أكد خبراء سياسيون أن العقويات الدولية الواقعة علي إيران حاليا لم تكن جديدة علي إيران وإنما عمرها من عمر النظام الإيراني نفسه وطوال هذه الأعوام فشلت العقوبات المختلفة في إحداث تأثير ملموس علي السياسات الإيرانية في الداخل والخارج. ومن جهه أخري، أدت هذه العقوبات الواقعة حاليا إلي وجود رد فعل علي المستوي الداخلي الإيراني يطالب المسئولين الإيرانيين بالتعامل علي محمل الجد مع العقوبات الدولية الإضافية المفروضة علي إيران وعدم التعامل معها وكأنها "نكتة" وبعد ثلاثة أشهر علي تصويت مجلس الأمن الدولي علي القرار 1929 تم فرض سلسلة جديدة من العقوبات الاقتصادية علي إيران لعدم التزامها بالشفافية بشأن برنامجها النووي وقد إستكملته عدة دول بفرض عقوبات من طرف واحد وفي هذه المرة أكد الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أن برنامج بلاده النووي لا ينطوي علي أهداف عسكرية، كما أكد أن العقوبات الاقتصادية لا تؤثر في إيران فيما تبدي طهران استعدادها لمعاودة المفاوضات سريعا. جاء مؤتمر بعنوان: "العقوبات الدولية ضد إيران وانعكاساتها المختلفة" عقد مؤخرًا بمقر المركز الدولي للدراسات المستقبلية والاستراتيجية بالقاهرة. ومن جهته أكد د. علي نوري زاده مدير مركز الدراسات العربية الإيرانية - لندن أن الرئيس أحمدي نجاد يستهزئ بالعقوبات، ويصفها بالنعمة الإلهية؛ حيث إن الحصار باعتقاده ينمي المواهب الإبداعية في البلاد ويقول: "إذا طبقت الدول الغربية مائة قرار من هذا النوع فإن اقتصاد البلاد لن يتأثر بها". ومن المؤكد أنه كلام غير مقبول وغير مبرر, الهدف منه إضفاء جو من الطمأنينة في الشارع؛ فأحمدي نجاد الذي كان السبب الرئيسي في تنفيذ العقوبات يعلم أكثر من غيره عمق المأساة التي ستحدث في حينها؛ لهذا نري نجاد يسعي جاهدا الي إيجاد مفر للخروج من المأزق الذي وصلت إليه البلاد جراء سياساته؛ حيث بادر مؤخرا إلي تشكيل لجنة الأزمات, بينما آية الله خامنئي هو أيضا مجبر علي تبرير الوضع الراهن راغبا كان أو كارها, ونظرا لهذا فقد حث الولي الفقيه خامنئي المسئولين علي إيجاد طرق للالتفاف حول العقوبات الدولية المفروضة, كما انضم جنتي رئيس مجلس صيانة الدستور هو الآخر إلي خبراء الاقتصاد متنبئا باقتراب زمن الزهد والتقشف في البلاد. وأضاف نوري: إنه من أجل العمل علي تأجيل إصدار قرار بالعقوبات في الأممالمتحدة أو العمل علي أن يكون القرار في حال صدوره هشا يخلو من التاثير القوي علي اقتصاد النظام, اتكأت جمهورية ولاية الفقيه في حساباتها علي آمال عدة, يأتي في مقدمتها الصوت الروسي في مجلس الأمن حيث شهدنا خلال الفترة الماضية تنازلات من جمهورية ولاية الفقيه إلي الجانب الروسي ومن ضمنها التوقيع علي صفقة شراء معدات عسكرية بلغت ثلاثة عشر مليار دولار أمريكي كما أن صواريخ إس 300 كانت من ضمن الصفقة المبرمة. وفي سياق متصل، أكد نوري أن الصين تستغل ما تواجهه طهران من صعوبات وما يوجد من وضع مرتبك بإيران, ومع معرفة الصين من وجود ملايين الأطنان من النفط الخام الإيراني في ناقلات السفن هائمة في المياه الدولية أشترطت بكين التي تعد من أكبر المشترين للنفط الإيراني أن تخصص 40% من أسعار بيع النفط إلي الصين في شراء السلع من هذا البلد؛ لهذا فقد كان الشراء الإجباري هذا الذي فرضه النظام الصيني علي جمهورية ولاية الفقيه سببا في وفرة البضائع الصينية في الأسواق الإيرانية الأمر الذي نجم عنه سقوط الإنتاج الوطني الإيراني. كذلك يأمل الحكام في طهران أنه حتي في حال إصدار قرار من مجلس الأمن بعقوبات اقتصادية ضد ايران؛ فإن بعضا من الحكومات في العالم ستتجاهلة ولن تكترث به الكثير من الشركات