تحولت "أبراج الندي" التي تقع في بلدة بيت حانون شمال قطاع غزة الى ركام بعد ان كانت تسر الناظرين..الدمار الذي حل بها تعجز عن وصفه الكلمات، وشاهد على وحشية جيش الاحتلال الاسرائيلي الذي كان أبرز انجازات "بنك أهدافه" منذ بدء عدوانه فى السابع من يوليو الماضي استهداف البنى التحتية والمقار الحكومية الفلسطينية والمنازل والنساء والاطفال والشيوخ والمستشفيات والطواقم الطبية. وتعرضت الأبراج التي انشئت مع قدوم السلطة الفلسطينية عام 1994 وما زال يرفرف عليها "العلم الفلسطيني" لدمار هائل أتي على ستة من إجمالي 25 بناية متجاورة في المنطقة التي تقع قرب "معبر إيرز" ولا تبعد كثيرا عن الشريط الحدودي مع إسرائيل. ومن بين الأطلال ووسط الانقاض المتناثرة،يحكي خليل إبراهيم (موظف سلطة) لوكالة أنباء الشرق الأوسط تفاصيل استهداف الابراج قائلا:"القذائف هطلت عليها كالمطر من كل جانب..البرج تصدع..النوافذ سقطت على الأرض وأصبح الأطفال يفزعون ويصرخون خوفا من أزيز الطائرات وطلقات المدافع وأصوات الرصاص وكان جل همنا هو كيف نوفر لهم الحماية بأجسادنا ونبث الطمأنينة فى نفوسهم". وأضاف "القصف كان مركزا فى البداية على الاراضي الخالية مقابل الابراج، ثم تعرضنا لقصف مكثف وعشوائي من طائرات "إف 16" والمدفعية مما أجبرنا جميعا على اللجوء إلى مدرسة تابعة لوكالة الغوث "الأونروا" لا نحمل أي متاع لعلنا نجد فيها الحماية والأمان واصبحنا في عداد المشردين". وتضم أبراج الندى 25 بناية، كل واحدة تضم نحو 20 عائلة تم قصف 6 بنايات منها بطائرات "إف 16" مما أدى الى تدمير بنايتين بشكل كلي والاربعة الاخرى أصبحت عبارة عن هيكل متهالك ومعرض للسقوط في أية لحظة ولم تعد صالحة للسكن،فيما أصابت باقي الابراج بأضرار متوسطة يمكن اصلاحها. وتابع إبراهيم (35 عاما) فى حسرة قائلا :"غالبية سكان الأبراج موظفو سلطة ونحو ثلاثة أرباعهم لا علاقة لهم بالتنظيمات من قريب او بعيد،واستهدافنا دليل دامغ على أن الاحتلال يستهدف الكل الفلسطيني لا فرق عنده بين فتحاوي وحمساوى او مواطن عادي". وتشير احصاءات موثقة إلى أن عدد المدنيين الذين فروا من منازلهم بحثا مأوى آمن منذ بدء العدوان قد ارتفع إلى نحو نصف مليون نازح نصفهم تقريبا يقيمون في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا" التابعة للامم المتحدة في القطاع. وشدد إبراهيم على أن الجرائم الاسرائيلية لن تفلح فى كسر ارادة الشعب الفلسطيني رغم ما حل بنا من دمار وخراب ، مؤكدا أنها دليل على ضرورة تعزيز الوحدة الوطنية وانهاء الانقسام بشكل فعلي ونهائي والاتفاق على برنامج وطني موحد لمواجهة الاحتلال. وطالب حكومة الوفاق الوطني باعادة بناء الابراج المدمرة وتوفير وسائل العيش الكريم للمشردين لحين العودة الى منازلهم ،وقال "على الحكومة أن تشد على أيدينا وألا تسمح بأي حال من الأحوال بان يتحول سكان القطاع المشردين الى قطيع من المتسولين". ويلتقط طرف الحديث ناهض القطش الذي يقطن في عزبة بيت حانون الملاصقة لأبراج الندى قائلا:"اخي يسكن في احدى الشقق هنا وقد فقد كل شىء ولم ينج سوى بنفسه واولاده لكنه لم يستطع أن يلوذ ببيتى القريب لان القصف العشوائي طال الجميع ودفعنا للهروب لاحدى مدارس الاونروا". وطالب القطش صاحب اللحية الكثة والذي يبلغ من العمر خمسين عاما حكومة التوافق باعادة بناء البيوت المدمرة واعمار وترميم المتضررة بشكل جزئي. وقال:"لا نريد أموالا ، نريد العودة الى بيوتنا .. العيش في مدارس الاونروا لا يطاق وغير انساني بالمرة لأنها تكتظ بآلاف النازحين وتعمها الفوضى وانتشار الأمراض،ولكننا مضطرون هربا من القصف والدمار". وأفاد تقرير مكتب الأممالمتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية فى الأراضى الفلسطينيةالمحتلة (أوتشا) أن "أعداد النازحين الفلسطينيين في 90 مدرسة تابعة للأونروا ارتفع إلى 793ر269 ألف شخص وهذا يمثل 3 آلاف نازح في المتوسط في كل مدرسة، بينما لا تستوعب المدرسة الواحدة إلا 500 شخص". وأضاف التقرير - الذى صدر الاثنين - "هناك 741ر15 ألف نازح آخر يعيشون فى 19 مدرسة ومؤسسة حكومية، بينما تقدر وزارة الشئون الاجتماعية الفلسطينية أعداد النازحين الذين يعيشون مع الأسر المضيفة ب 200 ألف وبهذا يصل إجمالى عدد النازحين إلى نحو 485 ألف نازح وهذا يمثل ربع سكان غزة". أما الشاب شادى يوسف (20 عاما) فيقول "بعد التهدئة جئنا لتفقد شقتنا لكننا صدمنا من هول ما رأيناه، القصف دمر المبنى بشكل شيه كلى جعله غير صالح حتى لاعادة الترميم". وتابع:"تعرضنا للقصف في الحربين السابقتين لكن الدمار كان محدودا ومن السهل اصلاحه ولم يكن بهذه الصورة البشعة". وشنت إسرائيل خلال الاعوام الستة الأخيرة حربين واسعتين على قطاع غزة الأولى أطلقت عليها عملية "الرصاص المصبوب" (27 ديسمبر2008-17 يناير 2009) وادت الى استشهاد نحو 1400 فلسطيني وإصابة حوالي 5 آلاف آخرين، والثانية أطلقت عليها "عامود السحاب" واستمرت 8 أيام (14-21 نوفمبر 2012)، وأدت الى استشهاد نحو 160 فلسطينيا واصابة المئات. وقال الشاب العشريني الذي استشهد أخوه وابن عمه في العدوان الاخير بنبرة تحد:"سنظل صامدين في أرضنا وفوق ركام منازلنا المدمرة حتى تحرير فلسطين من الاحتلال". وطالب الفصائل والحكومة بدعم المشردين والثبات على مطالب الشعب الفلسطيني برفع الحصار بشكل نهائي وكامل واعادة اعمار قطاع غزة والافراج عن الأسرى من سجون الاحتلال.