«الأعلى للإعلام» يهنئ الرئيس السيسي بذكرى نصر أكتوبر المجيد    وكيل أوقاف الغربية يلتقي عمال المساجد خلال دورة التعامل اللائق مع ضيوف الرحمن.. صور    وزيرة التضامن: وقف بطاقات تكافل وكرامة لهذه الفئات    رئيس الوزراء يناقش ترتيبات تنظيم مؤتمر استثماري «مصري – بريطاني»    قرارات إستراتيجية لمجلس إدارة شركة بالم هيلز للتعمير: استحواذ الشركة على 29.59% من أسهم رأس مال شركة تعليم لخدمات الإدارة وزيادة حصتها في ماكور للفنادق لتصبح 69.5%    إلزام صناديق التأمين الحكومية بالحصول على موافقة الرقابة المالية لنشر أي بيانات إحصائية    باحث: الدولة تريد تحقيق التوزان الاجتماعي بتطبيق الدعم النقدي    تسريبات غربية.. إسرائيل أبلغت أمريكا ب «عدم الرد الفوري» على إيران    الرئيس السيسي يستقبل رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بمطار القاهرة    «القاهرة الإخبارية»: بريطانيا تستعد لإجلاء رعاياها في لبنان برا وبحرا    استدعاء 3 لاعبين من بيراميدز للمشاركة مع منتخباتهم في تصفيات كأس الأمم    رسمياً| البنك الأهلي يضم سيد نيمار على سبيل الإعارة    مونديال الأندية.. ورود وأشواك| 32 بطلاً فى «أم المعارك».. وإنجاز تاريخى ينتظر الأهلى    علي فرج وهانيا الحمامي يتأهلان لنصف نهائي بطولة قطر للإسكواش    نقل مصابى حادث الطريق الدائرى بالمنيا للمستشفى العام.. صور    تعديلات قطارات السكك الحديدية 2024.. على خطوط الوجه البحرى    المهرجانات الفنية «2»    العرض العالمي الأول لفيلم المخرجة أماني جعفر "تهليلة" بمهرجان أميتي الدولي للأفلام القصيرة    كيف تحجز تذاكر حفل ريهام عبدالحكيم بمهرجان الموسيقى العربية؟    جاكلين عازر تزف بشرى سارة لأهالي البحيرة    بيراميدز يخوض معسكر الإعداد فى تركيا    بعد يومين من توليه منصبه.. أمين عام الناتو الجديد يزور أوكرانيا    التعاون بين مصر والسويد .. «عبدالغفار» يستعرض إنجازات الدولة في القطاع الصحي    «تقلبات جوية».. بيان مهم من الأرصاد بشأن حالة الطقس غداً ودرجات الحرارة المتوقعة    إصابة 6 أشخاص في حادث تصادم سيارتين بالبحيرة    وزارة التعليم: التقييمات الأسبوعية والواجبات المنزلية للطلاب مستمرة    «أوقاف مطروح»: توزع 2 طن لحوم و900 شنطة مواد الغذائية على الأسر الأولى بالرعاية    محافظ الغربية يبحث سبل التعاون للاستفادة من الأصول المملوكة للرى    الخارجية الروسية: لم نبحث مع الولايات المتحدة الأزمة في الشرق الأوسط    تعرف على إيرادت فيلم "إكس مراتي" بعد 10 أسابيع من عرضه    منها «الصبر».. 3 صفات تكشف طبيعة شخصية برج الثور    لطفي لبيب: تكريمي في مهرجان الإسكندرية السينمائي تتويج لمسيرتي الفنية    وزيرا الرياضة والثقافة يشهدان انطلاق فعاليات مهرجان الفنون الشعبية بالإسماعيلية    تعدد الزوجات حرام في هذه الحالة .. داعية يفجر مفاجأة    باحث شرعي: يوضح 4 أمور تحصن الإنسان من الشيطان والعين السحر    الخطيب يُكلّف محمد رمضان بإخماد "ثورة" علي معلول في الأهلي    محافظ المنيا: افتتاح مستشفيات حميات وصدر ملوي نهاية أكتوبر    التضامن تشارك في ملتقى 57357 للسياحة والمسئولية المجتمعية    اتفاق بين منتخب فرنسا والريال يُبعد مبابي عن معسكر الديوك في أكتوبر    فروع "خريجي الأزهر" بالمحافظات تشارك بمبادرة "بداية جديدة لبناء الإنسان"    لطفي لبيب يكشف عن سبب رفضه إجراء جلسات علاج طبيعي    محافظ الفيوم يهنئ ضباط القوات المسلحة بذكرى نصر أكتوبر    ضاحي خلفان يثير جدلًا بتعليقه على اغتيال حسن نصرالله.. هل شمت بمقتله؟    