تعاون بين وزارتى الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والتموين والتجارة الداخلية    «حماس» تندد بمصادقة الاحتلال على بناء 5300 وحدة استيطانية في الضفة    وزير الكهرباء: توجيهات رئاسية بحل مشكلة قطع الكهرباء في أسرع وقت    انخفاض جديد بمختلف الأعيرة.. أسعار الذهب اليوم الخميس 4-7-2024 بالصاغة    «تعليم القاهرة» تحذر المدارس من جمع أو قبول تبرعات    شاهد الإعلان عن جدول الدوري الإيطالي سنة 2025.. مواجهات نارية مبكرة    لتعدد علاقاتها.. تجديد حبس قاتل عشيقته بالخليفة    إصابات بالغة ل 4 أشخاص إثر انقلاب سيارة بوادي النطرون    وزير الدفاع الإسرائيلى لعائلات المحتجزين: على وشك إتمام صفقة تبادل قريبا    22 أغسطس.. بداية عرض مسرحية "السندباد" ضمن فعاليات مهرجان العلمين    أول تعليق من بسمة بوسيل بعد طرح أغنية «جامدين جامدين» لتامر حسني    3 أبراج فلكية «حظهم قليل» في الحب خلال الفترة المقبلة.. هل أنت منهم؟    في أولى جولاته.. «هنو» يشرح خطة عمل وزارة الثقافة الفترة المقبلة    وزير النقل: الخط الرابع للقطار السريع يخدم هذه المناطق    مصرع طفل أصيب باختناق داخل أسانسير خلال فترة انقطاع الكهرباء بالدقهلية    اختتام فترة الحملات الدعائية بجولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية الإيرانية    رسميا.. المصري يمدد عقد فخر الدين بن يوسف حتى صيف 2025    بعد تصدر الحلقة التريند.. تعرف على كلمات أغنية «آه ولا لأ» من برنامج «بيت السعد»    أرز باللحوم المدمجة، علماء صينيون يطورون نوعا جديدا من الطعام    مواعيد القطارات إلى مرسى مطروح 2024.. وفق جداول التشغيل    الرئيس السيسي ينيب محافظ القاهرة في احتفال الأوقاف بالعام الهجري الجديد    خالد الجندي: استقبلوا العام الهجري الجديد بالطاعات واجتناب عن المعاصي    خالد الجندي: أهل الجاهلية كان عندهم أخلاق (فيديو)    «أمام أعين كولر».. رسالة مفاجئة من لاعبي الأهلي ل كهربا    نتيجة الدبلومات الفنية 2024 بالأقصر    الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم..آداب يوم الجمعة    تفاصيل اجتماع البنك المركزي الأوروبي اليوم .. مفاجأة بشأن سعر الفائدة    «التاجوري» رئيسا لمجلس إدارة غرفة المنشآت والمطاعم السياحية 2024    باكستان تستضيف أعضاء منظمة شنغهاى للتعاون وتدعو الهند للمشاركة    مبابى قبل قمة البرتغال ضد فرنسا: رونالدو لن يتكرر وأتمنى أن يخيب أمله غدا    تعرف على كراسة شروط حجز مشروع لؤلؤة التجمع ب القاهرة الجديدة    مستأنف التجمع الخامس تقضى بحبس المتهم بقتل طبيبة دهسا مع وقف التنفيذ    عمل مستمر.. ملفات مهمة أمام وزير الصحة (فيديو)    من بينهم رونالدو ومبابي وبيلينجهام.. 