رئيس مجلس الدولة يشدد على سرعة نظر القضايا لتحقيق العدالة الناجزة    وزير الكهرباء يغادر إلى روسيا للمشاركة في اجتماعات وزراء طاقة دول البريكس    رئيس الوزراء يترأس اجتماع المجلس الأعلى للأمن السيبراني    تأكيد مشاركة 45 وزيرًا و70 رئيس مدينة حتي الآن.. تفاعل دولي ومحلي واسع لاستضافة مصر المنتدى الحضري العالمي 4 فبراير المقبل لتدشين حقبة جديدة للتنمية العمرانية    البنك المركزي المصري يقبل ودائع بقيمة 848.4 مليار جنيه    الحجز عن طريق أجهزة المدن.. تفاصيل طرح شقق جديدة الأحد المقبل- صور وفيديو    لماذا لا تريد إسرائيل وحزب الله إطلاق مصطلح 'حرب' على الصراع الحالي بينهما؟    جيش الاحتلال يؤكد اغتيال قائد المنظومة الصاروخية في حزب الله إبراهيم القبيسي    وزير الخارجية والهجرة يتسلم الجائزة المقدمة إلى الرئيس السيسي لجهوده في حشد التمويل لمشروعات تدعم التكامل الإقليمي    في عمر ال29 عامًا.. نجل زيدان يعتزل كرة القدم    الكاف يكشف عن طاقم حكام مباراة مصر وموريتانيا في تصفيات أمم أفريقيا    وزارة الرياضة تنفذ سلسلة من الأنشطة المتنوعة للنشء بمراكز الشباب    إصابة 5 أشخاص في حادث تصادم بميدان الرماية    3 مصابين في تصادم ميكروباص بعدة سيارات بميدان الرماية    أهالي "كفر الأشقم" بالشرقية يسغيثون: بقالنا 3 سنين من غير مياه | صور    إيقاعات سعيد الأرتيست فى حفل تنمية المواهب بالأوبرا    الطاهرى: طاقم "القاهرة الإخبارية" فى بيروت يوزع المياه لنازحى الجنوب.. فيديو    هيئة الكتاب تشارك ب500 عنوان فى معرض الكتاب بنقابة الصحفيين    مريم الجندي: الاختيار 2 أهم خطوة في مسيرتي    وزير الثقافة يكرم السوبرانو فاطمة سعيد لفوزها بجائزة الثقافة الأوروبية    طريقة عمل الكفتة المشوية، لغداء سريع التحضير ومغذي    منظمة الصحة العالمية | 30 ألف حالة اشتباه ب«جدري القردة» في إفريقيا    صحة مطروح: تقديم 93 ألف خدمة طبية ضمن المبادرة الرئاسية "بداية"    أحمد عيد عبدالملك يحذر لاعبي الزمالك من «خدعة كولر»    بكتيريا «الإيكولاي».. انتبه لأطفالك في المدرسة    رئيس جامعة القاهرة: لدينا علاقات قوية مع الجامعات الصينية ونبحث تبادل الزيارات والبرامج المزدوجة    تين هاج: أنا مشجع لفريق تفينتى ولم أرغب فى مواجهته    وزير العمل: مصر تدعم كل عمل عربي مشترك يؤدي إلى التنمية وتوفير فرص العمل للشباب    بمجموعة من الإعفاءات.. «الضرائب»: النظام المتكامل للممولين يتميز بالتعامل مع كافة الأوعية    اتحاد الكرة يعلن عن تشكيل الجهاز الفني لمنتخب الشباب بقيادة روجيرو ميكالي    وزير الخارجية: قضية المياه وجودية لمصر ولن نسمح لأي دولة بالتصرف وفق أهوائها    المشاط تلتقي ممثلي «منتدى الشباب» ضمن قمة المستقبل 2024 بنيويورك    رابط إعلان نتيحة تقليل الاغتراب والتحويلات لطلاب الشهادات الفنية 3 و5 سنوات    وزيرة التضامن تتوجه إلى جنيف للمشاركة في فعاليات الدورة ال 57 لمجلس حقوق الإنسان    «إلغاء الوجبات المجانية على الطائرات».. توجه عالمي لشراء المأكولات قبل السفر (تفاصيل)    أحكام بالسجن والغرامة ل9 متهمين في قضية انقلاب قطار طوخ    الشلماني يثير حفيظة القطبين قبل موقعة السوبر    CNN: استراتيجية ترامب