مجلس الشيوخ.. رصيد ضخم من الإنجازات ومستودع حكمة في معالجة القضايا    سر مثير عن القنابل الإسرائيلية في حرب أكتوبر    ضبط 17 مليون جنيه حصيلة قضايا اتجار بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة    نحاس ودهب وعُملات قديمة.. ضبط 5 متهمين في واقعة سرقة ورشة معادن بالقاهرة    وزير الخارجية السعودي: لا علاقات مع إسرائيل قبل قيام دولة فلسطينية مستقلة    الصحة: تطعيم الأطفال إجباريا ضد 10 أمراض وجميع التطعيمات آمنة    نائب وزير الصحة يوصي بسرعة تطوير 252 وحدة رعاية أولية قبل نهاية أكتوبر    مركز الأزهر للفتوى يوضح أنواع صدقة التطوع    بالفيديو.. استمرار القصف الإسرائيلي ومحاولات التسلل بلبنان    4 أزمات تهدد استقرار الإسماعيلي قبل بداية الموسم    الحالة المرورية اليوم الخميس.. سيولة في صلاح سالم    مدبولي يُهنئ الرئيس السيسي بالذكرى ال51 لانتصارات أكتوبر المجيدة    كيفية إخراج زكاة التجارة.. على المال كله أم الأرباح فقط؟    هانئ مباشر يكتب: غربان الحروب    أستون فيلا يعطل ماكينة ميونخ.. بايرن يتذوق الهزيمة الأولى في دوري الأبطال بعد 147 يومًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عمر أميرالاي : الإنسان العادي والنكرات ضحايا السياسات
نشر في صوت البلد يوم 09 - 02 - 2011

في أواسط شهر أيار من عام 2006، كان لدي فرصة لقاء المخرج السينمائي عمر أميرالاي خلال زيارة قام بها الى نيويورك. عرض اميرالاي في حوار وجداني وجهة نظره حول الحياة والسينما والموسيقى والوطن السوري. نشرت حينها جزءا صغيرا من هذا الحوار والجزء الآخر بقي في الادراج. نستأذن عائلة عمر اميرالاي ومحبيه، لنشر هذه التحية له. الصفاء والحزم يتعايشان فيه، متحفظ بانفتاح، ناقد لاذع لكل ما يدور حوله وفيه، الحزن في عيونه راق والحياة عنده بكل تفاصيلها مسألة شخصية. يقارب السينما السورية بحميمية كأنها قبيلة لها دستورها وأدبياتها التي لا تقبل التأويل والانحراف ولا تخضع لإملاءات السلطة أو رغبات الجمهور.
في صباح بارد على ضفاف «السنترال بارك» في مانهاتن، كان الموعد مع عمر اميرالاي، قبل يوم واحد من عودته الى دمشق. يروي بسرور عن ليلته الماضية في كنف موسيقى «البلوز»، ينتقد السينما المصرية ببعدها الاستهلاكي، ويعود بالحديث عن دمشق وعسكرها. تحتار من تسأل فيه، فالحدود بين المعارض والسينمائي عنده تحتاج الى ترسيم. يعتبر أميرالاي نفسه مشاهداً كسولاً يتابع الاعمال السينمائية بالصدفة، لكنه في المقابل يسعى قدر الامكان الى متابعة المسلسلات الاميركية، البوليسي منها خصوصاً، الرديئة والجيدة على حد سواء. وما يدهشه في هذه التجارب الدرامية توثيقها الواقع الاميركي، بحيث تعكس تنوّع المدينة وناسها. وبهذه الطريقة كوّن صورته الخاصة عن نيويورك، التي زارها للمرة الاولى عام 1992، «صورة نسجتها من خيالي بغض النظر عن مدى صحتها». فهذا المخرج الذي يبحث دائماً عن حقائق الامور، يترك العنان لمخيلته في العلاقة مع المدن.
