في مفاجأة مزلزلة، قام موقع Wikileaks -المختصّ بتسريب الوثائق العسكرية، والذي تأسس عام 2006- بتسريب 391831 وثيقة عسكرية سرّية للجيش الأمريكي حول حرب العراق، لتُعدّ أكبر عملية تسريب وثائق سرّية في التاريخ، وتكشف جوانب خفية عن حقيقة الوضع في العراق عسكرياً وأمنياً؛ مثبتة إحصاءات دقيقة تغطّي -كما جاء في بيان Wikileaks- الفترة من الأول من يناير 2004 إلى 31 ديسمبر 2009، لما يجري في العراق على أيدي الأمريكان، وعلى أيدي الشرطة العراقية، وكذلك على أيدي الإيرانيين. أولاً: أمريكا وقوّات التحالف تشير الوثائق -التي نشرها الموقع وتناقلت تفاصيلها وكالات الأنباء والإذاعات والقنوات التليفزيونية العالمية- إلى أن الائتلاف الدولي قد مارس التعذيب على أسرى عراقيين، وتغاضى عن إعدامات ارتكبتها القوات العراقية. وجاء في بيان لموقع Wikileaks أن "الوثائق توضّح "عدداً كبيراً من جرائم الحرب التي تبدو واضحة من قِبَل القوات الأمريكية؛ مثل القتل العشوائي لأشخاص كانوا يحاولون الاستسلام".. وتطرّق الموقع أيضاً إلى تصرّف الجنود الأمريكيين الذين "فجّروا أبنية بكاملها؛ لأن قناصاً يوجد على سطحها". وكشف الموقع عن "أكثر من 300 حالة تعذيب وأعمال عنف ارتكبتها قوّات التحالف بحقّ الأسرى".. وتكشف الوثائق "أن النزاع أوقع 109032 قتيلاً في العراق من بين 285 ألف شخص يُعتبر ضحية؛ حسب البيان الذي أوضح أن 63% هم من المدنيين أي 66081 شخصاً.. ومن أصل الرقم هناك 15000 قتيل مدني لم يُكشف عنهم حتى الآن"؛ حسب الموقع. وأكدت صحيفة نيويورك تايمز أن "الملفات السرية التي حصل عليها موقع Wikileaks تكشف أن القوات الأمريكية كانت تحتفظ بتوثيق للقتلى والجرحى العراقيين، برغم إنكارها علنياً لكل ذلك". وأوضحت الصحيفة أنّ آخر الأرقام الصادرة عن الجيش الأمريكي في نهاية يوليو 2010 تُفيد بأن نحو 77 ألف عراقي قد قُتلوا بين يناير 2004 وأغسطس 2008، وهي الفترة الأكثر دموية خلال سبع سنوات من الحرب.. وتابعت أن شهر ديسمبر 2006 كان الأكثر دموية؛ حيث قُتل فيه وحده 5183، وصُنّف منهم 4000 مدنيون".
تشير التسريبات إلى القتل بصورة عشوائية لأشخاص كانوا يحاولون الاستسلام ثانياً: قوات الشرطة العراقية بداية أشارت وثائق Wikileaks إلى "تورّط" نوري المالكي -رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته- في "إدارة فِرَق للقتل والتعذيب".. وتحصي الوثائق أكثر من ألف عملية قتل قامت بها القوات العراقية؛ حيث "قامت الشرطة العراقية بتعذيب المعتقلين بالكهرباء على الأعضاء التناسلية، وعلى الصدر، والوجه والأقدام، ووصلت إلى حدّ اغتصابهم وقتلهم أحياناً.. وقد لقي 142 شخصاً مصرعهم في شهر واحد، جراء عمليات التعذيب في السجون العراقية". كما أثبتت الوثائق أن هناك ميليشيات شيعية استخدمت سجوناً خاصة بها لصالحها؛ لارتكاب عمليات التعذيب ضدّ السُنة من العراقيين. واعتقلت الشرطة أحد العراقيين وعذّبته بالضرب والكهرباء حتى الموت، وتمّ تسجيل الحادثة على أنّ الضحية قد وقع من دراجة نارية أثناء سيره بها، بالإضافة إلى مقتل معتقل عراقي آخر جراء التعذيب بالصور. رد الفعل الأمريكي أما عن الموقف الأمريكي من ذلك؛ فقد ذكرت جريدة نيويورك تايمز قيام الجيش الأمريكي بالتستّر على أعمال التعذيب هذه، وقالت الصحيفة: "إنّه حسب الوثائق؛ فإن السلطات الأمريكية لم تحقّق حول مئات حالات العنف والتعذيب والاغتصاب، وحتى عمليات القتل التي ارتكبها شرطيون وعسكريون عراقيون". وأشارت الوثائق إلى أن الولايات المتّحدة "طالبت جنودها بغضّ الطرف عن عمليات التعذيب التي يقوم بها العراقيون ضد العراقيين، ورأى دونالد رامسفيلد -وزير الدفاع السابق في عهد الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن- ضرورة