فى إثارة مخاوف الناخبين بشأن الاقتصاد تحقق نجاحا    طقس الفيوم.. انخفاض درجة الحرارة والعظمى تسجل 33°    عاجل| السيسي يصدر توجيها جديدا بشأن تنمية جنوب سيناء    صوت الإشارة.. قصة ملهمة وبطل حقيقي |فيديو    حبس عاطل ضبط وبحوزتi مواد مخدرة قبل ترويجهم على المتعاطين بالمنوفية    الإسماعيلي ينتظر رد «فيفا» اليوم لحسم ملف خليفة إيهاب جلال (خاص)    وزير الدفاع يشهد تنفيذ المرحلة الرئيسية لمشروع مراكز القيادة الاستراتيجي التعبوي التخصصي    باستخدام كبرى العلامات التجارية.. التحقيق في واقعة ضبط مصنع أسمدة منتهية الصلاحية بالغربية    ضغوطات وتحديات في العمل.. توقعات برج الحمل في الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر 2024    وفاة الفنان محمود صفا وزوجته في حادث سير مروع    النزلات المعوية.. مستشار الرئيس: نستنفر لخدمة المرضى دون تأخير.. ده واجب قومي علينا    وزير الخارجية: لا يمكن الحديث عن تنمية اقتصادية واجتماعية دون أمن واستقرار    العراق يمنح سمات الدخول إلى اللبنانيين الواصلين إلى المنافذ الحدودية    شوبير يعلق على قائمة الأهلي للسوبر الأفريقي: لا صحة لوجود حارسين فقط    الصحة تعلن حصول 3 مستشفيات على شهادة اعتماد الجودة من GAHAR    ما حكم الخطأ في قراءة القرآن أثناء الصلاة؟.. «اعرف الرأي الشرعي»    بالفيديو.. أسامة قابيل للطلاب: العلم عبادة فاخلصوا النية فيه    الإفتاء: الإسلام حرم نشر الشائعات وترويجها وتوعد فاعل ذلك بالعقاب الأليم    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 24-9-2024 في محافظة قنا    أضف إلى معلوماتك الدينية| دار الإفتاء توضح كيفية إحسان الصلاة على النبي    جيش الاحتلال الإسرائيلي: صفارات الإنذار تدوى جنوب وشرق حيفا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشاعر المصري علاء خالد الشعر معزول اليوم !
نشر في صوت البلد يوم 30 - 12 - 2018

علاء خالد، شاعر وروائي مصري، وأحد مؤسسي مجلة أمكنة في الإسكندرية، يعتبر من الأسماء المجددة في قصيدة النثر المصرية في الثمانينيات والتسعينيات. تتوزع كتاباته بين الشعر والنثر والمقالات، صدر له مؤخرا، عن دار الشروق، رواية بعنوان "أشباح بيت هاينريش بُل".
في هذا الحوار، يحاول خالد تتبّع مسار الشعر المصري الجديد، ورصد التحولات التي طرأت على قصيدة النثر في مصر، منذ السبعينيات حتى الآن، من حيث اللغة والبناء والأسلوب، ومحاولات تعاطيها مع العالم الخارجي.
في البداية، يتحدث خالد عن الشعر بشكل عام، ويقول إن الشعر حاليا في العالم كله معزول ويعيش فقط على منح التفرغ داخل الأكاديميات والجامعات، ولا يوجد ما يمثل شعرية عالمية، بالرغم من كونية الحياة الآن، ولكنها كونية لا تصنع نموذجا إنسانيا. فالفكرة أو المرجع المشترك تلاشى وسط هذا التجزيء للحياة، بالرغم من المشتركات العديدة التي صنعتها الميديا، ولكن أغلبها استهلاكية، أو تأتي من جهة الخوف. هذا التجزيء انعكس على الشعر؛ والشاعر الآن برغم اتصاله بسياق عالمي فهو منفصل، وبالتالي هناك سرد لتجربة ذاتية بلا أي مرجع داخلي أو خارجي. تجربة بها ضبابية مستقبلية، وانفصال عن الماضي. يمكن القول إنها تجربة ذاتية معلقة، ربما تعيش فقط داخل اللغة.
