في غزة كل شيء متوقع أن يحدث في ظل ما يعيشه هذا القطاع الصغير من ظروف قاسية ناتجة عن العدوان الإسرائيلي ولكن لم يكن أحد يتوقع أن تصل أسعار الإيجارات للشقق السكنية في هذا القطاع الضيق المساحة والذي لا يتجاوز 360 كيلو مترا لأسعار خيالية؛ فأن تأخذ شقة في قلب مدينة غزة جميلة ونظيفة تحتاج حوالي 1000 دولار للشقة الواحدة شهريًا وذلك كنتيجة طبيعية لحجم الدمار الكبير الذي لحق بآلاف المنازل الغزية وما يقابله من قلة في عدد الشقق المجهزة للإيجار. فقد تسبب العدوان الإسرائيلي في تدمير نحو 30 ألف منزل بشكل كلي و60 ألف منزل بشكل جزئي وهذا تسبب في نزوح آلاف العوائل الغزية باتجاه قلب غزة فمن يملك سعر شقة يستأجر ومن لا يملك ثمن الإيجار ينزح إلى المدارس أو ساحات المستشفيات. فسياسة تدمير المنازل المتبعة في هذه الحرب البربرية استطاعت أن تحدث أزمة عميقة في السكن ستبقى غزة تعاني منها لسنوات قادمة تضاف إلى أزمة كانت موجودة قبل العدوان بسنوات وهو توقف كامل لأعمال البناء بسبب منع إسرائيل لدخول الإسمنت ومواد البناء لغزة مما رفع من أسعار الشقق السكنية. المواطن محمد سالم -من سكان بلدة بيت حانون الواقعة شمال قطاع غزة- يقول ل مصر العربية: "أبحث منذ أسبوعين عن شقة ولم أجد المناسب لقد وجدت عدة شقق ولكن سعر إيجارها في ظل الفقر والبطالة المنتشرة بنسب عالية في غزة وفي ظل ما خلّفه العدوان الإسرائيلي من دمار في الاقتصاد فسعرها خيالي يصل إلى 1000 دولار كإيجار شهري في قلب مدينة غزة وأنا حقيقة لا أستطيع تأمين هذا المبلغ لأن دخلي محدود لا يتجاوز 300 دولار فهذا وضعي وما بالكم في أشخاص ليس لديهم عمل أصلا " . وأضاف: وفي هذه الأزمة الآخذة بالتصاعد حتى الشقق السكنية التي لا تصلح للسكن في غزة وتنتشر فيها الروائح الكريهة باتت مطلوبة وبإيجار عال يصل إلى200 دولار شهرياً. وقال الشاب الثلاثيني محمد عمر :" غمرتني الفرحة والسعادة عندما أخبرني أحد أصدقائي أنه وجد لي شقة سكنية وحينها لم أساله عن سعر إيجارها " . وتابع وهو يصطحبنا للشقة التي لا تتجاوز 70 متر وتكاد تنعدم فيها التهوية الجيدة مع شح كبير في المياه وكذلك النظافة حيث الجرذان تحت أقدامنا والزواحف على جدران البيت حولنا : أطفالي أصابهم أمراض جلدية غريبة من هذا المكان الذي لا يصلح للسكن الآدمي ولكن رغم ذلك أنا مسرور لأنني وجدت مكانا يسترني أنا وأطفالي وزوجتي مع العلم أن إيجار هذا المكان تجاوز 180 دولار في الشهر غير فاتورة المياه والكهرباء " . وقالت السيدة أم محمد المتواجدة في إحدى مدارس الأونروا حين سألناها عن سبب تواجدها حتى الآن في ساحة المدرسة وهي تحبس دموعها في عينيها الحزينتين: "أنا سيدة أرملة وسعر الشقق مرتفع جدا لا أملك سعر إيجار شقة فبقيت في هذه المدرسة لتسترني أنا وأطفالي ". وتابعت " أهل غزة لم يرحموا بعض فعلي الرغم من الظروف الصعبة التي نعيشها إلا أن الاستغلال واضح من قبل أصحاب الشقق فبيوتنا دمرت ولجأنا للمدارس حتى تتكفل الأونروا بتقديم الطعام والشراب لنا ولأطفالنا لا معيل لنا وأوضاعنا صعبة جدا". وإذا انتقلنا من معاناة الحصول على شقة في غزة إلى لهيب الأسعار في الفنادق فستتعب نفسك في البحث كثيراً لأنك إن وجدت وكنت محظوظاً فغرفتان متواضعتان في فندق متواضع لأسرة صغيرة فإن ليلة المبيت الواحدة تتجاوز 360 دولار وعلى الرغم من ذلك فهذه الفنادق مكتظة بالنزلاء بالطبع ليسوا من فقراء المخيمات الهاربين من جحيم القذائف والقصف الإسرائيلي بل من الصحفيين الأجانب والعاملين في المؤسسات الإغاثية الدولية وعدد قليل من أغنياء ورجال أعمال غزة مع العلم أن فنادق غزة تعد على أصابع اليد وليست بمستوى الفنادق الموجودة في دول العالم . والمشهد المبكي والمضحك في نفس الوقت أن عددا من الغزيين هربوا للفنادق على الرغم من ارتفاع أجرها حتي يحتموا فيها على اعتقاد أنها لن تتعرض للقصف . ويصف الشاب حامد شحادة -موظف في إحدى المؤسسات الدولية في غزة- والمتواجد في فندق الموفمبيق على ساحل بحر غزة أسعار غرف الفندق بالمرتفعة جدا، ويقول: "بحكم عملي وأني أتقاضى راتبا عاليا توجهت للفندق هربا من القصف والدمار الذي طال كل شيء ولكن لم أكن أعلم أن غرفتين في الفندق سيكون سعرهما 360 دولارا في الليلة الواحدة " مع العلم أن سعر المبيت كان قبل الحرب لا يتجاوز 80 دولارا في أكثر الفنادق في غزة رقيًا. الإيجار وأماكن الإيجار حدّث ولا حرج ففي شوارع غزة وأزقتها وحواريها تجد شيئًا غريبًا جديدًا وهو أن عددا من الأسر الغزية لجأوا لاستئجار محلات تجارية فارغة للسكن فيها في ظل الأوضاع الصعبة التي يعيشها أهل غزة كإفراز طبيعي للعدوان الإسرائيلي على غزة وذلك بعد أن فقدوا الأمل في الحصول على شقق سكنية مع العلم أن سعر الإيجار للمحل الواحد شهرياً من 150 إلى 200 دولارا وفي الأوقات العادية يتم تأجير هذه المحال كدكان أو كراج للسيارة بمبلغ لا يتجاوز 50 دولارا. إنها غزة الحزينة المنكوبة التي يبحث فيها الأطفال والكبار عن مأوى ومكان يحتمون فيه من الصيف وحرارته بدلاً من السكن في ساحات المستشفيات والمتنزهات التي أصبحت مأوى الأسر الغزيية بعد أن فقدت هذه الأسر منازلها التي دمرت بآلة الخراب الإسرائيلية التي طحنت الأخضر واليابس خلال الحرب على غزة والتي تسببت وفق إحصائيات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" التابعة للأمم المتحدة بتشريد ونزوح نحو نصف مليون فلسطيني يتواجد منهم نحو 210 ألف نسمة في المدارس ومراكز الإيواء التي انتشرت فيها الأمراض بسبب اكتظاظ النازحين مما تسبب في إصابة العديد من الأطفال بأمراض منها الجدري والالتهابات المعوية . المصدر : مصر العربية