لما يقرب من دقيقة كاملة، ران على تلك القاعة صمت رهيب، على الأقل في ذلك الجزء منها، و (جو) مع رجل الأمن يحدّقان في وجه (تروتسكي)، الذي لم يبد أقل منهما صدمة وذهولاً، ثم لم يلبث رجل الأمن أن اخترق هذه الصورة الصامتة، وهو يهتف في انزعاج: - هو ليس فضائياً إذن؟!... التفت الثلاثة مع قوله إلى (موجال)، الذي تراجع في توتر، وراح ينقل بصره بين ثلاثتهم في عصبية، والروسي يجيب في انفعال: - الهيئة التي أراها أمامي ليست فضائية... ولكنها ليست أرضية أيضاً... إنه يبدو أشبه ب... ب... اندفع (جو) يكمل عبارته: - بالإنسان القديم. استدار إليه (تروتسكي)، وهتف في حماس، مشيراً بسبَّابته: - بالضبط. ثم راح يحرك ذراعيه كلهما في انفعال جارف، وهو يكمل: - إنه أشبه بما يطلق عليه الجيولوجيون اسم (إنسان نايندرثال) وهو أول مخلوق يمشي على قدميه، تمّ العثور على بقاياه، بعد انقراض الديناصورات. انعقد حاجبا (جو)، وهو يقول، في لهجة شبه حادة: - التشابه لا يعني أنه ليس فضائياً. أجابه (تروتسكي) بنفس الانفعال: - هذا صحيح... ذلك الرداء الذي يرتديه لا يشبه أردية أرضية معروفة... إنه يبدو لي معدنياً؛ ولكنه يتحرك على جسده في مرونة شديدة... أخبرني: هل يحوى أية أسلحة، أو وسائل اتصال متطورة؟!.. انعقد حاجبا رجل الأمن في توتر، والتفت إلى (موجال) بحركة حادة، وحدّق في زيّه اللامع في عصبية، وهو يتساءل: - أهذا ممكن؟! أجابه الروسي في سرعة وانفعال: - ولم لا؟!.. ازداد انعقاد حاجبي رجل الأمن، والتقط جهاز اتصاله في عصبية بالغة، وهو يقول عبره في صرامة: - كود (ج) مع قوله، أو بعد ثوان قليلة منه، انبعث غاز من فتحات خاصة، داخل القفص الزجاجي، فانتفض (موجال) في شدة، وتلفّت حوله في ذعر، ثم اندفع نحو الحاجز الزجاجي، وراح يضربه بكفيه في انفعال، وهو يهتف بكلمات واضحة الانزعاج، موجهاً حديثه إلى (جو) مباشرة؛ فاندفع هذا الأخير نحو أجهزته، وهو يهتف برجل الأمن: - ماذا فعلتم به؟!.. أجابه الرجل في صرامة: - مجرَّد إجراء وقائي. ألقى (جو) نظرة عصبية على شاشات الأجهزة، ثم هتف في غضب: - أهو غاز قاتل؟! أجابه الرجل بنفس الصرامة: - بل غاز مخدر... لابد من فحص ذلك الزي، بواسطة خبرائنا. قال الروسي في حماس: - إجراء سليم. رمقه (جو) بنظرة غاضبة، وهو يهتف في مرارة: - ولماذا لم تطلب منه نزعه فحسب؟!.. أجابه رجل الأمن في حزم صارم: - وماذا لو استخدم أسلحته عندئذ؟! التفت إليه (جو) غاضباً: - أية أسلحة؟!... لو أنه يمتلك أسلحة؛ فلم لم يستخدمها؛ حتى هذه اللحظة، على الرغم من كل ما واجهه؟! أجابه الروسي في حسم: - لا يمكنك المخاطرة. هتف (جو) محتداً: - وإفقاده الوعي.... أليس مخاطرة؟!... هل نعلم تأثير هذا الغاز على أجهزته الحيوية؟!... هل سيثق في تعاونه معنا بعدها؟!... فليجب أكثركما عبقرية... هل سيفعل؟!.. تبادل الرجلان نظرة متوترة، وغمغم: - لست أعتقد أن... قاطعه رجل الأمن في صرامة شديدة: - كما سمعت من قبل... لا يمكننا المخاطرة... سيتم تجريده من هذا الزي؛ ليتم فحصه بمنتهى الدقة، وبعدها سيعود رهن إشارتك؛ ولكن في زي أرضي آمن. قال (جو) في مقت: - هل تعتقد هذا؟! ولم يجب رجل الأمن... بل لم يجب أيهما... ولا حتى بحرف واحد...