انحسار الوعي
لا يعتقد خالد أن إحدى مشكلات قصيدة النثر حاليا، هي الإفراط في النثرية، ولكن انحسار الوعي الذاتي داخل أداءات اضطرارية لا تولّد تنوعا أو تفردا في الأسلوب أو الشكل. الإفراط في النثرية، من وجهة نظره، جاء بسبب غياب المرجع الذاتي أو الجمعي، الذي يتم معه الجدل. فالجدل مع الشكل محسوم قبل أن تبدأ القصيدة. هذا الجدل مع المرجع الذاتي أو الجمعي هو الذي يمنح الشكل تفرّده. أحيانا هناك قصائد تقوم على شرح لمعنى واضح، أو تقوم بصياغة فلسفية لمشهد ومحاولة تأويله، وأحيانا تتبلور القصيدة بحكمة واضحة، أو بمدخل غرائبي أو حكائي، بينما قليلة هي القصائد التي تخرج من معنى غامض غير واضح يتم الجدل معه عبر القصيدة. ربما لهذا السبب لا تحدث ترددات داخل القصيدة، بل نرى إيقاعا ثابتا للغة، في انتظار مفارقة ما أو غرابة للنص أو قوة للفكرة. فاللغة تصف، أكثر من كونها جزءا متحركا حيويا يعيش تحولات القصيدة، وهذه النثرية المفرطة تلغي هذا المكان الآخر/ المشهد/ المرجع البعيد الغائب، والذي يعد أحد قطبي حركة القصيدة، وتشغل مكانه بالتفريعات أو بالتزيّد.
يتحدث خالد عن أسباب تغيّر شكل القصيدة النثرية الجديدة عنها في السابق، ويقول إن هذا السرد المفتوح غيَّب معه الشكل القصصي الذي كان يسم القصيدة من قبل، أو فكرة "المشهد الشعري" الذي يميل أكثر إلى الوصف السينمائي، وحدث نوع من السيولة الأوسع للذات التي تبنى عليها شعريتها. ربما اتساع العالم من حول هذه الذات أوجد هذا الفراغ وغيَّر الحساسية وألغى حدود "المشهد". ويمكن أن نرى في هذا التغير وجهاً إيجابياً كونه يعود بالفكرة الشعرية إلى مصدر صاف خاص بها، وإن كان لم يتحقق هنا، فهو في سبيله إلى هذا، ولكنه ما زال عالقا أيضا في الشكل، كما في المعنى.
يضيف خالد، أن هناك رغبة في القصيدة الجديدة في صنع لغة محايدة من دون مجاز جزئي، لكنه مجاز يشمل القصيدة ككل. اللغة وصفية تقريرية، حتى ولو غاب "المشهد الشعري"، فهناك مشهدية داخل الذات أو خارجها، يتم وصفها شعريا، مع ندرة التركيبات البلاغية، والتحولات الأسلوبية، أو الغوص داخل معنى غامض؛ فالغموض في هذه القصائد ليس من عراك اللغة مع اللاوعي، بقدر ما هو ضبابية المشهد الشعري على صاحبه.
غياب المرجع
يرى خالد أن هناك غيابا حاليا في القصيدة الجديدة للمرجع الديني/ السلطوي/ الثقافي/ العائلي/ الأبوي/ "التابو بشكل عام"، وبالتالي غياب مفهوم التنوير بشكله القديم، وأصبح "المرجع" هو الحياة/ العالم، باتساعه وتشتته وعدميته، وهي قصيدة لا تعايش تابوهات كالجنس أو الدين، وتمثل عالم ما بعد التابوهات. ليس معنى هذا تجاوزها للتابوهات، ولكنها ليست من أولويات هذه القصيدة، لأن اتساع مشهد العالم والذات جعل من المستحيل تحديد نقاط أو أهداف محددة للتحرر الشخصي، وهو جزء فارق عن كتابة التسعينيات وما قبلها. بالإضافة إلى أن الجسد ليس مكان صراع أو تحقق أو تحرر، كما في قصيدة التسعينيات، الجسد هنا ليس له أي تمثيل ثقافي.