39 لاعبًا مهددون في ربع نهائي يورو 2024    المكتب الإعلامي بغزة يحذر من مخاطر توقف المولدات بمجمع ناصر    بعد تصدره التريند.. كل ما تريد معرفته عن توفيق عبد الحميد    محافظ قنا يؤكد أهمية الإعلام في التعريف بالمشروعات القومية    الري تفتح باب التقديم في مسابقة الأبحاث العلمية بأسبوع القاهرة للمياه    أول اجتماع بعد تجديد الثقة، أشرف صبحي يتابع استعدادات إطلاق "صيف شبابنا"    السيسي يمنح رئيسي مجلس الدولة وهيئة النيابة الإدارية السابقين وسام الجمهورية من الطبقة الأولى    جدول امتحانات الدور الثاني للعام الدراسي 2023-2024 بمحافظة القاهرة    "جهار": مشروع "مؤشر مصر الصحي" يستهدف قياس أثر تطبيق معايير الجودة على الخدمات    الخشت: أسامة الأزهري سيكون خير سفير للإسلام السمح    وزارة الأوقاف تحتفل بالعام الهجري الجديد 1446ه بالسيدة زينب مساء السبت    أمريكا تخصص حزمة مساعدات عسكرية جديدة لدعم أوكرانيا ب 150 مليون دولار    طلاب من أجل مصر المركزية تنظم زيارة تعليمية لإحدى شركات بورسعيد    تعرف على إيرادات فيلم جوازة توكسيك لليلى علوى في أول أيامه بالسينما    مانشستر يونايتد يمدد تعاقد تين هاج    تقرير مغربي: اتفاق شبه نهائي.. يحيى عطية الله سينتقل إلى الأهلي    وزير التعليم يتفقد الإدارات المختلفة بديوان الوزارة في مستهل مباشرة مهام عمله    وزير الأوقاف يتلقى اتصالا هاتفيا من وزير الشئون الإسلامية بدولة إندونيسيا    أمين الفتوى: لا ترموا كل ما يحدث لكم على السحر والحسد    تحرير 35 ألف مخالفة مرورية خلال 24 ساعة    لتأخر صرف الأدوية.. «الصحة» تحيل مديري الصيدليات بمستشفيي العامرية والقباري للتحقيق    أستاذ جراحة تجميل: التعرض لأشعة الشمس 10 دقائق يوميا يقوي عظام الأطفال    "رغم سنه الكبير".. مخطط أحمال بيراميدز يكشف ما يفعله عبدالله السعيد في التدريب    بدء اجتماع طارئ للمندوبين الدائمين بالجامعة العربية لبحث جرائم الإبادة الجماعية بغزة    البيت الأبيض: هدف باريس وواشنطن حل الصراع عبر الخط الفاصل بين لبنان وإسرائيل دبلوماسيًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبدالهادي سعدون يترجم قرنا من الشعر الإسباني الحديث
نشر في صوت البلد يوم 26 - 04 - 2018

هذه أول أنطولوجيا شاملة للشعر الإسباني في قرن كامل (القرن العشرين) التي تعد وتترجم وتنشر باللغة العربية، هكذا ابتدأ المترجم والكاتب د. عبدالهادي سعدون مقدمته لكتابه "هكذا هي الوردة.. أنطولوجيا الشعر الإسباني في القرن العشرين.. قرن من الشعر الإسباني الحديث 1900 2000"، وعلل ذلك أنه نادراً ما نجد ترجمات عربية متكاملة عن الشعر الإسباني المعاصر، ناهيك عن شعرية قرن كامل، باستثناء الترجمات المتعددة لشعراء معروفين مثل لوركا وألبرتي وماتشادو، ولكن وهناك نقل جديد مختلف لأسماء شعرية معاصرة وبمنتخبات شاملة ولأكثر من صوت شعري تكاد المكتبة العربية تفتقر لها.
وأضاف "من المعروف أن الشعر الإسباني المعاصر لم ينتشر ويخرج عالمياً سوى في ظرف الثلاثين سنة الماضية، وبالأخص بعد انتهاء حكم فرانكو، وأسبابه عديدة لا مجال لذكرها، غير أننا ملزمون بالتأكيد على المناخ الثقافي الجديد وفرص الاطلاع على نموذج الآداب العالمية الأخرى، وهي الفرص التي ساعدت على شيوع التجديد والتجريب في الأدب الإسباني، وإن جاء متأخراً عن الآداب الأوروبية، والمتوسطية على وجه الخصوص.
