ننشر كراسة شروط حجز شقق جنة بمقدم 100 ألف جنيه    عيار 21 بكام بعد الارتفاع؟.. سعر الذهب اليوم الأحد 27 أكتوبر 2024 بالصاغة (تحديث الآن)    عادل حمودة: سباق أمريكا والصين على الذكاء الاصطناعي سيغير العالم بحسب «ترامب»    المجلس القومى للمرأة ينظم ندوه للاحتفال بمرور 51 عاما على انتصارات أكتوبر    ترتيب الدوري الاسباني بعد فوز برشلونة على ريال مدريد في كلاسيكو الأرض    مدير الطاقة الذرية: المنشآت النووية الإيرانية لم تتأثر بالضربة الإسرائيلية    مقتل 4 أشخاص إثر تحطم مروحية روسية    الطاقة الذرية: منشآت إيران النووية لم تتأثر بالضربات الإسرائيلية الأخيرة    لامين يامال يسجل رقماً تاريخياً في كلاسيكو ريال مدريد وبرشلونة    عمرو أديب: لازم القانون ياخد مجراه في محاكمة ثلاثي الزمالك (فيديو)    هشام حنفي: عقوبات كاف على الزمالك "ظالمة"    دوري المحترفين.. منتخب السويس يواجه سبورتنج    ترتيب شيكابالا في تسديد ركلات الترجيح ورد فعله بعد إضاعتها.. الزمالك يكشف (فيديو)    الصور الأولى للمجني عليه الذي عثر على جثته وزوجته داخل منزلهما في ظروف غامضة بأسيوط    «بكرة يحصل في إخواتكم»..سائق ميكروباص معدية أبوغالب يكشف ما قالته «سيدة» لشباب عاكسوا فتيات قبل الغرق (خاص)    حريق هائل ب"جرن" لتخزين قش الأرز في البحيرة.. صور    إسعاد يونس توجه رسالة ل"الزعيم" عادل إمام من مهرجان الجونة السينمائي    أشخاص يمكنهم أداء الاستخارة بالدعاء فقط دون صلاة ركعتين.. من هم؟    أحزاب المعارضة الجورجية المؤيدة للغرب ترفض نتائج الانتخابات.. وتصفها ب«المزورة»    محافظ الوادي الجديد: استكمال إجراءات حوكمة صندوق استصلاح الأراضي بالمحافظة    أسعار الطماطم والخيار والخضار بالأسواق اليوم الأحد 27 أكتوبر 2024    أخبار × 24 ساعة.. "100 يوم صحة" قدمت 135.7 مليون خدمة مجانية خلال 86 يوما    تفاصيل مشاركة جامعة سوهاج في ورشة حول مناهضة العنف ضد المرأة بأسيوط    بالصور.. من هو الطفل أنس الذي صافحه الرئيس السيسي؟    "إيقاف وغرامة مالية".. كاف يعلن العقوبات ضد الزمالك بعد أحداث السوبر الأفريقي    عصام الحضرى: أتمنى أن يكسر الشناوى أرقامى.. والمنافسة مع عواد مصلحة للمنتخب    موعد مباراة آرسنال ضد ليفربول والقنوات الناقلة في الدوري الإنجليزي    إحباط محاولة تهريب 7 طن دقيق بلدي بقنا    تراجع سعر الفراخ البلدي وكرتونة البيض الأحمر بالأسواق اليوم الأحد 27 أكتوبر 2024    رئيس الموساد يتوجه للدوحة لبحث صفقة تبادل المحتجزين    قدم الاعتذار.. إحالة مدرس للتحقيق بعد تنمره على التلاميذ    «وداع على غير العادة» .. الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم حتى نهاية أكتوبر (بيان مهم)    نوة المكنسة 2024.. موعد أول نوة ب شتاء 2024 وتأثيرها على المدن الساحلية في مصر    ضبط 7 أطنان دقيق بلدي مدعم قبل بيعها في السوق السوداء بقنا    عادل حمودة: ترامب ظل منخرطًا في الحزب الجمهوري بعد مغادرته البيت الأبيض    زاهي حواس: هتلر رفض إعادة رأس نفرتيتي لمصر وأمامنا إجراء وحيد لاستعادتها (فيديو)    مُلحن «أكتب لك تعهد» يفجر مفاجأة: الأغنية كانت لشيرين عبدالوهاب (فيديو)    مكالمة هاتفية