سرعة صعود وهبوط جماعة الإسلام السياسي للسلطة في مصر بعد ثورات الربيع العربي، دفع بهم لإعادة تنظيم صفوفهم في مواجهة الحكومة الانتقالية، فالأحداث التي تشهدها القاهرة هذه الأيام لم تعد تهدد أمنها فقط بل امتدت آثارها إلى دول المنطقة، خاصة وأن الجماعة وجدت السند الدولي من الغرب والدعم العربي من قطر، وأدت أعمال العنف التي تنفذها الجماعة إلى إدراجها على لائحة المنظمات الإرهابية، غير أن ذلك لم يحد من نشاطها بل أصبحت تكثف أعمالها لتقويض نظام الحكم القائم وعودة الشرعية التي كانت تنادي بها بعد سقوط الرئيس المعزول محمد مرسي، بمعاونة التنظيم الدولي للإخوان . في رأي د.أحمد بان الخبير في شئون حركات الإسلام السياسي أن تيار الإسلام السياسي بشكل عام كان آخذاً في الظهور كقوى سياسية بعد ثورات الربيع العربي، ووقتها تخوّفت الأنظمة العربية والخليجية من جماعة الإخوان المسلمين، كونها جماعة منتشرة داخل الوطن العربي وقادرة على زعزعة الاستقرار في المنطقة، وتابع: جاء السقوط المأساوي لبعض الرؤساء العرب مثل، زين العابدين بن علي في تونس، وحسني مبارك في مصر، ومقتل العقيد الليبي معمر القذافي، بمثابة صدمة حقيقية لمنطقة الخليج، حتى أنه وقت الانتفاضات الشعبية، تساءل الشارع العربي على نحو متزايد، هل المجتمع الخليجي لديه القدرة أو الجرأة على إشعال الثورة ؟ وتابع: الإجابة كانت سريعة، حيث وقعت مناوشات احتجاجية في البحرين والأردن، واتهمت حكومتي البلدين المجتمع الشيعي (إيران) بزعزعة استقرار منطقة الخليج لبسط نفوذها السياسي وأحلامها التوسعية في المنطقة، وأكد أن الفوضى التي يمارسها الإخوان في جميع بلدان الربيع العربي تعد خطة ممنهجة لخلخلة توزان الحكم داخل العالم العربي، وتقسيم هذه الدول بالشكل الذي يسهّل على حلفاء التنظيم من الجماعات الجهادية من اختراق الدول العربية وبث الفوضى والعنف، وهو الأمر الذي يشكّل تهديداً وجودياً للأنظمة الحاكمة وإفشال تجاربهم الناشئة. ومن جانبه أضاف د.سامح عيد الباحث في شئون الحركات الإسلامية، أن الإخوان المسلمين طوال تاريخها كانت جماعة ناجحة في استغلال عقول الجماهير، ولا ينبغي أبداً أن تسمح ثورة حقيقية بأن تأخذ الإخوان مكاناً في الحكم، نظراً لأنها تمتلك أيديولوجية سياسية ودينية منافية للواقع بهدف استعباد الجماهير وعدم المجادلة ونشر ثقافة الطاعة، ولذلك فإن الإخوان يمتلكون عقيدة (الطاعة العمياء)، ويؤكد أن فشل العلمانيين والقوميين في الحصول على انتباه الغرب، جعل التيار الإسلامي يبرز كقوة رائدة في كل من السياسة والمجتمع، نظراً لأن الإسلام ليس مجرد ديناً، بل هو تراث ثقافي، علاوة على ذلك، أظهر الربيع العربي أن العلمانيين في مصر والبحرين والسعودية ليسوا سوى أبواق لأنظمتهم، ومن ناحية أخرى، يبدو أن العرب العاديين قد وصلوا إلى استنتاج أنه لا السعودية ولا إيران يمثلان الإسلام السياسي على وجهتيه (السنة والشيعة)، الذين أصبحوا يطمحون للتعايش سوياً، ولكن الخلافات السياسية تقف عائقاً أمام هذا التقارب الديني، ويشير إلى أن الإخوان ظهروا بين رحى هذا الخلاف كجماعة تدفع باتجاه الليبرالية بمفهوم إسلامي معاصر، وتشجع حرية الفكر والتعبير، والمساواة والعدالة والتسامح، وبالتالي استطاعت جماعة الإخوان جذب قطاع عريض من مواطني الشعوب العربية، ويضيف: أن الجماعة الإسلامية لم تحافظ على الحكم بعد نضال استمر لأكثر من ثمانين عاماً، وسارت نحو الفوضى والعنف، وهو الأمر الذي جعل حكومتي مصر والسعودية تقومان بإدراج الإخوان كجماعة إرهابية، وهذا هو السبب في أنهم أصبحوا ملاحقين قضائياً، بجانب تشويه سمعتهم في وسائل الإعلام، وبأنهم إرهابيون أو خونة يخططون لإسقاط الحكم في الدول العربية. في حين أوضح د. عبد الرحيم علي مدير المركز العربي للدراسات والأبحاث السياسية، أن الإسلاميين كانوا قوى آخذة في الظهور بعد الربيع العربي، وأعتقد أن تخوّف دول الخليج من سقوط الأنظمة العربية كان يرجع إلى معرفتها القديمة بجماعة الإخوان المسلمين، وطريقة تفكيرها العدوانية