التجارية وستستمر في تعاملاتها التجارية مع النظام بيد أنه قد حدث العكس والتزمت تلك الدول بتنفيذ القرارات الصادرة مما أثار دهشة الجمهورية الإسلامية, وهذا لم يحدث إلا بعد أن قامت وزارتا الخارجية والخزانة الأمريكييتان بمحادثات جادة مع زعماء كثير من البلدان أثمرت عن إقناعهم بتشديد قبضة العقوبات علي إيران بالرغم من أن بعض هذه البلدان لديها علاقات تجارية وثيقة بالنظام مثل اليابان وكوريا الجنوبية وإيطاليا والإمارات العربية وأيضا تركية والبرازيل. ومن المؤكد أن المرسوم الصادر عن وزارة الخزانة الأمريكية الذي يقضي بمعاقبة وحرمان الشركات التي تتعاون مع ايران بمبالغ تزيد علي 5 ملايين دولار أمريكي كان له الدور الأساسي في تنفيذ القرارات الدولية وإيقاف التعامل مع الجمهورية الإسلامية. وأوضح نوري أنه لم يمر وقت طويل علي تنفيذ العقوبات الدولية حتي واجه نظام ولاية الفقيه ضغوطا شتي أوصلته إلي إبرام اتفاقيات اقتصادية مضرة لاستيراد بضائع من دول مثل ماليزيا والصين وكوريا الجنوبية وتركيا.. معتمدا في ذلك علي العملات المحلية لتلك الدول بدلا من العملات العالمية مثل الدولار أو اليورو, وهو ما ستترتب عليه مضار اقتصادية من جراء هذا النوع من التعامل الاقتصادي لعل أقلها أن النظام سيكون مضطرا إلي الشراء من تلك الدول دون غيرها, كما أن تدهور قيمة العملات المحلية لتلك الدول أمام العملات العالمية يجعل التعامل بها غير جدير بالثقة كما ستكون مكلفة للغاية, وفي ظل هذا الظرف الاقتصادي المرتبك بسبب الحصار نري حكومة أحمدي نجاد تصر علي تنفيذ مشروع الإعانات الحكومية خلال هذه الأيام, المشروع الذي اقره البرلمان في العام الماضي بعد محاولات شد وجذب بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وبما أن المشروع جاء متزامنا مع فرض العقوبات الجديدة فإن نتائجه في حال قيام الحكومة بتطبيقة ستكون كارثية تجر اقتصاد البلاد المنهك اصلا الي السقوط، وحينما مرر البرلمان مشروع الاعانات الحكومة في العام الماضي لم يكن في بال أحد من رجالات الحكومة أن هناك عقوبات أخري ستفرض علي ايران في الشهور اللاحقة وبعد ان تم اقرار الحزمة الجديدة من العقوبات عبر مجلس الأمن أصبح الشعب ينظر الي الحكومة املا في ايجاد الحلول بيد أن الحكومة تنقصها الخبرة والتجربة؛ وهي الان في وضع لا يمكنها ادارة هاتين المشكلتين المعقدتين والخطيرتين في وقت واحد. وأكد نوري أن مثل هذه الأوضاع الاقتصادية السيئة والتي أربك تسونامي العقوبات الدولية المفروضة علي إيران نظام التجارة الخارجية والأهم من ذلك أنه وبعد أيام سيتم تنفيذ خطة الاعانات الحكومية المثيرة للجدل مما سيحدث طفرة كبيرة في الأسعار رغم كل التدابير التي اتخذتها الحكومة بهذا الصدد ومن المستبعد أن تستطيع حكومة أحمدي نجاد وبكادرها الاقتصادي الضعيف وفي ظل التقاعس الشعبي عن معاضدتها, السيطرة علي الأزمة؛ حيث شاهدنا في الأسابيع الأخيرة آثارها في تكوين السوق السوداء للعملة الصعبة وإضراب صاغة الذهب والذي ينبئ عن تحركات جديدة وجادة في الأسابيع القادمة والنقطة المهمة في هذا المجال هي خشية الحكومة من انتفاضة اقتصادية تفوق الانتفاضة السياسية في العام الماضي بكثير وعندما يتحدث رجال الأمن عن فتنة اقتصادية ويهددون بقمع أي تحرك مناهض لخطة الإعانات الحكومية فإن ذلك ينم عن رعبهم من ردة أفعال الشعب المفاجئة. فيما أكدت د. أمل حمادة أستاذ علوم سياسية جامعة القاهرة أن العقوبات الدولية التي تعاني منها إيران بأشكال مختلفة منذ أكثر من 30 عاما لا يبدو أنها قادرة علي إلزام النظام الايراني بإحداث تنازلات ملموسة في الملفات التي تهم المجتمع الدولي بشكل كبير، ولكن هل تستطيع العقوبات أن تغير من تركيبة أو توازنات النظام الداخلية بما يحقق في النهاية الهدف منها؟ الإجابة عن هذا السؤال شديدة الصعوبة؛ فمن ناحية لا يمكننا تقليل أهمية الصعوبات الاقتصادية الداخلية المرتبطة بمزيد من العقوبات، ومن ناحية أخري اثبت النظام الايراني قدرته علي الالتفاف عليها وتقليل آثارها من خلال دعم السلع أو تدعيم الصناعات المحلية أو عقد اتفاقات دولية مع دول لا تلتزم بهذه المسألة، ومن ناحية ثالثة لا يزال النظام السياسي يراهن علي ان ما يهم في معادلة السياسة الداخلية الايرانية هو التماسك الايديولوجي في وجه التحديات سواء كانت اقتصادية او سياسية و لا يزال ناجحا في تسويق العقوبات داخليا علي أنها محاولة من النظام الدولي الجائر لإخضاع إرادة إيران الحرة، وهو ما يحقق له درجة لا يستهان بها من التماسك التي تحرج المعارضة الاصلاحية فتضطر هي الأخري للدفاع عن الدولة والمجتمع في وجه الغرب ومؤسساته، ومن ناحية رابعة لا يمكن اهمال تأثير عنصر الاخطار الاقليمية المرتبطة بالوجود العسكري الامريكي في العراق وافغانستان واستمرار شبح الضربات العسكرية الامريكية او الاسرائيلية في تحقيق درجة من التماسك الشكلي في النخبة الحاكمة. ولكن علي صعيد آخر قد تستخدم فصائل مختلفة من داخل النخبة الايرانية نفسها، خاصة الجناح المعارض لسياسات الرئيس نجاد من داخل معسكر المحافظين, قد يستخدم سلاح العقوبات الدولية والصعوبات الاقتصادية الداخلية الناتجة عنها ضد الرئيس بما يعيد تشكيل التوازنات الداخلية لصالحهم وتقليل دور الحرس الثوري الجناح الأهم في القوي المؤيدة للرئيس وللمرشد، ولكن هل يعني هذا استجابة النظام ككل لمطالب المجتمع الدولي فيما يتعلق بالملف النووي الايراني أو الترتيبات الاقليمية او بدرجة أقل انتهاكات حقوق الانسان؟.. سؤال يبدو أن الاجابة عليه لن تكون مرضية لبعض المراقبين والمهتمين بالشأن الايراني. وألمح د. نشآت الهلالي مساعد أول وزير الداخلية المصري سابقا إلي أن الجزاءات او العقوبات التي تتعرض لها ايران متنوعة ولابد أن نفرق اولا بين نوعين من الجزاءات منها الجزاءات غير العسكرية, والجزاءات العسكرية؛ أولا: الجزاءات غير العسكرية؛ وهي التي لا تستخدم القوة العسكرية في تنفيذها؛ ومنها: العقوبات الدبلوماسية؛ وهي التي تكون العلاقات الدبلوماسية والقنصلية موضوعا لها "نص المادة 41 من ميثاق الأممالمتحدة", والعقوبات المالية؛ مثل: الحرمان من كل أو بعض المساعدات المالية, والعقوبات الاقتصادية؛ مثل: منع تصدير البترول وبعض المواد الخام الاساسية, غير العقوبات العسكرية؛ وهي التي تتطلب استخدام القوي العسكرية في تنفيذها, فكل هذه العقوبات مفروضة علي ايران الآن؛ والسؤال: هل ايران تستطيع مواجهه كل هذا؟ أما د. مجدي صبحي نائب مدير مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالاهرام، فأكد أنه علي الرغم من توافر الاحتياطيات النفطية الضخمة في ايران نحو 11% من الاحتياط العالمي لم تبن طهران العدد اللازم من مصافي التكرير؛ لتلبية الطلب المحلي المتزايد علي المنتجات البترولية، كما أنها تستمر في بيع البنزين محليا بأسعار متدنية حتي بعد رفع سعره، وأيضا أخفقت ايران في تنفيذ المشاريع اللازمة لتصدير الغاز الطبيعي، والسبب في ذلك هو تخوف الشركات العالمية من العقوبات الامريكية فضلا عن صعوبة التفاوض مع الطرف الايراني حول الشروط التجارية للعقود وتغيير الموقف الايراني اثناء المفاوضات، بل حتي في نصوص العقود بعد التوقيع عليها مع تغيير الحكومات، وبالفعل هناك مشروعان اليوم فقط لتصدير الغاز عبر الانابيب أحدهما إلي تركيا والآخر إلي أرمينيا.