والمتتبع لحركة الشعر الإسباني المعاصر، يلمس تنوعاً تجريبياً وتداخلاً ضمنياً بين الأساليب والرؤى الشعرية وطرق نقلها وتفصيلها، حتى إن الجيل الأدبي الواحد (أو ما يصنَّف على هذا الأساس) يربط تنوع الأصوات واختلافها بالتجربة الشخصية والاطلاع والتأثر سواء الداخلي أو الخارجي."
ولاحظ سعدون في مقدمته للمنتخبات الصادرة بالتعاون بين النادي الأدبي الثقافي بنجران، ومؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر أن أغلب الشعراء الإسبان كانت تحدوهم رغبة للحاق والمواصلة على الأقل مع النموذج القريب، ونعني به الشعر الأميركي لاتيني (لغويا على الأقل، الإسبانية كمحدد مشترك)، وكذلك محاولة التفرد والتميز عن النموذج الأوروبي الآخر (تواجداً جغرافيا)، الذي شكَّل بتنوعه ونماذجه الرئيسية بؤرة جذب تقليدي أحياناً، ومتابعة وتداخلاً تاماً في أحيان أخرى. من هنا نرى أن الشعر الإسباني المعاصر قد تمثَّل بقدر وآخر، التجربة الإسبانية العريقة، ابتداء بنماذج شعراء القرن الوسيط حتى موجات الحداثة في القرن التاسع عشر، دون أن يلغي كثيراً مسألة التداخل والتجريب والمعاينة مع النموذج الشعري العالمي. وهكذا في انتقاء نماذج تامة منذ بداية القرن العشرين حتى بداية الألفية الثالثة، ستجعلنا نقرأ مختلف المدارس والأساليب من الرومانتيكي حتى السوريالي إلى آخر موجات التجريب، رجوعاً إلى شعر الحياة أو اليومي كما يطلق على آخر نماذجه الشعرية، بشهادة أوكتافيو باث نفسه.
ورأى أن أنطولوجيا متكاملة نوعاً ما لشعر شعراء القرن العشرين، ستشكَّل للقارئ العربي بانوراما متكاملة لأهم الأصوات الشعرية التي كونت - ولا تزال - خريطة الشعرية المعاصرة في إسبانيا. حاولنا هنا، أن نمنح للجغرافيا الإسبانية حيِّزها المتسع، فانتقينا أكثر من صوت يكتب باللغة الإسبانية إضافة للغته الأم من لغات الجغرافيا الإسبانية الرسمية، مثل شعراء كاتلونيا وغاليثيا أو الباسك، لكننا لم ندرج هنا شعراء إسبانيا ممن يكتب فقط باللغات المذكورة الأخرى الرسمية، فهذا له مجال ومكان آخر.
ولفت د. سعدون أن النصف الثاني من القرن العشرين، يعد جيل التأسيس الثاني بعد شعراء جيل 1898. فإذا كان شعراء جيِّلي 1898 و1914 قد أخذوا على عاتقهم بناء مفهوم شعري جديد خروجاً من الوصمة التاريخية (سقوط أوج الإمبراطورية الإسبانية بخسارتها آخر مستعمراتها في كوبا) والذهاب به إلى أبعد مدياته، في التنظير والبحث عن هوية ثقافية وفكرية جديدة. فإن أجيال ما بعد الحرب الأهلية الإسبانية (وهم ما نطلق عليهم بشعراء النصف الثاني من القرن العشرين)، قد حاولوا بعد الخسارة الكبيرة لحريتهم والوقوع في شرك الفاشية الفرانكوية ونظامها الديكتاتوري، حاولوا ما يمكن أن نسميه بناء بنية ثقافية نظيفة ومتجددة نوعاً ما، بعيداً عن كل معايير التسلط الفرانكوي ومحاولاته التوقيع بين شطري الأدباء الإسبان بين منحاز لسياسته التعسفية أو من كانوا بالضد منها، أولئك الذين ماتوا في صف القوات الجمهورية المنهزمة أو من هرب ونفي وتشرد في بلدان العالم الاوروبي أو الأميركي لاتيني أو من بقي محاصراً داخل إسبانيا بدون مجال وحرية حقيقية لنشر إبداعه الشعري.
