يحفل الوسط الأدبي بثنائيات أدبية عديدة وعلاقات عاطفية دامت سنوات طويلة، بعضها استمر مراسلات أدبية ووجدانية ولم تتوج بلقاء أبدا، وبعضها انتهى نهاية مأساوية بالانتحار، وكثير من القصص انتهت بالانفصال والغياب والفشل، ولم يكتب النجاح لغالبية هذه العلاقات. غير أنها وإن فشلت اجتماعيا وعاطفيا لكنها أنتجت مادة إبداعية شغلت النقاد والقراء وكانت تتنوع بين أكثر من جنس أدبي كالمراسلات التي دارت بين مي زيادة وجبران خليل جبران، وبين غادة السمان وغسان كنفاني، وكنتاج شعري كالذي كتبته سيلفيا بلاث وزوجها تيد هيوز، والكتابات الفلسفية التي أنتجتها علاقة جان بول سارتر وسيمون دو بوفوار. علاقات عاطفية كثيرة دخلت مساحة التواصل من باب واسع هو الإبداع واستندت إلى جدار الحب، تكسرت المشاعر على ذلك الجدار وتهاوت مثل نجم يائس لكن الباب ظل مفتوحا، مات الحب وظل الإبداع شاهدا يسجل كل تفاصيل الحالات النفسية التي مر بها الثنائي الأدبي. الثنائي الأندلسي ولادة بنت المستكفي وابن زيدون العاشق المعذب الذي دفع ثمن حبه لولادة ابنة آخر خلفاء بني أمية في الأندلس التي علمت كل العشاق كيف تنتصر لذاتها عاشا علاقة قاسية وحبا لا يهادن في مرحلة كانت فيها المؤامرات السياسية والصراعات تلعب دورها حتى في العلاقات العاطفية بين العشاق. التقى ابن زيدون الأندلسي بالأميرة الشاعرة ولادة بنت المستكفي في النصف الأول من القرن الحادي عشر والتي كانت قد أقامت صالونا أدبيا لشعراء وأدباء عصرها، وكتبت قصائد اخترقت فيها القيم الاجتماعية السائدة في مجتمعها، وخرجت عن مألوف عصرها فكتبت الغزل في عشاقها واستخدمت لغة جريئة في العشق ووصف لقاءات الحب الحميمة، وهذا لم يكن شائعا ولا حتى مقبولا في تلك الحقبة خاصة وأنه صادر عن امرأة وأميرة. أعجب ابن زيدون بولادة وبادلته الإعجاب وسرعان ما نشأت بينهما علاقة قوية تفجرت على شكل قصائد خالدة، تبادلا الحب والأشعار وأنتجا رسائل شعرية خاصة أثرت المكتبة العربية، فقد كتب ابن زيدون الكثير من القصائد في حب ولادة على الرغم من مشاعر الأسى والحزن التي تعتريه بسبب صدها له في معظم الأوقات وبعدها عنه، ومن هذا الشعر القصيدة المشهورة التي يقول في مطلعها: الغيرة جعلت التداني تنائيا أضحى التنائي بديلا عن تدانينا وناب عن طيب لقيانا تجافينا بنتم وبنا وما ابتلت جوانحنا شوقا إليكم ولا جفت مآقينا وقد بذل ابن زيدون في قصائدة الموجهة إلى ولادة كل جهده في إظهار حبه الراسخ لها ووفائه واستمرار اعتبارها مصدر إلهامه على الرغم من التهمة التي وجهتها إليه ولادة بخيانته لها مع جاريتها وسوء تعامله معها كما ينبغي لأميرة. وحين تدخلت مكائد السياسة لم تبق علاقة ابن زيدون بولادة على ما هي عليه من صفاء ومودة، فقد دخل الى حلبة الميدان منافس جديد له هو الوزير ابن عبدوس، الذي راح يكيد لابن زيدون ويختلق له الأخبار الكاذبة يبثها لولادة حتى تبتعد عنه، ولأن ولادة كانت تغار عليه كثيرا فقد دس لها ابن عبدوس خبرا مفاده أن ابن زيدون يعشق جارية لها مما جعلها تبدي له الصدود والفتور ، ومن شعرها ما قالته في عشق ابن زيدون لجاريتها: لو كنت تنصف في الهوى ما بيننا لم تهو جاريتي ولم تتخيّر وتركت غصناً مثمراً بجماله وصخت للغصن الذي لم يثمر ولقد علمت بأني بدر السما لكن ولعت لشقوتي بالمشتري وأثرت الاضطرابات السياسية على ابن زيدون وتعاونت الأحوال التي كانت سائدة في ذلك العصر، وما نتج عنها من مؤامرات ووسائل لم ينج منها أي شيء حتى الحب الصادق في الزج بابن زيدون في السجن ونجح ابن عبدوس وأعوانه في تدبير مؤامرة ضده لإبعاده عن طريق ولادة ومن سجنه راح ابن زيدون يئن ويتعذب، ويكتب الكثير من القصائد الخالدة عن حبه . هرب ابن زيدون من سجنه في قرطبة إلى اشبيلية، وقد استطاع أن يصل إلى مكانة مرموقة لدى أميرها، لكن حبه بقي يعاوده وحنينه إلى ولادة بقي يعذبه من حين لآخر واستمر يستعطف رضاها وحبها. وقيل إنها انصرفت إلى غريمه الوزير ابن عبدوس وأقامت علاقة معه انتصارا لغيرتها وانتقاما من ابن زيدون الذي فضل جاريتها عليها واعتبرت علاقتها بابن عبدوس علاقة ترويح عن النفس أما قلبها فظل محبا لابن زيدون حتى وفاته، وقد عاشت بعده عقدين ولم تتزوج وقيل إنها عمرت فوق المئة سنة.