ستتركك حزينًا.. توقعات برج الدلو اليوم 27 أكتوبر 2024    حدث بالفن| رقص أسماء جلال في مهرجان الجونة وأروى جودة تكشف تفاصيل حفل زفافها ووفاة فنانة    تركي آل الشيخ يكشف البوستر الرسمي لمسرحية "إس إس هانم" استعدادًا لعرضها في "موسم الرياض"    لماذا شبه الله المبذرين بالشياطين؟.. أستاذ بجامعة الأزهر يجيب لقناة الناس    إسلام عفيفى لأبطال أكتوبر: نحن الآن نصنع انتصارا آخر وهو الجمهورية الجديدة    استشهاد العشرات في قصف إسرائيلي على مربع سكني في بيت لاهيا    مستشفى قصر العيني جامعة القاهرة يستقبل عددًا من الخبراء من آسيا وإفريقيا في مجال أورام البروستاتا    محافظ المنيا يتفقد سيارات الخدمة الصحية للزيارات المنزلية ضمن مبادرة "بداية"    طلب إحاطة وسؤال برلماني للحكومة بشأن أزمة التصالح على العيادات    خالد الجندي: لبس الرجال سلسلة فضة تشبه بالنساء.. فيديو    الولايات المتحدة توافق على بيع تحديث F-16 Viper لبولندا لتعزيز القدرات الدفاعية    هل يجوز استبدال أدوية التأمين الصحي بغيرها من الصيدلية؟.. أمين الفتوى يوضح    فترة مُحيرة.. "الأرصاد" توضح طقس الأيام المُقبلة    رئيس أركان القوات المسلحة يتفقد إجراءات التأمين على الاتجاه الاستراتيجى الجنوبى    وزير الصحة يثمن دور الإعلام في تغطية مؤتمر السكان بصورة مشرفة لمصر    محافظ أسوان يعتمد نتيجة مسابقة الوظائف الإشرافية ل 575 معلمًا    وزير التعليم العالي يفتتح عددًا من المشروعات التعليمية والصحية بجامعة الإسكندرية    صحة الدقهلية: تطعيم 7500 سجين باللقاح الكبدي الفيروسي "بي "    وجه بها الرئيس السيسي..مدبولي :تجربة المدارس اليابانية شديدة التميز    وزير الأوقاف: القرآن الكريم هو المعجزة الخالدة التي أيد الله عز وجل بها نبيه    هل تجب قراءة الفاتحة بعد الإمام في الصلاة الجهرية أم يجوز تركها؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"بص وطل" يقضي ليلة مع "الغجر"
نشر في بص وطل يوم 24 - 03 - 2010

كلمة "غجر" قد نسمعها كثيرا سواء في حياتنا اليومية أو في الأعمال الدرامية، وهي عادة ما تقال تعبيرا عن الهمجية أو رمزا للسلوكيات السيئة، ولكن هل فكّر أحد منا أن يعرف من هم هؤلاء الغجر؟
حاولنا البحث عنهم فلم يكن الأمر باليسير؛ لأنهم يعيشون في تجمعات صغيرة بأطراف مدن وقرى المحافظات، وعرفنا أن أكبر تجمع لهم هو ذلك الموجود بالفيوم، فذهبنا هناك، وبالسؤال وصلنا إلى مكانهم حيث وجدناهم في أرض فضاء بجوار وحدة مرور الفيوم، وكان الوقت نهاراً وتحديداً في وقت الظهيرة، وتجوّلنا وسط خيامهم وبيوتهم البسيطة جدا، ولكن لا وجود لأحد سوى الأطفال الصغار فقط، ورجل وزوجته داخل خيمة؛ ليخبرانا بعد أن شعرا بالريبة -لأننا غرباء عنهم- بأن رجال القبيلة ونساءها خرجوا إلى العمل وعودتهم تكون مع نهاية النهار (عند أذان المغرب) حيث يرعون الأغنام ويعملون بالحدادة والحقول وضرب الودع.
تركنا القبيلة وعدنا مع نهاية النهار لنقضي ليلتنا مع الغجر، ولم يكن الأمر أيضا بالسهل فهم لا يتعاملون مع أي شخص غريب إلا بصعوبة شديدة، ولكن تدريجيا بدأوا في الحديث، ولكن من خلال شيخ القبيلة أولا، وفي حضوره، وأصرّوا على أن نشرب معهم الشاي قبل أي شيء.
الغجر أصلا من الهند
وبدأ حسان إبراهيم شيخ القبيلة (70 عاما) حديثه معنا قائلا: إن الغجر حضروا إلى مصر منذ مئات السنين من بلاد الهند، وكانوا ينتشرون في معظم المحافظات؛ خاصة الحدودية مثل مطروح وأسوان وشمال سيناء والإسكندرية، ولكن بالترحال وصلوا إلى الدلتا؛ حيث العمل بالزراعة والحدادة، والقليلون يعملون بضرب الودع حيث يعتبر من أدوات الجذب السياحي في بعض المناطق بالفيوم مثل بحيرة قارون والسواقي وغيرها، وقد اقتصر وجود الغجر حاليا على محافظات الفيوم والغربية والقليوبية، وهم يتمسكون بعادات وتقاليد خاصة بهم، واختلاطهم بالخارج في حدود العمل والبيع والشراء فقط، ونحب العيش في هدوء، ولسنا همجاً كما يقال عنا، بل نحترم الناس جميعا كما نحترم بعضنا البعض.
وأضاف: الغجر لا يحملون أي أوراق رسمية بسبب ترحالهم الدائم، لذلك فهم يتوارثون الزواج ب"القصلة" منذ زمن بعيد، ولم يعتادوا الذهاب إلى المأذون، ويعتمدون على الثقة في الزواج، كما يعتمدون عليها في عمليات البيع والشراء فيما بينهم التي تتم بدون أي عقود.
و"القصلة" تكون عبارة عن عود من البرسيم أو القمح يقوم شيخ القبيلة بقطعه إلى نصفين؛ واحد للعريس والآخر للعروس، وبذلك يتم إعلان الزواج بعد قراءة الفاتحة في حضور أبناء القبيلة وأهل العروسين، والغجر لا يتزوّجون إلا من بعضهم، ولا يقبلون الغرباء، ومن مظاهر الفرح التي نعقدها وقت الزواج إطلاق الزغاريد بصوت مرتفع، ويرقص الرجال بالعصيّ.
سيدة مسنة من الغجر
الزوجة مسئولة عن التليفزيون والثلاجة
والزوج مسئول عن تجهيز المنزل أو الخيمة بفرشتين (مرتبتين) ووسادتين، أما الزوجة فتشتري التليفزيون والثلاجة، وأواني الطهي من نوع النحاس الأصفر الثقيل وموقد نار عبارة عن بوتاجاز صغير، أو قد تعتمد الزوجة على الطهي على نار الحطب ببناء فرن بلدي (كانون) وهو الذي يفضّله الغجر.
وأضاف أن الغجري يحرص دائما على اقتناء أكبر كمية من الشاي الذي يعشقه، وهو شيء أساسي ولا غنى عنه، والطلاق عندنا -وهو يتم في أضيق الحدود- يحدث بشكل ودي وفي اجتماع أهالي العروسين من دون أوراق رسمية، ولا يجوز عودة الزوجة إلى زوجها إذا وقع الطلاق إلا بعد مرور أربعة أشهر.
وداخل إحدى الخيام جلسنا مع أحدث زوجين بالقبيلة، وهما شهاب محروس وفردوس نصير، وقال الزوج: لم أتحدث مع زوجتي ولو مرة واحدة قبل الزواج؛ فذلك ممنوع في قبيلة الغجر، وتقدمت للزواج منها عندما بلغ عمرها ستة عشر عاماً، وطلب أبوها عشرة رؤوس من الأغنام مهراً لها، ولا تزيد فترة الخطوبة عن ستة أشهر، وقمت بتجهيز خيمة الزواج، وتمت مراسم الزواج بحضور الأهل وشيخ القبيلة، وقمنا أنا وزوجتي باقتسام "القصلة" (عود البرسيم)؛ ليتم إعلان الزواج، ولا يعني تلف عود البرسيم بعد الزواج وقوع الطلاق فهو مجرد تقليد فقط.
امرأة غجرية بالزي التقليدي
الزوجة الغجرية لا تذهب إلى الكوافير ولا حتى يوم زفافها
أما الزوجة فقالت إنها تحاول مساعدة زوجها في عمله برعي الأغنام، بالإضافة إلى عملها في ضرب الودع بالمناطق السياحية بالفيوم، وهي مرتدية الزي التقليدي الذي يغطيها بشكل كامل.
أضافت: الزوجة الغجرية تتسم بالطاعة العمياء لزوجها وعدم كشف وجهها على أي شخص غريب، ولا تذهب إلى الكوافير ولا حتى يوم زفافها، بل يتم تزيينها بالحناء بواسطة سيدات القبيلة، وتضعها العروس على قدميها ويديها، وكذلك الزوج، ولا تخرج ليلا إلا ومعها زوجها أو أحد من أقاربها من الدرجة الأولى فقط، وشبكة العروس تكون عبارة عن قطعة واحدة من الذهب إما أن تكون قرطا ذهبيا أو خلخالا أو أسورة.