عن الاحداث السياسية الكبرى التي تأثر بها، يجزم انها حرب 67 وبعدها ثورة الطلاب في باريس عام 1968 حين تشكّلت هويته اليسارية والتزم العمل السينمائي كوسيلة تعبير «على متاريس الحي اللاتيني». ويعترف انه لا يعتقد بمنطق السلطة، «والدي توفي وأنا في سن مبكرة، فنشأت حكماً بغياب مصدر السلطة هذا». يصف العلاقة بين النخب العربية والغربية بأنها علاقة تحكمها طبيعة النظام العالمي، مجتمعات متقدمة تنتج حضارتها ومعرفتها ومجتمعات تابعة أو مستهلكة. فالمثقف الغربي، على حد قول اميرالاي، لا يفهم عدم قدرة المثقف العربي على القيام بدوره الطبيعي في تطوير مجتمعه في ظل قيود النظام العربي. ويعتبر ان هذا التفاوت الجوهري، بين «عالم قاطر وعالم مقطور»، سيبقى على ما هو عليه حتى نقوم بثورتنا الداخلية التي «تطيح حثالتنا الحاكمة» وتفتح قدراتنا الهائلة على العلم والمعرفة. وأعتبر الفن مجالاً مفتوحاً لالغاء الحدود بين المجتمعات لأنه لا يتأثر كثيراً بهذا التفاوت الحضاري باعتباره مخزون تاريخي مشترك في المعرفة والثقافة والفنون، ما يمكّن المبدع العربي من انتاج اعمال تنتمي الى معايير معاصرة بعيداً عن ضوابط الواقع العام وخصوصية المجتمع الذي ينتمي اليه. يقول اميرالاي ان الحداثة عنده كانت أشبه بمعادلة رياضية مجردة ورقمية لوسائل الانتاج وتعميم الخدمات والسدود والمراهنة على الآلة، بينما اليوم الحداثة بالنسبة له هي المراهنة على وعي الانسان وكرامته.
يقول اميرالاي عن السينما السورية بأنها متميّزة في بعض جوانبها عن مستوى تطور المجتمع السوري وهي صنيعة مجموعة من السينمائيين حققت تحصيلها العلمي في اوروبا الشرقية. وبما انه لا يوجد ارث سينمائي سوري، تحررت هذه المجموعة اليسارية الهوى من أي سياق سابق وتمكنت من وضع اسس لحالة سينمائية واعدة، على حد قوله. وساعد في هذا الاطار وجود ادارة غير موالية للنظام الجديد على رأس مؤسسة السينما بين عامي 1970 و1973، فيما كانت الحركة التصحيحية مشغولة في تثبيت أولى خطواتها. وبقيت هذه الادارة متواطئة مع السينمائيين تفتح لهم مجال التعبير بدون رقابة أو شروط في مرحلة وصفها أميرالاي ب«السائبة»، وكان يجب انتظار نهاية حرب 73 حين تأكد النظام الجديد من استقرار أوضاعه ومن إحكام قبضته على الامن والجيش وصار بإمكانه الالتفات الى ضبط مؤسسات الدولة المدنية، ومن بينها مؤسسة السينما. يعتبر اميرالاي ان هذه الفترة التأسيسية في عمر السينما السورية كان فيها عناصر تنوّع وكانت كافية لوضع هذه الصناعة على سكة العلاقة النقدية مع المجتمع والسلطة. ويرى أميرالاي انه لهذا السبب لم يتجرأ سينمائي سوري واحد، في ارشيف المؤسسة، على خرق هذه القاعدة وانتاج فيلم موال للسلطة «لأننا بكل بساطة نشكّل حالة ضاغطة وإرهابية على مثل هؤلاء».