تحضر في القصائد الجديدة، من وجهة نظر خالد، بعض المراجع العائلية كالأب والأم، بما تحمله من ترميز سلطوي، ولكنه يشكل إيقاعا خافتا في القصائد، وأحيانا يتم التماهي والتعايش معه. فالعائلة لم تعد تشكل سلطة واضحة، والذات ليست مفصولة عن الكتابة، والقصيدة تمثل مكانا للتداخل بين التجربة الشخصية والجماعية والتبادل فيما بينهما. وتحديد العلاقة مع السلطة ليس من أولويات القصيدة. يضيف خالد، أنه ليس هناك تأكيد للذات أو للتجربة الفردية، والتي ربما هي الأخرى ذابت في المشهد الأوسع للحياة، ولكن ليس بشكل عبثي كما حدث أحيانا في التسعينيات، أو بشكل تنويري لغوي في السبعينيات، ولكن بسخرية ملتزمة لها حس أخلاقي وهي تراقب خراب العالم واتساعه من حولها.
التجربة الشخصية داخل الشعر الجديد الآن ذائبة في ثنايا "مشهد سائل" لم يتشكل بعد، يتسم بالغموض والتشتت وعدم القدرة على ضم هذا التبعثر والتجزيء. ربما هناك إحساس باللاجدوى غيَّب هذه الفردية وغيَّب معها فكرة المقاومة ذاتها.
أصبح للحياة الشخصية داخل القصيدة مجال ترميز واسع يصل إلى حدود التجريد السوريالي، هذا الاتساع حول الذات حوّلها إلى نموذج، بالرغم من أنها تسعى للتطابق مع نفسها بدون ادعاءات، وتتحرك من نفس موقعها القديم الهامشي المضاد للسلطة، لأن كل ما تقدر عليه هذه الذات الهامشية الحديثة هو الإزاحة وليس الانقلاب. كما أن هناك أحيانا تأكيدا على مفهوم الشاعر/ النص، كبديل عن الإنسان/ المجتمع. ويعتقد خالد أن هذه الخصيصة جاءت من شعر السبعينيات، ولكن بشكل عارض، تظهر معه أحيانا الرغبة في كتابة نص معرفي شعري ينحو إلى التحليل والتفلسف.

يستعيد خالد فكرة الزمن في القصائد الجديدة، ويقول إنه لا يوجد مكان للتذكر/ الماضي، حيث يعيش المرجع بشكل ما، إلا فيما ندر. ما يعني مواجهة الحاضر بثقله بدون لغة قادرة على المراوحة والقفز بين أزمنة شعرية غامضة، بالإضافة إلى ندرة حضور الزمن المستقبلي، كما كان في شعر التسعينيات، على سبيل المثال. ويشير هذا إلى معايشة الحاضر بدون أمل، بعد فقدان الأمل المرتبط بالتغيير. إذن الزمن هو واقع محض، لذا لا تحمل اللغة أي مثيرات تحفزها على القفز أو تجاوز المأزق. وفي بعض القصائد هناك تقلص للشريط الحيوي الذي يعمل عليه الشعر، بعد خروج الماضي/ التذكر، وأيضا المستقبل/ الحلم والذات غير المقاومة. يتبقى شريط ضيق لمغامرة اللغة والروح معا. ربما هذا الضيق هو سبب اللغة التقريرية أو بزوغ الحكمة الجاهزة، واختراع الأساطير والحكايات، وربما التمادي في الغرائبية، أو استخدام الترميز بشكل موسع. جميعها شكلت المنقذ من هذا الحصار الذي فرضه غياب الماضي والمستقبل معا.
تمرّد على المجال العام
يرى خالد أن القصيدة الجديدة بدأت في التمرد على المجال العام، وتجاهلته. ويذكر المدينة كمثال للمجال العام، ويقول المدينة غائبة داخل القصائد، ليس لها الحضور السابق في التسعينيات. ولكن هناك استعادة لعقود شعرية وفكرية أسبق، من خلال العودة إلى الطبيعة وحضور عوالمها مثل: الشجر، النهر، الطيور، الجبال، القوارب، المياه، البحار، الليل، النهار. وهو جزء من عالم الحكايات المستخدمة؛ فتجربة القصيدة تحدث وسط هذا العالم الطبيعي.