وقال "لا يمكن الحديث عن فترة ما بعد الحرب الأهلية الإسبانية دون الرجوع لأجياله الأولى (منتصف الأربعينيات أو الخمسينيات) والممتدة حتى نهاية الخمسينيات، وهي الأسماء الشعرية التي جعلت من شعرها المرتبط بقضية الإنسان والمجتمع، هدفاً أسمى وتجربة للخروج من النمطية التعبوية نحو ارتباط واع بقضايا الشارع والناس، ومن هنا جاءت التسمية التي أطلقها عليه النقاد باسم الشعر الاجتماعي، ولكن علينا التأكيد هنا على أن نوعية الشعر الاجتماعي وإن كانت طاغية، إلا أن التمرد والأصوات المتفردة كانت حاضرة بشكل كبير، وهذا ما يمكن تلمسه من خلال قراءة النماذج المنتخبة في هذا الكتاب.
في هذه الحقبة سنرى تأثير العديد من كبار النصف الأول من القرن العشرين مثل: أنطونيو ماتشادو أو خمينث أو لوركا، بل أن البعض من أسماء هذه الأجيال من حاول، على الرغم من تعتيم السلطات الفرانكوية، للرجوع لشعرية هؤلاء وغيرهم كمحاولة لجمع المتناثر من الشعرية الإسبانية، ومنحها بعداً إنسانياً خالصاً، بكون الأدب والثقافة خطاً متواصلاً لا إنقاص فيه، بعيداً عن الاختلافات والتحزبات".
جيل الستينيات
وأكد سعدون أن التحول الحقيقي في اعتقادنا جاء به ما سمي بجيل الستينيات والذي امتد أثره تقريباً وصولاً لجيل الثمانينيات (جيل الديموقراطية بعد موت فرانكو) وهو الجيل الذي شرع ضمن عدته الثقافية إلى التنصل مما يحد من شعرية الشاعر، أي كل ما يمكن أن يدخل ضمن ما يسمى بالمسئولية ضمن معانيها الاجتماعية المتصلة بالتزام الأديب ومسئولية الوطنية. فهذا الجيل وجد أن على الشاعر مسئولية وحيدة لا غير هي (النص نفسه) وكل محاولاتهم بالبحث عن الحركات الشعرية العالمية، التواصل معها، ترجمتها للإسبانية، الخوض في غمار المسائل الوجودية والتحرر الإنساني.
من هنا حصلت الانعطافة الحقيقية للخروج بالشعر الإسباني من قوقعته المحلية وانعتاقه في البحث عن تصورات جمالية معاصرة، ومواكبة العالم في ثورته الثقافية والفكرية، دون التنصل عن الهدف الرئيسي للفرد الإسباني آنذاك، وهي الحرية القصوى في الحياة العامة كما عليه في الكتابة الإبداعية.
وأضاف "يكاد يكون جيل السبعينيات خطوة وصل مع الجيل السابق، ولكنه حلقة مهمة في التواصل مع الأجيال القادمة، لا سيما الجيل الذي يليه (وهو الثمانينيات). فهذا الجيل الثمانيني الشاب قد اتخذ من أسماء شعراء الستينيات نموذجاً يقتاد به، بل وطَّد البنية على أن التجديدية الحقة قد نبعت من بين أسمائه. من هنا شاع بين الشعراء الجدد تسمية (الحساسية الشعرية الجديدة) وذلك بالاتجاه بالشعر نحو هدفه الأسمى، أي استنطاق ما بعد الكلمة والانحياز للجمالية الكتابية أياً كان مصدر نبعها. لذا فقد نلاحظ على أجيال ما سمي بنهاية القرن (الجيلين الأخيرين منه) اللجوء لكل الوسائل الفنية والكتابية لبناء قصيدتهم، ولم ينقطعوا بالتواصل مع زمنهم بكل عيوبه ومنجزاته التقنية والآلية. عليه تعددت اتجاهاتهم وتصوراتهم، تقاطعت وتشعبت، وتشكَّلت منهم أكثر من مجموعة واتجاه، ولكنهم بقوا بصورة وبأخرى منحازين لمنطق الجمال في بذر الكلمة واستيعاب تعدديتها الخلَّاقة.