الصمت والقيام فقط بإبلاغ الجهات العراقية المختصّة". وأشارت الوثائق إلى أنّ جنرالاً أمريكياً طلب التحرّك لإيقاف التعذيب؛ لكن "رامسفيلد" رأى الاكتفاء بالتبليغ دون التدخّل. وهو ما دفع "مالكوم سمارت" -مدير منظمة العفو الدولية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا- إلى القول بأن "هذه الوثائق تقدّم -على ما يبدو- دليلاً آخر على أن السلطات الأميركية كانت على علم بهذا الانتهاك المنظّم منذ سنوات". ثالثاً: إيران كشفت الوثائق دوراً خطيراً يقوم به الحرس الثوري الإيراني بالعراق؛ فبحسب وثائق Wikileaks؛ فإنه يوجد دور إيراني في العراق؛ حيث كانت إيران حاضرة في المشهد العراقي؛ ولكن على نحو سرّي عبر تهريب السلاح التقليدي لإمداد الأحزاب والمنظمات الشيعية الموالية لها؛ وخاصةً "جيش المهدي"، ومنظمة "بدر"؛ حيث تؤكد الوثائق أنّ الشريط الحدودي المحاذي لإيران قد استغلّ في عمليات تهريب أسلحة متعدّدة؛ كان ضمنها قذائف موجّهة للطائرات، ومدافع "آر بي جي"، وصواريخ، وموادّ شديدة الانفجار؛ علاوة على إقامة نقاط تفتيش مشتركة في المناطق الشيعية، يُشرف عليها عناصر أمن إيرانيون في وجود عناصر من "جيش المهدي" ومنظمة "بدر". كما كشفت التقارير أسماء ضباط مخابرات إيرانيين كانوا يعملون بشكل يومي في العراق، وبعضهم متورّط في شنّ هجمات بالصواريخ على المنطقة الخضراء. وأوضحت جريدة نيويورك تايمز، أن تقارير المخابرات العسكرية التي نشرها موقع Wikileaks تذكر -بشكل مفصّل- المخاوف الأمريكية من قيام عملاء إيرانيين، بتدريب وتسليح وتوجيه فِرَق إعدام في العراق.. وأشارت إلى تقرير بتاريخ 31 أكتوبر 2005 أوضح أن فِرَق الحرس الثوري الإيراني "تُوجّه عمليات اغتيال برعاية إيرانية في البصرة". وأشارت الوثائق إلى أن هناك محاولات عديدة لاغتيال عدد من القيادات السُّنّية، وكان من أبرز هذه المحاولات دخول سيارة مفخّخة تابعة لإيران من شمال العراق؛ لقتل "إياد علاوي"، رئيس الوزراء العراقي الأسبق عام 2006. وتُبرز الوثائق أنّ هذه العملية قد تمّت على يد ميليشيات شيعية، حصلت على دعم من الحرس الثوري الإيراني؛ حيث دخل أحد الشخصيات، وكان يُبرز جواز سفره ويزعم أنه أبكم؛ وذلك لعدم كشف لهجته الفارسية، وكُشِف فيما بعد أنّه العقل المدبّر لعملية اغتيال "علاوي". وأكّد السفير الأمريكي في العراق في أغسطس الماضي؛ أنه يعتقد أن جماعات تدعمها إيران مسئولة عن ربع الضحايا الأمريكيين في حرب العراق، وقتل أكثر من 4400 جندي أمريكي منذ بداية الغزو الذي قادته أمريكا في عام 2003.
حذر "جيمس كلابر" رئيس الاستخبارات الأمريكية من آثار نشر هذه الوثائق السرية الوثائق تهدّد سلامة الجنود والمدنيين أثار نشر هذه الوثائق السرية استياء الحكومة الأمريكية؛ إذ حذّر كلٌ من "جيمس كلابر" -رئيس الاستخبارات الأمريكية- و"مايكل هايدن" -المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية CIA- من أن ذلك قد يؤدي إلى "تقويض الجهود المبذولة بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، لردم الهوّة بين وكالات الاستخبارات المتنافسة". وحذّر الأمين العام للحلف الأطلسي "أندرس فوغ راسموسن" أمس (الجمعة) في برلين، من تسريبات Wikileaks قائلاً: إن "هذه التسريبات مؤسفة للغاية، ويمكن أن تكون لها عواقب سلبية جداً لجهة سلامة الأشخاص المعنيّين". وأضاف: "هذه التسريبات يمكن أن تعرّض حياة جنود ومدنيين للخطر"، وكان البنتاجون -الذي أعلن أمس تعبئة 120 شخصاً لتقييم النتائج المحتملة لنشر المستندات- قد طلب من وسائل الإعلام يوم الإثنين، "عدم تسهيل تسريب المستندات حول العراق".. وسبق لموقع Wikileaks -الذي تأسّس في 2006- أن نشر العديد من الوثائق السرية حول الحرب في العراق وأفغانستان.