أما عن المرأة وحضورها، يقول خالد إن حضورها أكثر كثافة داخل القصائد الجديدة، ربما لقدرتها على التركيز على المكان الأصلي لحاجتها، والذي تقيم معه جدلها، وتشيد منه قصيدتها. فحضور الحب/ الصداقة/ الآخر، وكلها مراجع أصلية لها، هي المحرك لقصائدها. بالإضافة إلى ظهور الرجل في قصائدها كمشارك أو إنسان. بمعنى أن الاثنين تساويا بسبب قسوة واتساع العالم من حولهما، لتبدو فكرة النسوية غائبة في القصائد الجديدة.
من أكثر الشعراء العرب، الذي يعتقد خالد بسيطرة حضوره الرؤيوي على المشهد الشعري العربي الحالي، هو وديع سعادة. فكرته الجمالية المهجرية المتخلصة من السياقات الاجتماعية والمرجعية وكل أشكال الكتابة الثابتة كالمشهد أو الصورة، وجملته التي تحمل زمنا خاصا بها، هو ما حفظ له ولها البقاء. بالإضافة إلى ارتباطه بلحظة تاريخية لا يحكمها هدف، وتظهر فيها سيولة حقيقية في كل شيء، لأن شعريته لا تطرح عداء أو مضادة أو مقاومة، أو تدخل القارئ في صراع مع مرجع ما، لكنها شعرية صافية كأي تجربة وجودية حقيقية تقفز بك خارج الواقع المعيش بكل تعقيداته. تجربة استثنت حواجز كثيرة لكي تعبر من العدم.
علاء خالد، شاعر وروائي مصري، وأحد مؤسسي مجلة أمكنة في الإسكندرية، يعتبر من الأسماء المجددة في قصيدة النثر المصرية في الثمانينيات والتسعينيات. تتوزع كتاباته بين الشعر والنثر والمقالات، صدر له مؤخرا، عن دار الشروق، رواية بعنوان "أشباح بيت هاينريش بُل".
في هذا الحوار، يحاول خالد تتبّع مسار الشعر المصري الجديد، ورصد التحولات التي طرأت على قصيدة النثر في مصر، منذ السبعينيات حتى الآن، من حيث اللغة والبناء والأسلوب، ومحاولات تعاطيها مع العالم الخارجي.
في البداية، يتحدث خالد عن الشعر بشكل عام، ويقول إن الشعر حاليا في العالم كله معزول ويعيش فقط على منح التفرغ داخل الأكاديميات والجامعات، ولا يوجد ما يمثل شعرية عالمية، بالرغم من كونية الحياة الآن، ولكنها كونية لا تصنع نموذجا إنسانيا. فالفكرة أو المرجع المشترك تلاشى وسط هذا التجزيء للحياة، بالرغم من المشتركات العديدة التي صنعتها الميديا، ولكن أغلبها استهلاكية، أو تأتي من جهة الخوف. هذا التجزيء انعكس على الشعر؛ والشاعر الآن برغم اتصاله بسياق عالمي فهو منفصل، وبالتالي هناك سرد لتجربة ذاتية بلا أي مرجع داخلي أو خارجي. تجربة بها ضبابية مستقبلية، وانفصال عن الماضي. يمكن القول إنها تجربة ذاتية معلقة، ربما تعيش فقط داخل اللغة.
انحسار الوعي
لا يعتقد خالد أن إحدى مشكلات قصيدة النثر حاليا، هي الإفراط في النثرية، ولكن انحسار الوعي الذاتي داخل أداءات اضطرارية لا تولّد تنوعا أو تفردا في الأسلوب أو الشكل. الإفراط في النثرية، من وجهة نظره، جاء بسبب غياب المرجع الذاتي أو الجمعي، الذي يتم معه الجدل. فالجدل مع الشكل محسوم قبل أن تبدأ القصيدة. هذا الجدل مع المرجع الذاتي أو الجمعي هو الذي يمنح الشكل تفرّده. أحيانا هناك قصائد تقوم على شرح لمعنى واضح، أو تقوم بصياغة فلسفية لمشهد ومحاولة تأويله، وأحيانا تتبلور القصيدة بحكمة واضحة، أو بمدخل غرائبي أو حكائي، بينما قليلة هي القصائد التي تخرج من معنى غامض غير واضح يتم الجدل معه عبر القصيدة. ربما لهذا السبب لا تحدث ترددات داخل القصيدة، بل نرى إيقاعا ثابتا للغة، في انتظار مفارقة ما أو غرابة للنص أو قوة للفكرة. فاللغة تصف، أكثر من كونها جزءا متحركا حيويا يعيش تحولات القصيدة، وهذه النثرية المفرطة تلغي هذا المكان الآخر/ المشهد/ المرجع البعيد الغائب، والذي يعد أحد قطبي حركة القصيدة، وتشغل مكانه بالتفريعات أو بالتزيّد.