وكشف سعدون أن الأسماء التي اختارها من شعراء نهاية القرن وبداية القرن الحادي والعشرين، هي أسماء جديدة في وسطها، ولكنها كوَّنت نفسها بشكل صلب ومتماسك، وعلى معرفة واعية بشعريتها وهدفها بخوض التجربة على أكملها. أصوات شابة ولكن راسخة، أهميتها تكمن فيما نشرته وما نالته من إطراء نقدي منحها حجمها داخل الوسط الثقافي، وكذلك لقربها من التجربة العالمية في تقلَّباتها وسرعة تطورها ضمن منظومة العالم وتعدديته الثقافية ووسائل انتشارها ومنظوماتها التي نكاد نجزم على سرعة تجددها وتغيرها في العام الواحد.
كذلك ندرجهم هنا ليقف القارئ العربي اليوم ومعه أجيال الشعراء على ما يكتبه الشعراء الجدد في إسبانيا، ومدى اختلافهم وتلاقيهم معهم في الرؤية والذائقة. لقد منحنا الأهمية لشعراء قد وطَّدوا مكانتهم داخل النموذج الشعري المعاصر بانتخاب نماذج شعرية كافية، أما من أتى بعدهم في الجيل أو في الأهمية، فقد ترجمنا لهم نماذج أقل، وذلك ليتسع المجال لأكبر قدر من الأسماء، ومع ذلك فالمنتخبات مهما جهدنا فيها تبقى متجزئة لا تضم كل الأصوات، بل أغلبها، والتي نظن بها الأهمية والتميز.
وذكر سعدون أن المنتخبات اعتمدت أكثر من مصدر مما تزدحم به المكتبة الإسبانية من أنطولوجيات لأسماء هذه الأجيال التي ترجمنا لها هنا، دون اعتماد مصدر واحد بعينه. في أحيان كنا قد انتخبنا القصائد من دواوين الشعراء مباشرة، وأحيان أخرى اعتمدنا فيها على كتب منتخبات وأنطولوجيات إسبانية مهمة ومعروفة ومتميزة في انتقائها ومعاييرها النقدية، وهي في الواقع كثيرة، ونحن دون مبالغة قد اطلعنا على عشرات الكتب من منتخبات شعرية والدواوين الشخصية، ليقع اختيارنا أخيراً على ما ترونه بين أيديكم.
المنتخبات تبدأ بأهم شاعر لبدايات القرن العشرين ألا وهو أنطونيو ماتشادو، وتنتهي بنماذج لشعراء ولدوا عام 1968 والذين حققوا بشكل وآخر حضوراً شعرياً متميزاً قبل نهاية القرن وقد نشروا أكثر من كتاب شعري ونالوا اهم الجوائز، أو الألفية الثالثة تؤكد حضورهم القوي والمستمر في الخارطة الشعرية الإسبانية.
هذه أول أنطولوجيا شاملة للشعر الإسباني في قرن كامل (القرن العشرين) التي تعد وتترجم وتنشر باللغة العربية، هكذا ابتدأ المترجم والكاتب د. عبدالهادي سعدون مقدمته لكتابه "هكذا هي الوردة.. أنطولوجيا الشعر الإسباني في القرن العشرين.. قرن من الشعر الإسباني الحديث 1900 2000"، وعلل ذلك أنه نادراً ما نجد ترجمات عربية متكاملة عن الشعر الإسباني المعاصر، ناهيك عن شعرية قرن كامل، باستثناء الترجمات المتعددة لشعراء معروفين مثل لوركا وألبرتي وماتشادو، ولكن وهناك نقل جديد مختلف لأسماء شعرية معاصرة وبمنتخبات شاملة ولأكثر من صوت شعري تكاد المكتبة العربية تفتقر لها.
