْتُ فخوراً أتأمَّلْ وغزوتُ عُيوناً لا تُغْزَى.. غافلتُ رموشاً لا تَغْفَلْ وزَرَعْتُ النّسوةَ في أرضٍ لا آخرَ فيها أَوْ أَوَّلْ ديكتاتورياً إن أُعْطِي.. ديكتاتورياً إن أَبْخَلْ وَقَّعْتُ -أَنَا- صَكَّ الهَجْرِ فالحاكِمُ يَعْزِلُ لا يُعْزَلْ فانطردي الآن من الجدول غِيبِي فَلَكَمْ قَبْلَكِ غابوا لا شيءَ يَجِيءُ وَلا يَرْحَلْ ما الوردُ إذنْ لَوْ لَمْ يَذْبُلْ؟؟ ما الشمسُ إذنْ لو لم تَأْفُلْ؟؟ لا تَنْتَظِرِينِي نَسْنَاساً أَقْبَلُ يَوْمَاً أن أتَسَلْسَلْ وَيَجِيءَ الناسُ إلى قَفَصِي لِيَرَوْا عُشَّاقاً تَتَحَوَّلْ تتقافزُ كالقِرَدةِ عِشْقَاً وَتَمُوتُ هَيَاماً وتُوَلْوِلْ لُمِّي أشياءَكِ وارتَحِلِي بَحثاً عن آخرَ قَدْ يَقْبَلْ أمَّايَ.. فلا ثَمَنٌ عِنْدَكِ تَقْبَلُهُ يدايَ لِتَتَكَبَّلْ إن كان غرامُكِ لِي نَبْعَاً فَنِسَاءُ الدنيا لي مَنْهَلْ وَالجدولُ مُكْتَظٌّ جِدَّاً بِكَثِيرٍ مِثْلِكِ بَلْ أجمَلْ فانطردي الآن من الجدول غِيبِي وتَمَادَيْ في جَهْلٍ فأنا لا أعشقُ مَنْ يَجْهَلْ إني بَحَّارٌ تَرْفُضُنِي كُلُّ الشُطْآنِ فَأَتَنَقَّلْ اعتدتُ السفرَ على مَضَضٍ وقَضَيْتُ حياتي أَتَجَوَّلْ أرتشفُ بلاداً ونساءً فَهُنا عَسَلٌ وهُنا حَنْظَلْ وهنا عِشْتُ كَلِصٍ نَذْلٍ وهُنَا كُنْتُ نَبِيَّاً يُرْسَلْ وهنا ذَبَحُوا شِعري عَمْدا وهنا شعري صارَ يُرَتَّلْ وأنا والغُربةُ ما زِلْنَا نبحثُ عن وطنٍ لِنُظَلَّلْ صادقتُ الغُربةَ في الغربةِ وقضيتُ سنيناً أَتَعَلَّلْ بَرَّرْتُ جميعَ حماقاتي وظَنَنْتُ بأني أتَجَمَّلْ اليومَ أُزِيلُ عباءاتي وأُكَشِّفُ عن وجهي الأَوْحَلْ مَلِّي عينيكِ بِلاَ خَجَلٍ فأنا المَوحولُ ولا أخجلْ أَغْرَتْنِي أحلامُ الصِّبْيَةِ فَعَدَوْتُ إلى حُلْمِي الأمْثَلْ وَبدأتُ السفرَ بلا زادٍ وظننتُ بأني أتعجَّلْ وَنسيتُ اللهَ.. فأَهْمَلَنِي.. مَنْ ينسَى اللهَ ولا يُهْمَلْ؟ حُمِّلْتُ بأثقالِ الدُّنيا أهربُ مِنْ ثِقْلٍ للأثقَلْ والتفَّتْ طُرُقِي مِنْ حَوْلِي واختلطَ الأَقْصَرُ بالأَطْوَلْ واخْتَلَطَتْ أحْرُفُ لافِتَتِي فَوَقَفْتُ مَكَاني كالأخْطَلْ لَمْ أُسْطِعْ أن أُكْمِلَ سَيْرِي فجلستُ وحيداً أَتَسَوَّلْ وَبَنَيْتُ مَزَاراً ومَبِيتاً لا يَصْلُحُ إلاَّ لَلثُّمَّلْ وَقضيتُ حياةً واهِنَةً لا تَسْوَى في نَظَرِي خَرْدَلْ فَعَلامَ تُرِيدِينَ بُكَائِي؟ وأنا ذو قلبٍ مُسْتَعْمَلْ أَبْلاَهُ الماضي لم يَتْرُكْ شيئاً لِبَلاءِ المُستقبَلْ لا تَتَّهِمِينِي في عِشقِي فأنا أعشقُ حتَّى أُنْحَلْ والجملُ وإن يعطشْ يصبِرْ وكَفِعْلِ الجَّمَلِ أنا أفعَلْ أَهْلِكْتُ شَبابي وسنيني.. فَرَمَتْ بِي في صفِّ الكُهَّلْ وَوقفتُ بعيداً لأشاهدَ قصةَ عُمرِي وهْيَ تُمَثَّلْ رفعوا خنجرَهم ودموعي لم تجعلْ أحداً يَتَمَهَّلْ والتهبَ المسرحُ تصفيقاً وأنا أُطْعَنُ وأنا أُقْتَلْ فَعَلامَ تظنينَ بِأنِّي آتٍ مِحْرابَكِ أتَبَتَّلْ؟؟ دَوْرُكِ في المَشْهَدِ فَرْعِيٌّ بِوُجُودِكِ أو دُونَكِ يَكْمُلْ وَكِلانا مكتوفُ الأيدي وسِتارُ المسرحِ لا يُسْدَلْ والحُكْمُ الصادِرُ في أمرِي حُكْمٌ فَصْلٌ لا يَتَأَجَّلْ فدعيني في موتي وَحْدِي فأنا والغُربةُ لا نُفْصَلْ ما دامَ الوطنُ بلا شيءٍ فالموتُ على شيءٍ أفضلْ فانطردي الآن من الجدول شاهد الشاعر أثناء إلقائه للقصيدة على هذه الوصلة إضغط لمشاهدة الفيديو: