أسماء مصطفى تعلمنا في المدارس التاريخ كالحساب تماما، ثوابت وأرقام ونقاط غير قابلة للنقاش، لكن الحقيقة أن التاريخ ما هو إلا وجهات نظر، ومع الأسف القليل من المؤرخين محل ثقة، على مر العصور وفي كل الأمكنة، لذلك من يريد أن يقرأ في التاريخ ليصل إلى اليقين في معلومة تاريخية معينة لا بد أن يتوسع بقراءاته لأكثر من مؤرخ أو كاتب، ويقارن بنفسه الآراء المختلفة ليصل لأقرب حقيقة ممكنة. الأسوأ في كتابة التاريخ ليس فقط كتابته من وجهة نظر فردية والتعصب لرأي وحيد، لكن المأساة الحقيقة هي التزييف الواضح المتعمد في الأحداث، ولهذا أسباب كثيرة، معظمها تكون أهداف متدنية لا تخطر على البال، كأن يكون للمؤرخ مصلحة ما عند مرتكبي جريمة مثلا، فيبدأ في نفي ما فعلوه ويثبت ذلك بأدلة مزيفة. أو أن يكون المؤرخ مؤرخ السلطان -كشيوخ السلاطين- فيكتب تاريخ حقبة معينة كلها تصب في مصلحة الملك لتظهره أعظم الملوك. لكن الغريب أن بعض المعلومات التاريخية أخذت في التداول لسنين طويلة على الرغم من زيفها الواضح، ويمكن اكتشافها ببحث بسيط من غير المتخصصين حتى، كمعلومة أن العرب هم من أحرقوا مكتبة الإسكندرية على يد عمرو بن العاص وبأمر من عمر بن الخطاب، التي ظلت متداولة لفترة خصوصا في أوروبا، وتعامل معها البعض كأنها حقيقة وأعدوا أبحاثا عنها، موضحين فيها مدى كُره العرب للعلم والثقافة ومدى وحشية الفتح العربي لمصر. تلك المعلومة التي ذكرت في دائرة المعارف البريطانية Encyclopedia Britannica في طبعتها ال11 ثم تم حذفها في الطبعة ال14 بعد أن تأكد المحققون من كذب المعلومة. الفتح الإسلامي لمصر تاريخه ثابت ومعروف، وهو عام 640 ميلادي، حيث دخل عمرو بن العاص مصر بجيش قوامه 4000 جندي عن طريق العريش، ثم بلبيس، ثم عين شمس، ثم حصن بابليون، ثم توجه إلى الإسكندرية وحاصرها لمدة 14 شهرا، وحين دخل الإسكندرية كان ذلك عام 642. ومن الثابت تاريخيا أنه حين دخل الإسكندرية لك تكن المكتبة موجوده أصلا! الحقيقة أن الروايات تعددت حول ظروف حرق مكتبة الإسكندرية، لكن الثابت أن إحراقها كان عام 48 قبل الميلاد، أي قبل دخول عمرو بن العاص مصر بقرون! الرواية الأشهر والأقرب للصحة في مسألة حرق مكتبة الإسكندرية، تقول إن الذي حرق المكتبة هو يوليوس قيصر دون قصد، حيث حضر يوليوس قيصر إلى الإسكندرية لحل النزاع القائم بين كليوباترا وأخيها بطليموس على حكم مصر، كان بطليموس يشعر أن الإمبراطور قيصر يميل إلى نصرة كليوباترا عليه نظرا لحُسنها الأخّاذ، وفي أثناء وجود يوليوس قيصر في القصر الملكي بالإسكندربة حاصره بطليموس بجيشه، فطلب يوليوس قيصر النجدة من بلاد أخرى تابعة للإمبراطورية الرومانية، وكان يوجد عدد من السفن على شاطئ البحر المتوسط أمام مكتبة الإسكندرية، فأمر يوليوس قيصر بحرقها حتى لا تستفيد منها قوات بطليموس المحاصرة له، فامتدت النيران للمكتبة فأحرقتها بالكامل. ومن تلك الرواية يتأكد لنا أن حتى يوليوس قيصر لم يكن قاصدا حرق المكتبة، وإنما هو الحظ العاثر، وتأتي الرياح بما لا تشتهي مكتبة الإسكندرية!