وأضاف "من المعروف أن الشعر الإسباني المعاصر لم ينتشر ويخرج عالمياً سوى في ظرف الثلاثين سنة الماضية، وبالأخص بعد انتهاء حكم فرانكو، وأسبابه عديدة لا مجال لذكرها، غير أننا ملزمون بالتأكيد على المناخ الثقافي الجديد وفرص الاطلاع على نموذج الآداب العالمية الأخرى، وهي الفرص التي ساعدت على شيوع التجديد والتجريب في الأدب الإسباني، وإن جاء متأخراً عن الآداب الأوروبية، والمتوسطية على وجه الخصوص.
والمتتبع لحركة الشعر الإسباني المعاصر، يلمس تنوعاً تجريبياً وتداخلاً ضمنياً بين الأساليب والرؤى الشعرية وطرق نقلها وتفصيلها، حتى إن الجيل الأدبي الواحد (أو ما يصنَّف على هذا الأساس) يربط تنوع الأصوات واختلافها بالتجربة الشخصية والاطلاع والتأثر سواء الداخلي أو الخارجي."
ولاحظ سعدون في مقدمته للمنتخبات الصادرة بالتعاون بين النادي الأدبي الثقافي بنجران، ومؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر أن أغلب الشعراء الإسبان كانت تحدوهم رغبة للحاق والمواصلة على الأقل مع النموذج القريب، ونعني به الشعر الأميركي لاتيني (لغويا على الأقل، الإسبانية كمحدد مشترك)، وكذلك محاولة التفرد والتميز عن النموذج الأوروبي الآخر (تواجداً جغرافيا)، الذي شكَّل بتنوعه ونماذجه الرئيسية بؤرة جذب تقليدي أحياناً، ومتابعة وتداخلاً تاماً في أحيان أخرى. من هنا نرى أن الشعر الإسباني المعاصر قد تمثَّل بقدر وآخر، التجربة الإسبانية العريقة، ابتداء بنماذج شعراء القرن الوسيط حتى موجات الحداثة في القرن التاسع عشر، دون أن يلغي كثيراً مسألة التداخل والتجريب والمعاينة مع النموذج الشعري العالمي. وهكذا في انتقاء نماذج تامة منذ بداية القرن العشرين حتى بداية الألفية الثالثة، ستجعلنا نقرأ مختلف المدارس والأساليب من الرومانتيكي حتى السوريالي إلى آخر موجات التجريب، رجوعاً إلى شعر الحياة أو اليومي كما يطلق على آخر نماذجه الشعرية، بشهادة أوكتافيو باث نفسه.
ورأى أن أنطولوجيا متكاملة نوعاً ما لشعر شعراء القرن العشرين، ستشكَّل للقارئ العربي بانوراما متكاملة لأهم الأصوات الشعرية التي كونت - ولا تزال - خريطة الشعرية المعاصرة في إسبانيا. حاولنا هنا، أن نمنح للجغرافيا الإسبانية حيِّزها المتسع، فانتقينا أكثر من صوت يكتب باللغة الإسبانية إضافة للغته الأم من لغات الجغرافيا الإسبانية الرسمية، مثل شعراء كاتلونيا وغاليثيا أو الباسك، لكننا لم ندرج هنا شعراء إسبانيا ممن يكتب فقط باللغات المذكورة الأخرى الرسمية، فهذا له مجال ومكان آخر.
ولفت د. سعدون أن النصف الثاني من القرن العشرين، يعد جيل التأسيس الثاني بعد شعراء جيل 1898. فإذا كان شعراء جيِّلي 1898 و1914 قد أخذوا على عاتقهم بناء مفهوم شعري جديد خروجاً من الوصمة التاريخية (سقوط أوج الإمبراطورية الإسبانية بخسارتها آخر مستعمراتها في كوبا) والذهاب به إلى أبعد مدياته، في التنظير والبحث عن هوية ثقافية وفكرية جديدة. فإن أجيال ما بعد الحرب الأهلية الإسبانية (وهم ما نطلق عليهم بشعراء النصف الثاني من القرن العشرين)، قد حاولوا بعد الخسارة الكبيرة لحريتهم والوقوع في شرك الفاشية الفرانكوية ونظامها الديكتاتوري، حاولوا ما يمكن أن نسميه بناء بنية ثقافية نظيفة ومتجددة نوعاً ما، بعيداً عن كل معايير التسلط الفرانكوي ومحاولاته التوقيع بين شطري الأدباء الإسبان بين منحاز لسياسته التعسفية أو من كانوا بالضد منها، أولئك الذين ماتوا في صف القوات الجمهورية المنهزمة أو من هرب ونفي وتشرد في بلدان العالم الاوروبي أو الأميركي لاتيني أو من بقي محاصراً داخل إسبانيا بدون مجال وحرية حقيقية لنشر إبداعه الشعري.
وقال "لا يمكن الحديث عن فترة ما بعد الحرب الأهلية الإسبانية دون الرجوع لأجياله الأولى (منتصف الأربعينيات أو الخمسينيات) والممتدة حتى نهاية الخمسينيات، وهي الأسماء الشعرية التي جعلت من شعرها المرتبط بقضية الإنسان والمجتمع، هدفاً أسمى وتجربة للخروج من النمطية التعبوية نحو ارتباط واع بقضايا الشارع والناس، ومن هنا جاءت التسمية التي أطلقها عليه النقاد باسم الشعر الاجتماعي، ولكن علينا التأكيد هنا على أن نوعية الشعر الاجتماعي وإن كانت طاغية، إلا أن التمرد والأصوات المتفردة كانت حاضرة بشكل كبير، وهذا ما يمكن تلمسه من خلال قراءة النماذج المنتخبة في هذا الكتاب.
في هذه الحقبة سنرى تأثير العديد من كبار النصف الأول من القرن العشرين مثل: أنطونيو ماتشادو أو خمينث أو لوركا، بل أن البعض من أسماء هذه الأجيال من حاول، على الرغم من تعتيم السلطات الفرانكوية، للرجوع لشعرية هؤلاء وغيرهم كمحاولة لجمع المتناثر من الشعرية الإسبانية، ومنحها بعداً إنسانياً خالصاً، بكون الأدب والثقافة خطاً متواصلاً لا إنقاص فيه، بعيداً عن الاختلافات والتحزبات".
جيل الستينيات
وأكد سعدون أن التحول الحقيقي في اعتقادنا جاء به ما سمي بجيل الستينيات والذي امتد أثره تقريباً وصولاً لجيل الثمانينيات (جيل الديموقراطية بعد موت فرانكو) وهو الجيل الذي شرع ضمن عدته الثقافية إلى التنصل مما يحد من شعرية الشاعر، أي كل ما يمكن أن يدخل ضمن ما يسمى بالمسئولية ضمن معانيها الاجتماعية المتصلة بالتزام الأديب ومسئولية الوطنية. فهذا الجيل وجد أن على الشاعر مسئولية وحيدة لا غير هي (النص نفسه) وكل محاولاتهم بالبحث عن الحركات الشعرية العالمية، التواصل معها، ترجمتها للإسبانية، الخوض في غمار المسائل الوجودية والتحرر الإنساني.
من هنا حصلت الانعطافة الحقيقية للخروج بالشعر الإسباني من قوقعته المحلية وانعتاقه في البحث عن تصورات جمالية معاصرة، ومواكبة العالم في ثورته الثقافية والفكرية، دون التنصل عن الهدف الرئيسي للفرد الإسباني آنذاك، وهي الحرية القصوى في الحياة العامة كما عليه في الكتابة الإبداعية.