يتحدث خالد عن أسباب تغيّر شكل القصيدة النثرية الجديدة عنها في السابق، ويقول إن هذا السرد المفتوح غيَّب معه الشكل القصصي الذي كان يسم القصيدة من قبل، أو فكرة "المشهد الشعري" الذي يميل أكثر إلى الوصف السينمائي، وحدث نوع من السيولة الأوسع للذات التي تبنى عليها شعريتها. ربما اتساع العالم من حول هذه الذات أوجد هذا الفراغ وغيَّر الحساسية وألغى حدود "المشهد". ويمكن أن نرى في هذا التغير وجهاً إيجابياً كونه يعود بالفكرة الشعرية إلى مصدر صاف خاص بها، وإن كان لم يتحقق هنا، فهو في سبيله إلى هذا، ولكنه ما زال عالقا أيضا في الشكل، كما في المعنى.
يضيف خالد، أن هناك رغبة في القصيدة الجديدة في صنع لغة محايدة من دون مجاز جزئي، لكنه مجاز يشمل القصيدة ككل. اللغة وصفية تقريرية، حتى ولو غاب "المشهد الشعري"، فهناك مشهدية داخل الذات أو خارجها، يتم وصفها شعريا، مع ندرة التركيبات البلاغية، والتحولات الأسلوبية، أو الغوص داخل معنى غامض؛ فالغموض في هذه القصائد ليس من عراك اللغة مع اللاوعي، بقدر ما هو ضبابية المشهد الشعري على صاحبه.
غياب المرجع
يرى خالد أن هناك غيابا حاليا في القصيدة الجديدة للمرجع الديني/ السلطوي/ الثقافي/ العائلي/ الأبوي/ "التابو بشكل عام"، وبالتالي غياب مفهوم التنوير بشكله القديم، وأصبح "المرجع" هو الحياة/ العالم، باتساعه وتشتته وعدميته، وهي قصيدة لا تعايش تابوهات كالجنس أو الدين، وتمثل عالم ما بعد التابوهات. ليس معنى هذا تجاوزها للتابوهات، ولكنها ليست من أولويات هذه القصيدة، لأن اتساع مشهد العالم والذات جعل من المستحيل تحديد نقاط أو أهداف محددة للتحرر الشخصي، وهو جزء فارق عن كتابة التسعينيات وما قبلها. بالإضافة إلى أن الجسد ليس مكان صراع أو تحقق أو تحرر، كما في قصيدة التسعينيات، الجسد هنا ليس له أي تمثيل ثقافي.

تحضر في القصائد الجديدة، من وجهة نظر خالد، بعض المراجع العائلية كالأب والأم، بما تحمله من ترميز سلطوي، ولكنه يشكل إيقاعا خافتا في القصائد، وأحيانا يتم التماهي والتعايش معه. فالعائلة لم تعد تشكل سلطة واضحة، والذات ليست مفصولة عن الكتابة، والقصيدة تمثل مكانا للتداخل بين التجربة الشخصية والجماعية والتبادل فيما بينهما. وتحديد العلاقة مع السلطة ليس من أولويات القصيدة. يضيف خالد، أنه ليس هناك تأكيد للذات أو للتجربة الفردية، والتي ربما هي الأخرى ذابت في المشهد الأوسع للحياة، ولكن ليس بشكل عبثي كما حدث أحيانا في التسعينيات، أو بشكل تنويري لغوي في السبعينيات، ولكن بسخرية ملتزمة لها حس أخلاقي وهي تراقب خراب العالم واتساعه من حولها.
التجربة الشخصية داخل الشعر الجديد الآن ذائبة في ثنايا "مشهد سائل" لم يتشكل بعد، يتسم بالغموض والتشتت وعدم القدرة على ضم هذا التبعثر والتجزيء. ربما هناك إحساس باللاجدوى غيَّب هذه الفردية وغيَّب معها فكرة المقاومة ذاتها.