وعن انقطاع الربع قرن عن مقاربته الواقع السوري في اعماله، يقول اميرالاي انه كان يفتقد لجهوزية الانكباب على الحالة السورية بسبب ابتعاده عن بلده وبالتالي لم يرغب في إسقاط نفسه بالمظلة على واقع يعني له الكثير فيخطف منه صوراً وانطباعات قبل ان يعود ادراجه خلسة الى باريس. واعتبر خطوة كهذه «مبادرة دخيلة لا تشبهني وتركت الزمن يقرر التوقيت المناسب» لعمل فيلم عن سوريا، وكان هذا في عام 2002 أي بعد عشر سنوات من عودته الى دمشق في بداية التسعينات. وردّاُ على سؤال عن الموضوع السينمائي الذي يتمنى مقاربته، يقول اميرالاي ان حدسه يملي عليه دائماً نوعية القرار وتوقيته، ويروي كيف كان على وشك دخول الكلية الحربية في سوريا ليخدم في قوات المغاوير، لكنه توجه بعدها الى كلية الفنون التشكيلية في دمشق. وقال انه متمهّل في طبعه ولا يتسرّع رغبة بالشهادة أو يتهافت ليكون حاضراً في اللحظة المصيرية، ويضيف بأن المبدع الحكيم هو القادر في لحظة التحولات الخطيرة التي تمر فيها بلاده ان يأخذ مسافة من الاشياء التي تعنيه.
عن اسلوبه السينمائي، يقول اميرالاي انه يحب ان يرى الحدث من عيون الناس العاديين مثل سائق التاكسي أو بقال الحارة، لأن هذه التحوّلات تمسّهم كما تمس النخبة. ويحب ان يرى الاشياء بعد عبور العاصفة، حينها «لكل حادث حديث». ويضيف اميرالاي «أعبد الانسان العادي وأتعاطف مع الناس النكرة، هم دائماً وقود الآخرين وضحايا السياسات». ويستطرد «أشعر بضرورة اعطاء الكلمة لهؤلاء الناس وفضح الطريقة التي ينظر بها الحكام والنخب اليهم»، وبأنه ينجذب الى قدرة هذا الانسان العادي على ابداع الحكايات والقصص اليومية. وردّاً على سؤال حول طبيعة رؤيته السينمائية بعد سبعينيات الثورة وثمانينيات الوجدان وتسعينيات السيرة الذاتية، يجيب اميرالاي انه في مرحلة الشيخوخة السينمائية بقدرتها على النظرة الشمولية والتأمل الفلسفي في علاقة المرء بدنياه وما بعدها.
ويرى أميرالاي انه في المراحل الانتقالية عند المجتمعات تتغيّر الظروف والمعطيات فيما تبقى النخب على حالها. ويدعو بالتالي النخبة السورية الى إعادة النظر بنفسها وواقعها وتجاربها لتقوم هي الاخرى بعملية اعادة تشكيل ذاتها كخيار محتمل لقيادة المجتمع. ويضيف «بما اننا في موقع المقاومة والمعارضة، نحن جزء من هذا النظام الذي ندّعي ادانته، ونحمي في مكان ما آفاته»، بسبب الاخطاء التي ارتكبتها المعارضة وبسبب غياب الحسّ الديموقراطي لديها. ويقول «انطلاقاً من استنتاجي لاسباب مأزق المعارضة في سوريا، أرى ان هذه المعارضة عاجزة عن طرح رؤية بديلة تؤسس لمرحلة قادمة». وعن موقعه في المعارضة السورية يجيب «انا عازف منفرد كالعادة»، وانه اختار ان يضع المثقف في مواجهة ومحاكمة مع ذاته العاجزة عن الخروج من مأزقها.
------
عن السفير


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.