اتسعت عينا (إيناس) في دهشة بالغة، وهي تحدّق في وجه الرجل الواقف أمامها، قبل أن تسأله في انفعال: - أتعني أن كل ما حدث لم... قاطعها في حزم: - ثقي يا سيدتي في أن (مصر) مازالت تُحكم قبضتها على الموقف، على عكس ما يتراءى خارجياً. غمغمت ذاهلة: - إذن فكل هذا كان مجرد خدعة!!.. أومأ برأسه إيجاباً، وقال: - وكل شيء يسير على ما يرام. هتفت: - ولماذا كل هذا؟!.. صمت طويلاً هذه المرة، قبل أن يجيب في صرامة: - سيدتي... أنت تعلمين الكثير بالفعل، حتى هذه اللحظة... وربما أكثر مما ينبغي... ارتجفت شفتاها، ولاذت بالصمت بضع لحظات، قبل أن تتساءل في خفوت، وفي لهجة عالية التأثر: - هل لي على الأقل أن أطمئن إلى أن (جو)... قاطعها مرة أخرى، قبل أن تكمل سؤالها: - بخير حال... الجميع على ما يرام. تنهَّدت في ارتياح، وأغمضت عينيها، متمتمة: - شكراً للرب. ثم عادت تفتحهما، وهي تتساءل في حذر: - وأين هو الآن؟!... شدّ الرجل قامته، وصمت لحظة، ثم أجاب في حزم وصرامة: - يؤدي واجبه. سرت في جسدها ارتجافة سريعة، عندما سمعت إجابته، وعادت تغمض عينيها. ولم تعلق بحرف واحد... أي حرف... إنه عبقري، كما يبدو واضحاً (رسوم: فواز) "خطتكم كانت عبقرية" نقلت الأجهزة الحديثة العبارة، أو ترجمتها عن كلمات (موجال)؛ فحدَّق (جو) في الشاشة ذاهلاً، على نحو جعل رجل الأمن يتجه إليه في سرعة، متسائلاً: - ماذا يقول؟!.. أجابه (جو)، في صوت خافت منفعل: - يتحدَّث عن خطتكم.. سرى توتر عنيف في جسد الرجل، وسأل في عصبية: - وماذا يعرف عن خطتنا؟!.. نقل (جو) التساؤل في سرعة، عبر الأجهزة نفسها، إلى الكائن؛ فبدت على شفتي هذا الأخير ابتسامة باهتة، وراح يتحدَّث في لهجة شبه حماسية، دون أن يرفع عينيه عن رجل الأمن، وكأنه يوجه حديثه إليه مباشرة، في حين راح (جو) يبذل جهداً مضاعفاً، في محاولة لتفسير وترجمة تلك الإشارات والترددَّات، التي راحت تتراص على الشاشة في سرعة؛ مما جعل لهجته مضطربة، وهو ينقلها إلى رجل الأمن: - الأمر كان واضحاً... أعداؤكم هاجموكم... خدعتموهم... نقلتم كل شيء... مركبتنا... أنا... خدعتموهم. اتسعت عينا رجل الأمن في صدمة، ثم انعقد حاجباه فوقهما، وهو يتمتم في عصبية شديدة الوضوح: - يعرف كل هذا؟!.. غمغم (جو) في توتر، وهو مازال يحاول فهم الإشارات، التي راحت تتوالى في سرعة أكبر، وتتشابك على نحو فاق قدرته على استيعابها، و(موجال)، الكائن الفضائي يواصل حديثه في حماس، ملوَّحاً بيديه معاً: - إنه عبقري، كما يبدو واضحاً. ازداد انعقاد حاجب رجل الأمن، وهو يغمغم في عصبية أكثر: - بل هو شديد الخطورة. التفت إليه (جو) في دهشة مستنكرة، قائلاً: - الخطورة؟!... أجابه الرجل في حدة: - بالطبع... كيف تصف كائناً، يجهل كل اللغات الأرضية المعروفة...القديمة منها والحديثة، ويمكنه استيعاب خطة معقدّة بهذا الوضوح؟!... قال (جو) في حدة: - بالعبقرية!.. هزّ الرجل رأسه نفياً في حدة، وقال في صرامة عصبية: - العبقرية وحدها لا تكفي، في مثل هذه الأمور... لابد له من خبرة طويلة وعميقة... ثم ألقى نظرة حذرة على الكائن، قبل أن يميل على أذن (جو)، مستطرداً في همس: - خبرة أمنية. تراجع (جو) في دهشة مصدومة، وهتف مستنكراً: - لعلك لا تتصور أن... قاطعه الرجل في قسوة صارمة: - لست أتصور شيئاً. انعقد حاجبا (جو) في غضب متوتر، وانعقدت الكلمات على لسانه بضع لحظات، قبل أن يقول في حدة: - أظننا بحاجة إلى عالم آخر بالفعل. وصمت لحظة قصيرة، ثم أضاف في حدة أكثر: - عالم عربي. ألقى عليه رجل الأمن نظرة صارمة، وقال: - مازلت ترفض ذلك الروسي... أليس كذلك؟! أجابه (جو) في عصبية: - بل أعجز عن استيعابه... أو بمعنى أدق، أعجز عن استيعاب أنكم قد استعنتم به. أوْلاه الرجل ظهره، وابتعد عن القفص الزجاجي، وهو يجيب في صرامة: - ماذا كنت تتوقع إذن؟!... (مصر) لم تدخل أبداً عصر الفضاء، ومحاولتها الوحيدة لإنتاج الصواريخ لم يكتب لها الاستمرار؛ بسبب تحالف القوى العالمية، والمخابرات الإسرائيلية ضدها، وليست لدينا أية خبرة عالمية في مجال ارتياد الفضاء أو علومه... حتى قمر الاتصالات (نايل سات)، استعنا فيه بخبرة فرنسية؛ فكيف لنا أن نتعامل مع موقف كهذا، على الوجه الأمثل، دون الاستعانة بالخبرات اللازمة؛ وخاصة بعد أن اتضح موقف الأمريكيين من الأمر؟!. قال (جو) في توتر: - ولماذا ليست خبرة فرنسية، كما فعلنا مع (نايل سات)؟!.. بدا رجل الأمن شديد العصبية، وهو يقول: - وما عيب (تروتسكي)؟!.. لوَّح (جو) بذراعه كلها، وهو يحاول اللحاق به، هاتفاً: - لست أعرف (إيفان تروتسكي) هذا إلى حد انتقاده، أو حتى الاعتراض على علمه... إنني مندهش من الاستعانة بسوفيتي، في أمر شديد الحساسية والسرّيّة كهذا. قال رجل الأمن في خشونة، وهو يواصل الابتعاد: - لم يعد هناك سوفيت، بعد سقوط الاتحاد السوفيتي يا رجل... إنه روسي... عالم فضاء روسي، أوْلى اهتماماً كبيراً لدراسة كيفية إجراء اتصالات، مع مخلوقات في كواكب أخرى، لا تتحدث اللغات الأرضية، وأظن هذا يتفق مع عملك... أما بخصوص الحساسية والسرية، فاترك الأمر لنا... وزاد من سرعته لحظات، انحرف خلالها خلف جهاز كبير، وهو يكمل، في خشونة أكثر، وصرامة أقسى: - إنه عملنا. دار(جو) حول ذلك الجهاز الكبير ليلحق به، و... وفجأة، التفت إليه رجل الأمن، وبدا شديد الغضب والصرامة، إلى حد مخيف، وهو يمسك معصمه، ويجذبه إليه في قوة، جعلت (جو) يطلق شهقة مكتومة، وخاصة عندما وجد وجهه على قيد سنتيمترات من وجه رجل الأمن، الذي انعقد حاجباه في شدة لم يشهدها من قبل قط، وهو يقول في عنف قاس: - اسمعني جيداً... أنت هنا فقط لتجد وسيلة تواصل مع ذلك الكائن، الذي لم تتضح نواياه، ولا نوايا من أرسلوه إلينا بعد، حتى هذه اللحظة، وليس لكي تناقش وتنتقد أساليب عملنا، ولا إجراءات حفظ الأمن التي نتخذها هنا، على الأخص ليس أمام هذا الشيء. امتقع وجه (جو) وصوته، وهو يغمغم: - هذا الشيء له اسم. جذبه رجل الأمن، في عنف أكثر، وهو يقول في شراسة، بلغت أوجاً يوحي بنفاد الصبر: - هذا الشيء، وفقاً لقواعدنا نحن، سيعتبر شديد الخطورة حتى يثبت العكس. كان (جو) يرتجف؛ إلا أنه قال في عصبية: - ومن سيثبت هذا؟!... الروسي؟! أتاه الجواب من خلفه، بصوت بارد، ولغة عربية، ذات لكنة شديدة القوة: - معذرة لمقاطعتي حديثكما الودّي هذا، ولكن يبدو أن أحدكما يشير إليَّ، على نحو ما. جذب (جو) نفسه من قبضة رجل الأمن في حدة، والتفت إلى صاحب الصوت البارد واللكنة، وارتطم بصراهما... وتجمد الموقف كله... تماماً. يتبع
لقراءة الأعداد السابقة من "أكشن" إضغط على لينك أكشن الموجود بجوار اسم د. نبيل فاروق