تجاه الأنظمة الخليجية، نظراً لوجود علاقة تعاونية بين الإخوان وإيران لتقسيم المنطقة، ودخول طهران كشريك توسعي في معادلة الشرق الأوسط، وشدد على ضرورة حظر الدول العربية لجماعة الإخوان المسلمين، وتفعيل اتفاقية الدفاع المشترك ضد مخاطر الإرهاب في المنطقة، وبالتالي فإن قادة الدول العربية في قمة الكويت يقع عليهم عبء ثقيل ومسئولية أمن وتأمين شعوبهم من مخاطر الإرهاب، وبالتالي لابد من إصدار قانون عربي موحّد لمواجهة الإرهاب المنظم في المنطقة، فضلاً عن حظر أي نشاط أو علامة سياسية من شأنها أن تشكّل تعاطفاً مع جماعة الإخوان المسملين، وحول الخطاب التحريضي للإخوان، أكد أن الصحف المحلية ومواقع التواصل الاجتماعي تبث هي الأخرى خطاب الكراهية ضد الإخوان، ولكن هذه المنابر لديها حجج وبراهين ملموسة في الهجوم على الجماعة، خاصةً وأن حوادث القتل والترويع والعنف التي تحدث من الإخوان تخرج بين كل فترة وأخرى وتتناقلها كافة وسائل الإعلام، ولا شك أن الجماعة تفتعل الأزمات وتعقد الصفقات مع الغرب من أجل زعزعة استقرار الدول العربية، وبالتالي فإن القادة العرب مطالبون بردع الإخوان، ومعاقبة قطر لدعمها الجماعة بشكل لا محدود، خاصةً أن المؤشرات تؤكد أن السعودية جنباً إلى جنب مع الإماراتوالبحرين وفي طريقهم لمحاصرة الدوحة تجارياً، وسياسياً، مالم تقطع علاقاتها مع الإخوان، وطرد الداعية الإسلامي يوسف القرضاوي المعروف بعلاقاته مع التنظيم الدولي، والذي لا يتوانى عن دعوة الغرب للتدخل ضد مصر لعودة الإخوان إلى الحكم. وفي رأي د. ماهر فرغلي الباحث في شئون الحركات الإسلامية، أن الإخوان المسلمين في الخليج يزعمون أنهم لا يريدون إسقاط حكوماتهم، ولكنهم يريدون من الأنظمة الخليجية الاستماع إلى شعوبهم، وأعتقد أنه منذ نهاية عام 2012 ظهرت بعض الحقائق نحو أنظمة الربيع العربي الانتقالية التي كانت بقيادة الإخوان المسلمين، سواء في مصر أو تونس أو ليبيا، حيث أثار الإخوان مشاكل دبلوماسية متعددة بين القاهرةوالإمارات، بتهمة التآمر ضد القيادة الحاكمة وقلب أنظمة دول الخليج، وهو ما جعل السعودية تعلن دعمها لدولة الإمارات، حيث قالت من قبل على لسان وزير خارجيتها الأمير أحمد بن عبد العزيز "بأن الإخوان مصدر لكل مشاكل العالم الإسلامي"، وفي أعقاب ذلك رفضت الحكومة الكويتية تزايد أنشطة الإخوان على أراضيها، وأكد أن تصرفات إخوان مصر كادت أن تعزل القاهرة عن العالم العربي، خاصةً بعد التقارب مع إيرانوقطر، بما يشكّل تعديلاً جوهرياً في سياسية مصر الخارجية، بعيداً عن تفضيلات السعودية وجيرانها في منطقة الخليج، حتى ظهر مصطلح يعرف ب"الوصاية القطرية على مصر"، لافتاً إلى أن الدول العربية مطالبة بمزيد من المراقبة الأمنية لجميع قادة الإخوان المسلمين، نظراً لأن العالم العربي يمر بمرحلة فارقة في تاريخه مع حرب بالوكالة مع الإرهاب الديني المتطرف. وفي سياق متصل يشير د. محمود كمال الباحث في شئون الجماعات الإسلامية، إلى أن الإخوان المسلمين أفكارها ومبادئها في الظاهر تبدو جذابة لجميع الطبقات الاجتماعية، نظراً لأنها عالم سري منغلق مليء بالغموض والأيديولوجيات الفكرية المتباينة، ويرى أن هنالك فضول عند كثير من المواطنين في دحول هذا العالم السري لاستكشاف طريقة تفكيره، ومبادئه، والأساليب التي يتربى عليها النشأ الإخواني، حتى يكون شخصاً مرابطاً على بيعة المرشد، ولا يهرب من المسئولية أو المهمة الموكلة إليه، موضحاً أن التهديد الإخواني لأمن الخليج والمنطقة العربية يعادل التهديد الإيراني، ويقول كمال: أن الجماعة رغم أنها تلقت ضربات أمنية غير مسبوقة في مصر والعالم العربي، إلا أن فكرة وجودها لن تنتهي من الشارع العربي، بالإضافة إلى أن قيادات الإخوان لديهم مرونة التعامل مع الأحداث السياسية المختلفة، وبالتالي فإن التنظيم الدولي عند لحظة معينة سيتوقف عن تهديد كافة الأنظمة العربية من أجل الحفاظ على الإخوان والبقاء على قيد الحياة، حتى تظل الإخوان جماعة مؤثرة على توازن القوى داخل القطر العربي في المستقبل.