مازالت العمليات العسكرية في سيناء قائمة والجيش المصري لن يهدأ قبل تقويض قدرة الإرهاب، حيث قام بهدم المئات من أنفاق التهريب التي تسيطر عليها حماس إلى شبه جزيرة سيناء، كما يستعد الجيش إلى هجمة شاملة ضد حماس والقاعدة, وغيرهم من الإرهابيين في سيناء، وهو ما اعتبرته الحركة الفلسطينينة صدمة سياسية وعسكرية ضد تواجدها في سيناء بحرية عبر الأنفاق, فالانخفاض في تهريب السلع المهربة من مصر إلى القطاع سوف يجعل من الصعب على حماس الحفاظ على مستوى إيراداتها، وبالتالي فإنه سيكون من الصعب أيضاً احتواء الاحتجاجات ضد حكمها. إصرار الجيش المصري على إغلاق معبر رفح الحدودي بين مصر وقطاع غزة إلى أجل غير مسمى, وفتحه في أضيق الحدود فقط أمام الحالات الإنسانية، يعود بالأساس لوضع حصار شديد على حماس, لكن دون إزعاج المجتمع الدولي، الذي لا يزال يدين إسرائيل لحصار القطاع، وبالتالي لن تتحمل القيادة السياسية والعسكرية في مصر أن يوجه إليها نفس الاتهامات مع الأشقاء الفلسطينيين. كانت الأنفاق طريقاً رئيسياً للإرهابيين في السفر بحرية ذهاباً وإياباً إلى شبه جزيرة سيناء وإقامة البؤر الاستيطانية الإرهابية التي تهدف إلى إنشاء قواعد للهجوم على المناطق السياحية المصرية، مثل العريش، وعلى العدوّ المجاور في تل أبيب من ناحية سيناء, وهو ماخلق تذمراً أمريكياً واتهاماً حول عدم قدرة القوات المصرية على تطهير سيناء من الإرهاب وأعضاء تنظيم القاعدة كما جعل إسرائيل تقوم بمخاطبة المجتمع الدولي ومجلس الأمن والأمم المتحدة لدخول قواتها أو قوات دولية لمساعدة الجيش المصري في تطهير سيناء والحفاظ على علاقة السلام بين الجارتين التي تم توقيعها عام 1979، لكن مع تصميم مصر على عدم دخول فرد أو معدات دولية إلى شبة الجزيرة, فإن تل أبيب وافقت على تفعيل ملحق اتفاقية كامب ديفيد العسكري وسمحت بدخول واستخدام المدفعية الثقيلة والطائرات الحربية خلال عملياتها العسكرية، وخلال الأيام الماضية شوهدت طائرات الأباتشي المقاتلة المصرية في سماء غزة للمرة الأولى منذ حرب الأيام الستة عام 1967. د.عمرو الشوبكي الخبير السياسي اعتبر أن منظمة حماس مجموعة إرهابية –وفق إدارج المؤسسات الدولية- لأنها ذراعاً عسكرياً لجماعة الإخوان المسلمين، وبالتالي أصبحت العدو الطبيعي للجيش الذي أطاح بالرئيس الإخواني محمد مرسي قبل أسبوعين؛ لأنها تدعم العنف في سيناء وتقتل المصريين مع مؤيدي الإخوان، موضحاً أن أصابع الاتهام تشير إلى ضلوع أعضاء من حماس في تدبير خطف مدرعة ومقتل ستة عشر جندياً في أغسطس الماضي بالقرب من رفح، والذي رآه البعض أنه كان هجوماً متعدد الجوانب، حيث كان ينتوي القائمون على التنفيذ الدخول بالمدرعة داخل الأراضي الإسرائيلية لتوريط الجيش وإحراجة دولياً، ولكن تم إحباط ذلك في اللحظة الأخيرة من قبل الجيش الإسرائيلي، لكن القيادة السياسية برئاسة محمد مرسي وقتها استغلت الحدث للإطاحة بجنرالات القوات المسلحة وعلى رأسهم وزير الدفاع المشير حسين طنطاوي ورئيس الأركان سامي عنان ومدير المخابرات العامة مراد موافي، ومنذ ذلك الحين تولدت عداوة غير معلنة بين حماس والجيش المصري والنظام الإخواني حسمتها تظاهرات 30 يونيو التي أطاحت بالإخوان، وأفقدت حماس التعاطف الشعبي والسياسي والعسكري. أما د.حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية فأكد أنه بصرف النظر عن الإخوان المسلمين بعد سقوط مرسي من الحكم، فإن حماس تعاني خسائر كبيرة على كافة الأصعدة المصرية، حيث خسرت التعاطف الشعبي معها بعد ترديد أقاويل بأنها وراء اقتحام السجون إبان ثورة يناير، بالإضافة إلى أن البعض يشكك في مدى ضلوعها في مقتل الجنود المصريين الستة عشر في رفح من العام الماضي، بخلاف نشاطها المسلح في سيناء ومساعدة الإخوان ضد الشعب المصري، وبالتالي كان فقدانها التعاطف المصري على كافة المستويات سياسياً وعسكرياً أمراً طبيعياً؛ بسبب ممارستها العنيفة ضد الشعب، كما أن البعض ينظر اليها على أنها فرع من جماعة الإخوان وقوى معادية للشعب وحكام مصر الجدد .. موضحاً أن إسقاط مرسي كان صدمة عنيفة على كل حلفائها خاصةً وأن علاقاتها مع القاهرة أثناء حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك كانت باردة ويتم اتخاذ إجراءات صارمة ضد تحركات أعضاءها في القاهرة, مقارنةً بأعضاء حركة فتح المنافس الرئيسي على السطلة، ونستطيع أن نقول أنه خلال فترة حكم مبارك فإن قادة حماس ليسوا موضع ترحيب في القاهرة. ومن جانبه أضاف د.