في البداية يجب أن نشير إلى أن إسرائيل تعتبر ثورة يوليو 1952 مجرد انقلاب عسكري قامت به مجموعة من ضباط الجيش الشبان الثائرين على النظام الملكي في مصر، وأنها لم تكن ثورة شعبية نابعة من الشارع المصري. ورغم اعتراف المحللين الإسرائيليين أن هذا الانقلاب لم يشهد إراقة نقطة دماء واحدة، إلا أنهم يزعمون أنه تم بدعم ومساندة من الاتحاد السوفيتي السابق لإنهاء التواجد الإنجليزي في مصر ومحاولة منه لفرض نفوذه على هذه الدولة المحورية الهامة التي تسيطر على قناة السويس. ونشر مركز "إيميك" الإسرائيلي للأبحاث التابع ل"كيبوتس كفار بلوم" دراسة أعدها عدد من الباحثين الإسرائيليين حول ثورة يوليو المصرية ونظام حكم "عبد الناصر"، ورغم عدم ذكر المركز لأسماء المشاركين في إعداد هذه الدراسة إلا أنها تُعد دراسة مفيدة وتعكس بشكل كبير وجهة النظر السائدة في إسرائيل تجاه ثورة يوليو، خاصة من قبل المتخصصين في تاريخ الشرق الأوسط والشئون العربية. ويدّعي مركز "إيميك" أن استقلال مصر عن بريطانيا في 1922 عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى، ووضع الدستور المصري في عام 1923 الذي أرسى قواعد الديمقراطية السياسية وسمح بتعدد الأحزاب في البرلمان، كلها أسباب مهّدت الطريق لقيام ثورة يوليو؛ لأن حزب الوفد الذي كان أكبر الأحزاب المصرية آنذاك كانت تربطه علاقات جيدة بالإنجليز، ودخل في صدام دائم مع الملك مما أدى إلى عدم استقرار الأوضاع السياسية في البلاد، بالإضافة إلى حالة الإحباط والسخط التي نتجت عن هزيمة حرب 1948. دراسة إسرائيلية: ثورة يوليو التي نظمها الضباط الأحرار قامت بوأد الديمقراطية بمصر كما يزعم الباحثون الإسرائيليون المتخصصون في تاريخ الشرق الأوسط أن حركة الضباط الأحرار التي تشكّلت في عام 1939 خططت للقيام بانقلابها في عام 1955، ولكنها قدّمت موعد الانقلاب ثلاثة أعوام؛ لأنها رأت أن الأجواء أصبحت مهيئة لتنفيذ خططها، حيث انتشرت المشاعر المعادية للتواجد الإنجليزي في مصر مما أدى إلى نشوب اضطرابات عنيفة في يناير 1952، وانتشار حالة السخط الشعبي تجاه الملك فاروق، بالإضافة إلى الأزمات الاجتماعية والاقتصادية التي شهدتها مصر في ذلك الوقت. ويدّعي الإسرائيليون أن الضباط الأحرار سارعوا فور نجاحهم في الانقلاب بطمأنة الدول الغربية وخاصة الولاياتالمتحدة. إسرائيل: ثورة يوليو لم تكن ديمقراطية تقول الدراسة الإسرائيلية المنشورة إن ثورة يوليو لم تكن ثورة ديمقراطية بل قامت بوأد الديمقراطية التي كانت مزدهرة في مصر في بداية القرن العشرين، حيث قام الضباط الأحرار بإلغاء الأحزاب وقمع عناصر المقاومة –خاصة اليمينية- وقامت بتسريح كبار ضباط الجيش، وتولية أهل الثقة المخلصين للثورة في المراكز المرموقة، ومارس "عبد الناصر" حكماً ديكتاتورياً استبدادياً، من خلال وضع دستور يمنحه صلاحيات مُطلقة، بالإضافة إلى السيطرة على وسائل الإعلام والاقتصاد ونشر عناصر البوليس السياسي السري؛ لتعقّب أي محاولة لمعارضة النظام. ولكن ترى إسرائيل أنه على الرغم من تلك المساوئ السابقة الذكر إلا أن ثورة يوليو كانت لها فائدتان بالنسبة لمصر، تتمثلان في الآتي: 1- أدت إلى استقرار نظام الحكم، وهو ما لم تكن تشهده أي دولة عربية أخرى آنذاك. 2- أدت إلى إنهاء التواجد الإنجليزي في مصر، من خلال الاتفاق الذي أبرمه "عبد الناصر" مع بريطانيا في عام 1954، والذي تضمّن تنازل مصر عن السودان مقابل جلاء الإنجليز. "إيميك": نظام "عبد الناصر" الذي تولى بعد عزل محمد نجيب كان ديكتاتورياً ويشير مركز "إيميك" الإسرائيلي إلى أنه على الرغم من أن نظام "عبد الناصر" –الذي تولى بعد عزل اللواء محمد نجيب وفرض الإقامة الجبرية عليه- كان نظاماً ديكتاتورياً وشمولياً بحتاً، إلا أنه يختلف عن باقي الأنظمة الديكتاتورية الأخرى مثل نظامي ستالين وموسوليني، ف"عبد الناصر" لم يقم بأي أعمال مخالفة للقانون، بل سار وفقاً للدستور الذي وضعه هو. كما لم تمارس أجهزة الأمن المصرية في عهد عبد الناصر أي عمليات إبادة جماعية، ولم تُقم معسكرات اعتقال جماعية ضد الأقليات، مثلما فعلت أجهزة موسوليني وستالين، كما أن مصر لم يكن بها إيديولوجية عنصرية أو فاشية. أما فيما يتعلق بالسياسة الخارجية فقد عمل "عبد الناصر" على الانفصال عن بريطانيا، والارتباط في المقابل بالاتحاد السوفيتي، رغم ادّعائه اتّباع سياسة عدم الانحياز، كما كانت لديه مخططات لمد نفوذه على باقي الدول العربية الأخرى. انهيار التيار الناصري ترى إسرائيل أن التيار الناصري لم يسقط بعد حرب 1967، بل إنه بدأ في التهاوي منذ بداية حقبة الستينيات، وأن النكسة كانت آخر مراحل انهيار هذا النظام. حيث يقول المحللون السياسيون في إسرائيل إن بداية انهيار "عبد الناصر" ونظامه بدأ في عام 1961 عقب فشل الوحدة مع سوريا، وفشل "عبد الناصر" في إسقاط الأنظمة العربية الموالية للغرب مثل النظام الأردني، بالإضافة إلى قيامه بتوريط مصر في حرب اليمن، وهذه الأحداث كانت بمثابة مقدمات كان لها دور في وقوع نكسة 67 التي قضت نهائياً على مكانة عبد الناصر، وأدت إلى انتقال زعامة النضال العربي ضد إسرائيل من القاهرة إلى يد كل من سوريا ومنظمة التحرير الفلسطينية. لمعرفة ذكريات صحفي إسرائيلي مع ثورة يوليو اضغط هنا ولقراءة كيف حلمنا بالقومية العربية و"راحت علينا نومة" اضغط هنا