أصبح للحياة الشخصية داخل القصيدة مجال ترميز واسع يصل إلى حدود التجريد السوريالي، هذا الاتساع حول الذات حوّلها إلى نموذج، بالرغم من أنها تسعى للتطابق مع نفسها بدون ادعاءات، وتتحرك من نفس موقعها القديم الهامشي المضاد للسلطة، لأن كل ما تقدر عليه هذه الذات الهامشية الحديثة هو الإزاحة وليس الانقلاب. كما أن هناك أحيانا تأكيدا على مفهوم الشاعر/ النص، كبديل عن الإنسان/ المجتمع. ويعتقد خالد أن هذه الخصيصة جاءت من شعر السبعينيات، ولكن بشكل عارض، تظهر معه أحيانا الرغبة في كتابة نص معرفي شعري ينحو إلى التحليل والتفلسف.

يستعيد خالد فكرة الزمن في القصائد الجديدة، ويقول إنه لا يوجد مكان للتذكر/ الماضي، حيث يعيش المرجع بشكل ما، إلا فيما ندر. ما يعني مواجهة الحاضر بثقله بدون لغة قادرة على المراوحة والقفز بين أزمنة شعرية غامضة، بالإضافة إلى ندرة حضور الزمن المستقبلي، كما كان في شعر التسعينيات، على سبيل المثال. ويشير هذا إلى معايشة الحاضر بدون أمل، بعد فقدان الأمل المرتبط بالتغيير. إذن الزمن هو واقع محض، لذا لا تحمل اللغة أي مثيرات تحفزها على القفز أو تجاوز المأزق. وفي بعض القصائد هناك تقلص للشريط الحيوي الذي يعمل عليه الشعر، بعد خروج الماضي/ التذكر، وأيضا المستقبل/ الحلم والذات غير المقاومة. يتبقى شريط ضيق لمغامرة اللغة والروح معا. ربما هذا الضيق هو سبب اللغة التقريرية أو بزوغ الحكمة الجاهزة، واختراع الأساطير والحكايات، وربما التمادي في الغرائبية، أو استخدام الترميز بشكل موسع. جميعها شكلت المنقذ من هذا الحصار الذي فرضه غياب الماضي والمستقبل معا.
تمرّد على المجال العام
يرى خالد أن القصيدة الجديدة بدأت في التمرد على المجال العام، وتجاهلته. ويذكر المدينة كمثال للمجال العام، ويقول المدينة غائبة داخل القصائد، ليس لها الحضور السابق في التسعينيات. ولكن هناك استعادة لعقود شعرية وفكرية أسبق، من خلال العودة إلى الطبيعة وحضور عوالمها مثل: الشجر، النهر، الطيور، الجبال، القوارب، المياه، البحار، الليل، النهار. وهو جزء من عالم الحكايات المستخدمة؛ فتجربة القصيدة تحدث وسط هذا العالم الطبيعي.
أما عن المرأة وحضورها، يقول خالد إن حضورها أكثر كثافة داخل القصائد الجديدة، ربما لقدرتها على التركيز على المكان الأصلي لحاجتها، والذي تقيم معه جدلها، وتشيد منه قصيدتها. فحضور الحب/ الصداقة/ الآخر، وكلها مراجع أصلية لها، هي المحرك لقصائدها. بالإضافة إلى ظهور الرجل في قصائدها كمشارك أو إنسان. بمعنى أن الاثنين تساويا بسبب قسوة واتساع العالم من حولهما، لتبدو فكرة النسوية غائبة في القصائد الجديدة.
من أكثر الشعراء العرب، الذي يعتقد خالد بسيطرة حضوره الرؤيوي على المشهد الشعري العربي الحالي، هو وديع سعادة. فكرته الجمالية المهجرية المتخلصة من السياقات الاجتماعية والمرجعية وكل أشكال الكتابة الثابتة كالمشهد أو الصورة، وجملته التي تحمل زمنا خاصا بها، هو ما حفظ له ولها البقاء. بالإضافة إلى ارتباطه بلحظة تاريخية لا يحكمها هدف، وتظهر فيها سيولة حقيقية في كل شيء، لأن شعريته لا تطرح عداء أو مضادة أو مقاومة، أو تدخل القارئ في صراع مع مرجع ما، لكنها شعرية صافية كأي تجربة وجودية حقيقية تقفز بك خارج الواقع المعيش بكل تعقيداته. تجربة استثنت حواجز كثيرة لكي تعبر من العدم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.