طارق فهمي الخبير السياسي، أن حركة حماس بعد نجاح ثورة الخامس والعشرين من يناير تعامل معها المجلس العسكري الحاكم وقتها بنوع من المرونة وتنفيذ طلباتها حرصاً على إخوان مصر، حيث تم فتح المعبر الحدودي بشكل مستمر, وسعت المخابرات العامة إلى التوسط بين الرئيس محمود عباس ومنافسيه في حركة حماس, من أجل تحقيق المصالحة الفلسطينية، وعندما فاز مرسي بالرئاسة احتفلت حماس مع مكتب الإرشاد بالقاهرة بالنصر وكأنه انتصار لقضيتهم وسيطرتهم على القطاع، لافتاً إلى أنه بعد ذلك جرى التنسيق بين مسئولي حماس ومصر والتنسيق على المستوي الرسمي وتعددت الزيارات بين كبار الشخصيات الإخوانية والحماسية، لكن لا يزال مقتل الجنود المصريين في رفح ملفاً شائكاً ويحمل أسراراً لم تفتح بعد، وبعدها وافق الرئيس مرسي بعد مقاومة ورفض وتحت ضغط من الجيش على شن عملية عسكرية "نسر" واسعة النطاق في شمال سيناء وعلى طول الحدود مع غزة، إلا أنه بعد أيام قليلة أمر مرسي بإنهاء الحملة العسكرية بضغط من جماعته وقيادة حماس, حرصاً على حلفائه من تدمير الأنفاق وعدم محاصرة أهالي غزة، ورغم انزاعاج القوات المسلحة من هذا التردد السياسي إلا أنها استجابت لطلب الرئيس حفاظاً على عدم الدخول في صدام مع مؤسسة الرئاسة، لكن بعد إسقاط الإخوان لم يعد هناك من يكبل أيدي القوات المسلحة لتطهير سيناء وهدم الأنفاق وملاحقة مليشيات حماس. وفي رأي د.عماد جاد الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن حماس فقدت الكثير على المستوى المصري والإقليمي، فبعد رفضها الانضمام مع حلف إيران وحزب الله على مساندة النظام السوري.. ووقتها خرج خالد مشعل رئيس المكتب السياسي للحركة ليقول : "حان الوقت للخروج من سوريا"، رغم أنه كان يدرك أن قراره سيخلف خسارة ودعماً عسكرياً ومالياً، إلا أنه كان يظن أن القاهرة تكفي لمساندته فيما تحتاجة لوجود جماعة الإخوان في الحكم، موضحاً أن ثورات الربيع العربي التي جلبت الإسلاميين إلى السلطة حاولت حماس إعادة رسم توجهاتها السياسية مع الأنظمة الإسلامية الصاعدة في مصر وتونس، بجانب استثمار تاريخها مع قطر وتركيا، حيث كانت تعتقد أن هذا التحالف الرباعي الجديد سيعوضها عن فقدان إيران وسوريا، كما أنها ظنت أن شركائها الجدد في القاهرة سوف يساهموا في بسط سلطة حماس على الضفة الغربية واستبدال سلطة عباس المترنحة –حسب وصفهم-، لكن جاءت ثورة 30 لتبدّل الأوضاع ووجدت حماس نفسها منبوذة من قبل القيادة المصرية الجديدة، وخسرت جميع حلفائها في المنطقة ولم يبقَ لها سوى تركيا، وعلى المستوى العسكري فإن الجيش المصري مازال غير قادر على التعامل مع قادتها؛ لأنها المسؤولة عن حالة الانفلات الأمني في سيناء وتنفيذ هجمات ضد الجنود ورجال الشرطة، بجانب وجود مزاعم عن مشاركة فلسطينيين في هجمات ضد قوات الحرس الجمهوري. بينما توقع د.مصطفى علوي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن تقوم حماس بفعل شيء حاسم لكسر عزلتها مع مصر والدول المجاورة التي فقدتها، نظراً لأنها لا تستطيع البقاء على قيد الحياة السياسية أو الإقليمية إذا استمرت في سياساتها الخاطئة أو عداء الشعوب، وبالتالي على قادتها اتخاذ خيار بين إنهاء الخلاف مع الجيش المصري أو الاستمرار على الوضع الحالي، مشدداً على ضرورة قبول حماس المصالحة مع عباس قبل أن ينقلب الشعب الفلسطيني عليها، حيث يريد عباس المصالحة لإجراء انتخابات في غضون ثلاثة أشهر، بينما حماس ليست متحمسة للمصالحة لأنها تعتقد أنها لن تتمكن من حلم الوصول إلى السلطة بعد سقوط الإخوان المسلمين، نظراً لأن مصر وإسرائيل وبعض الدول الدولية والعربية لن يسمحا لها بالحكم في الضفة الغربية، وخلال الفترة الماضية تعيش الحركة حالة من التوهان السياسي بعد أن وجدت نفسها وحيدة دون حلفاء يدعمونها في أزمتها، ولم يعد بمقدور حماس الاحتفاظ بقطاع غزة إلى الأبد؛ إذا استمرت في مخططات نشر الفوضى في سيناء أو دعم مؤيدي مرسي ضد المصريين.