وأشار مازن أبو خليل إلى أن أغلب الغجر يعملون في الزراعة كعمال تراحيل؛ خاصة في مواسم حصاد الأرز والذرة والقمح، فيساعدون فلاحي القرى مقابل حصولهم على كمية بسيطة من المحصول حسب تقدير صاحب العمل، ويعمل البعض في الحدادة خاصة صناعة مستلزمات الزراعة مثل المنجل أو الفأس، وبعض السيدات يقُمْن بضرب الودع وقراءة الطالع أو في الأعمال اليدوية مثل تطريز الملابس.
وأضاف: بالنسبة لوقوع أي خلاف أو مشكلة بين أبناء القبيلة يتم حلها من خلال الجلسات العرفية التي يترأسها شيخ القبيلة؛ وهو الشخص الأكبر سنا والأكثر حكمة، وهناك علاقات تربطنا بالغجر الموجودين بمحافظتي الغربية والقليوبية، ولكنها على فترات بعيدة؛ حيث نتبادل الزيارات وأيضا المصاهرة فيما بيننا، واحترام الصغير للكبير عندنا شيء مقدس؛ فلا يصحّ نهائيا أن يرفع شاب صغير صوته على رجل مسنّ، وكذلك ليس من المقبول أن تقوم بذلك الزوجة مع زوجها.
الغجر لا يستطيعون امتلاك أرض لعدم وجود أوراق رسمية لهم
وأوضح رمضان عمار أنه لا وقت للنزهة عند الغجر؛ فالجميع يعمل طول النهار، وفي الليل نجلس بالخيمة أو البيت، ويتم طهي الطعام الذي لا يخرج عن الأرز والخبز -وفي بعض الأوقات القليلة نأكل اللحم- وشرب الشاي، والنوم يكون قبل الساعة العاشرة مساءً صيفا، وننام قبل الثامنة في فصل الشتاء.
ومن أهم المشاكل التي تواجهنا هي عدم إلحاق الأبناء بالتعليم؛ لعدم وجود أوراق رسمية، وكذلك لا نستطيع امتلاك أرض أو منزل، ومع ذلك نحن متمسكون بعاداتنا وتقاليدنا، ولا نقبل غيرها أو العيش داخل المدن.
عندما وصلت عقارب الساعة إلى العاشرة مساءً كان علينا ترك القبيلة؛ لأنه قد حان موعد نومهم الذي اعتادوا عليه، لتنطفئ أنوار المصابيح، ويحل السكون التام على المكان.
أردنا أن نتعرف أكثر على طبيعة الغجر، وأصولهم، فسألنا عنهم الدكتور محمد عفيفي، أستاذ التاريخ الحديث بجامعة القاهرة، فقال إن الغجر حضروا إلى مصر منذ ألف عام عند طريق الارتحال من الهند؛ ليعملوا في مهن الحدادة وضرب الودع وغير ذلك، ولهم لغة سرية يستخدمونها فيما بينهم في بعض الأوقات تسمى "الروم"، التي لا يفهمها غيرهم، والزوجة عند الغجر عادة تعمل مثل الرجل وأكثر، والغجريات بارعات في عمل أنواع الزينة؛ فيُتقنَّ رسم الكحل بالعين، ويضعن حلقات كبيرة في آذانهن، وبارعات أيضا في تسريحات الشعر، وعمل الضفائر المستعارة بالمناديل، ويملكن مهارات التطريز اليدوي على أزيائهن بالخرز والخيوط الملوّنة.
وأضاف: عدد الغجر في العالم حوالي 12 مليون شخص، بعد أن قضى هتلر على نصف مليون منهم حيث كان ينظر إليهم باعتبارهم عنصرا منحطّا، والغجر ينتظمون في سلك الدين الشائع في البلد الذي يعيشون فيه، ويقررون الاستقرار به ويتعلمون لغته، وأشار إلى أن عددهم في مصر لا يتجاوز الخمسة آلاف غجري موزعين على محافظات الفيوم والغربية والقليوبية وأكبر تجمع لهم هو الموجود بالفيوم.
إذن فالغجر ليسوا عيباً أو سُبة في المجتمع، ولكنهم فئة تقوم عاداتهم ومبادئهم على الاحترام، ويقبلون الغريب طالما وثقوا به وبنيته، وطالما أنه لا يجرّ عليهم الأذى، وهم أيضا مستعدون للاندماج أكثر في المجتمع -مع التمسك بعاداتهم وتقاليدهم- فلا يمانعون أن يلتحق أبناؤهم بالتعليم أو يتزوجون بأوراق رسمية، وهو الأمر الذي يجب أن ينظر إليه المسئولون حتى لا ينظر إليهم باعتبارهم فئة مهمّشة، وتلتصق بهم الصفات البعيدة عن طباعهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.