تباينت قراءة المحللين لتفاعلات المشهد الإيراني علي الساحة الدولية بسبب البرنامج النووي الايراني المثير للجدل . بدءا من صدور قرار جولة العقوبات الدولية الجديدة ضد طهران مرورا بالضغوط الغربية وخشية الأوروبيين من صعود قطب إقليمي قوي له استقلاليته التي تدعم جيرانه وتؤثر سلبا علي المصالح الغربية الواسعة في المنطقة, انتهاء بالتهديدات الأمريكية الاسرائيلية بتوجيه ضربة عسكرية لإيران بذريعة تدمير منشآتها النووية. فالبعض يري أن قوة إيران وعلاقاتها القوية بعدد من دول المنطقة مثل سوريا وتركيا وباكستان يمكن أن يشكل منظارا جيدا لتحفيز المجتمع الدولي علي رؤية حقيقة حجم ايران و مدي تاثيرها في المنطقة. فبدأت بحزمة من العقوبات ولكن تجربة الأعوام الأربعة الماضية أثبتت وجود حدود لقدرة نظام العقوبات علي تحقيق النتيجة المرجوة ووجود أكثر من سبب يؤدي إلي تقليص فاعلية العقوبات الاقتصادية علي إيران منها مثلا الطبيعة الأحادية التي كانت لهذه العقوبات في البداية والحاجة إلي نظام من العقوبات الجماعية, ولكن حتي عندما يتوافر ذلك هناك عدم قدرة علي وضع آلية لمراقبة تطبيق العقوبات الجماعية, فمهما ضغطت وزارة الخزينة الأمريكية علي إيران لن تنجح في شل الاقتصاد الإيراني إلا بتعاون وثيق مع باقي الدول الكبري وهذا ما سعت إليه الولاياتالمتحدة ونجحت في تحقيقه في المجموعة الرابعة للعقوبات الصادرة عن مجلس الأمن العام المنصرم, وقد نجحت الولاياتالمتحدة في حمل روسيا والصين اللتين كانتا تعارضان علي الدوام فرض العقوبات علي الموافقة علي هذه الجولة من العقوبات عبر تقديم تنازلات لكلا البلدين, فتعهدت الإدارة الأميركية للصين بأن موافقتها علي العقوبات لن يلحق الضرر بمصالحها ووعدتها بأن تتولي السعودية تأمين حاجاتها من النفط في حال تعرض استيراد الصين للنفط من إيران إلي الخطر. كما اضطر الأمريكيون إلي تقديم تنازلات إلي الروس للحصول علي مشاركتهم في العقوبات في ملفات مهمة هي موضوع تفاوض بين الروس والولاياتالمتحدة عليها مثل الدرع الصاروخية في تشيكوسلوفاكيا والشبكة المضادة للصواريخ في بولندا. السبب الثاني في محدودية تأثير العقوبات يعود إلي قدرة السياستين الأمنية والخارجية في إيران علي تحمل الضغوطات الاقتصادية, وأبرز دليل عدم تأثير العقوبات علي السياسة النووية الإيرانية ولا علي توجهات السياسة الخارجية. السبب الثالث قدرة إيران علي استخدام نفوذها في المنطقة لمواجهة الضغوطات التي تمارس عليها بإثارة عدم الاستقرار في دول المنطقة وزرع الاضطرابات سواء عبر تهديد أمن دول الخليج المجاورة لها, أو عبر التدخل في الحياة السياسية للعراق وفي لبنان وفلسطين. السبب الرابع هو فشل الجهود الدولية ضد إيران في توظيف الاحتجاجات الداخلية فيها التي أعقبت نتائج الانتخابات الرئاسية في إيران لإضعاف سلطة محمود أحمدي نجاد وسياساته المتشددة. والواقع أن أربع جولات من العقوبات لم تجعل إيران أكثر عزلة علي المستوي السياسي ولم تضعف من نفوذها السياسي الإقليمي الذي شهد تحديدا خلال تلك المدة صعودا كبيرا في أكثر من مكان من العراق إلي لبنان, والأهم أن هذه العقوبات لم تثمر وقفا إيرانيا لتخصيب اليوارنيوم, أو وقف السعي المحموم لإيران للانضمام إلي نادي الدول النووية, بل علي العكس تماما استطاعت طهران الاستفادة من العقوبات الدولية حيث شجعت العقوبات الاقتصادية إيران علي تطبيق العديد من الخطط الإصلاحية الاقتصادية في محاولة لتحقيق' الاكتفاء الذاتي'. وإذا علمنا أنه برغم كون إيران رابع أكبر دولة مصدرة للنفط الخام في العالم فإنها من جهة أخري ذات قدرة محدودة علي إنتاج حاجات استهلاكها المحلي من المشتقات النفطية. وهي وفق الكثير من التقارير تستورد نحو40 في المئة من حاجتها لمادة البنزين من الخارج نظرا إلي عدم توافر منشآت تكرير كافية علي أراضيها. وتحسبا لاحتمال تعرض إيران إلي فرض عقوبات علي استيراد حاجاتها من الوقود, بدأت بالعمل علي خفض استهلاكها للبنزين مع محاولة استبداله بالغاز الطبيعي لا سيما في قطاعي المواصلات والصناعة المحلية. كما تشير بعض التقارير إلي إقدام إيران علي تخزين كميات من البنزين في ناقلات نفطية تحسبا لأوقات الطواريء. ومن الأساليب الأخري التي لجأت إليها إيران لمواجهة أزمة محتملة في الوقود هو اللجوء إلي الاستيراد من دول لا تقع تحت النفوذ الأميركي. الامر الذي جعل الولاياتالمتحدةالامريكية تتحرك بسرعة لتفادي اي تضخم في حجم ايران علي الاقل في عيون المحايدين. وذلك بالعودة الي الشرق الاوسط خاصة دول الخليج لحشد المزيد من التأييد للتصدي لمشروع ايران النووي. فالولاياتالمتحدةالامريكية التي تعتبر الراعي الاول لمحاربة ليس فقط ملف ايران النووي و لكن ايران نفسها حسب اعتقاد المختصين في الشأن الايراني عادت بسيناريو جديد عنوانه تحركوا قبل فوات الاوان رافضة التقييمات الاسرائيلية بأن ايران لا تزال بعيدة عن القنبلة النووية والذي من شأنه ان يضعف التصميم الدولي علي مواصلة الضغط علي إيران. ويري المحللون ان هذه التقييمات دليل علي ثقة اسرائيلية جديدة في العقوبات التي تقودها الولاياتالمتحدة والتحرك السري الامريكي الاسرائيلي الذي يهدف إلي عرقلة أو تأجيل برنامج إيران لتخصيب اليورانيوم. يذكرأنه من المقرر ان تعقد الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي وهي الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا والصين وروسيا بالاضافة إلي المانيا جولة ثانية من المحادثات مع إيران في اسطنبول في وقت لاحق من الشهر الجاري بعد جولة أولي من المفاوضات والتي عقدت في ديسمبر ولم تحقق تقدما يذكر. لكن الذي لا شك فيه هو أن فشل العقوبات الأخيرة علي إيران سيضع المجتمع الدولي أمام تحد كبير إما اللجوء إلي القوة للحد من طموح إيران في الحصول علي السلاح النووي أو الرضوخ لواقع جديد تكون فيه إيران قوة نووية جديدة في منطقة الشرق الأوسط.