لا تحدثني كل مرة عن حرب (كيبور) هذه لم ينطق الرئيس الأمريكي بحرف واحد، وهو يستمع إلى خبراء المخابرات الأمريكية، الذين يشرحون وجهة نظرهم، بشأن الخدعة المصرية، ويحاولون طرح كافة الأدلة عليها... وعندما انتهى الشرح، ساد المكان صمت طويل، بدا خلاله الرئيس الأمريكي شديد الاستغراق في التفكير، والكل يتطلَّع إليه؛ حتى تنحنح مدير المخابرات وسأله في خفوت: - والآن ماذا يا سيادة الرئيس؟! بدا الرئيس الأمريكي وكأنه يستيقظ من حلم ما، وهو يرفع عينيه إليه، متسائلاً: - ماذا تقترح أنت؟! أجابه مدير المخابرات في حماس: - سننتظر عودة رجالنا، ثم... قاطعه الرئيس الأمريكي في حزم صارم: - ثم ماذا؟! صدمت لهجته مدير مخابراته، فانخفض صوته مرة أخرى، وقال: - نضرب ضربتنا. بدا الرئيس الأمريكي شديد العصبية، وهو يقول: - أية ضربة؟! بدا لحظة وكأنه سيكتفي بالعبارة؛ إلا أنه انتفض بعدها في غضب، وهبَّ من مقعده، وهو يقول في حدة: - ما أخبرتموني به لم يتعدّ استنتاجات محضة، ممتزجة بغضب شخصي من انتصار المصريين في الجولة الأولى؛ ولكن القليل مما عرفته وخبرته، عن نظم الأمن الرياسية، في فترة رئاستي، جعلني اندهش من تصوّركم أن المصريين يمكن أن يجازفوا بكشف أخطر أسرارهم الأمنية، فقط من أجل خدعة. قال مدير مخابراته، محاولاً تهدئته: - ليست مجرد خدعة، إنها سيطرة على تكنولوجيا حديثة. صاح الرئيس الأمريكي في غضب: - وكيف سيمكنهم الإفادة منها، حتى لو بذلوا كل حياتهم، من أجل الاحتفاظ بها؟!... أليست تقاريركم نفسها هي التي أكّدت، منذ شهور قليلة، أن العرب سيعجزون عن استخدام التكنولوجيا، حتى لو توافرت لديهم؛ بسبب غياب القاعدة العلمية في عالمهم، وابتعادهم عن المنطق العلمي في التفكير؟!... ألم تذكر لي أنت شخصياً، يا مدير المخابرات، أنك تعلم أن المصريين قد حصلوا على ثلاث قنابل ذرية، من الاتحاد السوفيتي المنهار؛ ولكنك لا تخشى شيئاً منها؛ لأنهم لا يمتلكون وسيلة لإطلاقها؟!... ألم يكن مصدر ثقتك هذه، كما أخبرتني، أنهم انفعاليون، يفتقرون إلى الفكر العلمي المنظّم؟!... كيف تعود فتخبرني بعدها أنهم قد خدعونا بأكثر خدع التاريخ مهارة؟!... كيف؟! أجابه مدير مخابراته في توتر: - لا تنسَ يا سيادة الرئيس، أن الخدعة التي استخدموها، في حرب (كيبور) كانت.. قاطعه الرئيس الأمريكي في غضب: - لا تحدثني كل مرة عن حرب (كيبور) هذه؛ فحديثك عنها يذكرني دوماً بأنك تنتمي إلى قومك، بأكثر مما تنتمي إلينا... احتقن وجه مدير المخابرات في شدة، وهو يقول: - سيدي الرئيس... ربما كنت يهودي الديانة، ولكنني أمريكي الجنسية، وانتمائي دوماً لوطني. مال الرئيس الأمريكي نحوه، وهو يقول في صرامة قاسية: - أي وطن منهما؟! ازداد احتقان وجه مدير المخابرات الأمريكية، وانطبقت شفتاه في توتر شديد، في نفس اللحظة التي ارتفع فيها رنين هاتف الرئيس الأمريكي المؤمَّن؛ فالتقطه قائلاً، ولم تفارقه لهجته الصارمة بعد: - ما الجديد؟ انعقد حاجباه في شدة، وهو يستمع إلى محدِّثه، وانقلبت ملامحه على نحو عجيب، يوحي بأن ما يسمعه أمر خطير... وربما لأقصى حد.
يتبع
لقراءة الأعداد السابقة من "أكشن" إضغط على لينك أكشن الموجود بجوار اسم د. نبيل فاروق