وأضاف "يكاد يكون جيل السبعينيات خطوة وصل مع الجيل السابق، ولكنه حلقة مهمة في التواصل مع الأجيال القادمة، لا سيما الجيل الذي يليه (وهو الثمانينيات). فهذا الجيل الثمانيني الشاب قد اتخذ من أسماء شعراء الستينيات نموذجاً يقتاد به، بل وطَّد البنية على أن التجديدية الحقة قد نبعت من بين أسمائه. من هنا شاع بين الشعراء الجدد تسمية (الحساسية الشعرية الجديدة) وذلك بالاتجاه بالشعر نحو هدفه الأسمى، أي استنطاق ما بعد الكلمة والانحياز للجمالية الكتابية أياً كان مصدر نبعها. لذا فقد نلاحظ على أجيال ما سمي بنهاية القرن (الجيلين الأخيرين منه) اللجوء لكل الوسائل الفنية والكتابية لبناء قصيدتهم، ولم ينقطعوا بالتواصل مع زمنهم بكل عيوبه ومنجزاته التقنية والآلية. عليه تعددت اتجاهاتهم وتصوراتهم، تقاطعت وتشعبت، وتشكَّلت منهم أكثر من مجموعة واتجاه، ولكنهم بقوا بصورة وبأخرى منحازين لمنطق الجمال في بذر الكلمة واستيعاب تعدديتها الخلَّاقة.
وكشف سعدون أن الأسماء التي اختارها من شعراء نهاية القرن وبداية القرن الحادي والعشرين، هي أسماء جديدة في وسطها، ولكنها كوَّنت نفسها بشكل صلب ومتماسك، وعلى معرفة واعية بشعريتها وهدفها بخوض التجربة على أكملها. أصوات شابة ولكن راسخة، أهميتها تكمن فيما نشرته وما نالته من إطراء نقدي منحها حجمها داخل الوسط الثقافي، وكذلك لقربها من التجربة العالمية في تقلَّباتها وسرعة تطورها ضمن منظومة العالم وتعدديته الثقافية ووسائل انتشارها ومنظوماتها التي نكاد نجزم على سرعة تجددها وتغيرها في العام الواحد.
كذلك ندرجهم هنا ليقف القارئ العربي اليوم ومعه أجيال الشعراء على ما يكتبه الشعراء الجدد في إسبانيا، ومدى اختلافهم وتلاقيهم معهم في الرؤية والذائقة. لقد منحنا الأهمية لشعراء قد وطَّدوا مكانتهم داخل النموذج الشعري المعاصر بانتخاب نماذج شعرية كافية، أما من أتى بعدهم في الجيل أو في الأهمية، فقد ترجمنا لهم نماذج أقل، وذلك ليتسع المجال لأكبر قدر من الأسماء، ومع ذلك فالمنتخبات مهما جهدنا فيها تبقى متجزئة لا تضم كل الأصوات، بل أغلبها، والتي نظن بها الأهمية والتميز.
وذكر سعدون أن المنتخبات اعتمدت أكثر من مصدر مما تزدحم به المكتبة الإسبانية من أنطولوجيات لأسماء هذه الأجيال التي ترجمنا لها هنا، دون اعتماد مصدر واحد بعينه. في أحيان كنا قد انتخبنا القصائد من دواوين الشعراء مباشرة، وأحيان أخرى اعتمدنا فيها على كتب منتخبات وأنطولوجيات إسبانية مهمة ومعروفة ومتميزة في انتقائها ومعاييرها النقدية، وهي في الواقع كثيرة، ونحن دون مبالغة قد اطلعنا على عشرات الكتب من منتخبات شعرية والدواوين الشخصية، ليقع اختيارنا أخيراً على ما ترونه بين أيديكم.
المنتخبات تبدأ بأهم شاعر لبدايات القرن العشرين ألا وهو أنطونيو ماتشادو، وتنتهي بنماذج لشعراء ولدوا عام 1968 والذين حققوا بشكل وآخر حضوراً شعرياً متميزاً قبل نهاية القرن وقد نشروا أكثر من كتاب شعري ونالوا اهم الجوائز، أو الألفية الثالثة تؤكد حضورهم القوي والمستمر في الخارطة الشعرية الإسبانية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.