(1) زيارة الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسي إلي غزة مؤخراً، لقيت اهتماماً من جميع فئات الشعب الفلسطيني، خاصة أنها الأولي من نوعها لمسئول سياسي عربي رفيع المستوي، منذ فرض الحصار الإسرائيلي علي القطاع. وهي زيارة تعطي البشارة بدور عربي جماعي، رغم أنها جاءت متأخرة جداً، فالشعب الفلسطين يعاني ليس من الحصار فقط، بل من الانقسام الذي يمثل معضلة قد تكون أشد من الحصار وأعمق أثراً منه. وهي أول زيارة لأمين عام للجامعة العربية إلي قطاع غزة منذ نشأة الجامعة، وهي المرة الأولي التي يلتقي فيها "عمرو موسي" أهالي الأسري وممثلي مؤسسات المجتمع المدني الفاعلة من أجل الأسري، ورفع الحصار علي غزة، وكان ذلك في استقبال جماهيري حافل، وزيارة "موسي"، يمكن النظر إليها علي أنها تشكل بداية تحرك ملموس من جانب الجامعة العربية، لإنهاء الانقسام في الصف الفلسطيني، ولجم اندفاعات بعضهم لتخريب فرص التوافق. (2) عمرو موسي، هو نقطة الاتفاق والخلاف، وهو صاحب الكاريزما الشخصية، فبدلاً من أن يحظي بإضاءة الشموع احتفالاً بذكري تولّيه منصبه، فإن الانتقادات الحادة لأداء الجامعة العربية، خاصة إخفاقها في قيادة العمل المشترك، لا تزال سيدة الموقف. ورغم أن "موسي" نال دعم بعض الدول العربية لصالح مشروعه الطموح، لتطوير منظومة العمل العربي المشترك وإصلاحها، فإن كثيرًا من المصادر الدبلوماسية العربية، كشفت أن هناك احتمالاً لئلا يواصل موسي مهامه المحفوفة بالعراقيل، وسط أجواء ملتهبة بدءاً من القضية الفلسطيينية التي أصبحت علي أشدها، مروراً بتأزم العراق. وبحسب المادة الثانية عشرة من ميثاق جامعة الدول العربية، يتم تعيين أمين عام للجامعة بموافقة ثلثي أعضائها. ومنذ إنشاء الجامعة في مارس 1945 تولي رئاسة أمانتها العامة عدد من الشخصيات العربية المرموقة. وقد حدد النظام الأساسي للجامعة، مدّة تولي الأمين العام لمهامه بسنتين، ولم يتم تعديل هذه الفقرة التي جاءت في ملحق خاص للميثاق منذ وضعه عام 1945. كما أن هناك جانباً مهماً يتعلق بالمهام السياسية المنوطة به، مثل: حق توجيه نظر المجلس أو الدول الأعضاء في الجامعة إلي مسألة يقدر الأمين العام أهميتها، وحق تمثيل الجامعة لدي المنظمات الدولية، والتحدث باسم الجامعة والتوجه للرأي العام بالبيانات اللازمة. وينص ميثاق الجامعة، علي التنسيق بين أعضائها في الشئون: السياسية، والاقتصادية، والثقافية، والاجتماعية، والصحية، ويقع المقر الدائم لها في القاهرة، باستثناء الفترة 1979 - 1990 التي انتقل فيها إلي تونس. وتقوم الجامعة بتسهيل إجراء البرامج المختلفة لتنمية مصالح العالم العربي، من خلال مؤسساتٍ، مثل: المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم "أليسكو"، ومجلس الوحدة الاقتصادية العربية. وقد كانت الجامعة بمثابة منتدًي لتنسيق المواقف السياسية للدول الأعضاء، وللتداول ومناقشة المسائل والقضايا ذات الطابع المشترك، ولتسوية بعض المنازعات العربية والحد من الصراعات بينها، كما شكّلت الجامعة منصةً لصياغة وإبرام العديد من الوثائق التاريخية، لتعزيز التكامل الاقتصادي بين الأعضاء، مثل وثيقة العمل الاقتصادي العربي المشترك، التي تحدد مبادئ الأنشطة الاقتصادية في المنطقة. (3) العجيب في إنشاء الجامعة، أن الفكرة ليست وليدة العرب، بل كانت من بنات أفكار وزير الخارجية الإنجليزي "أنتوني إيدن"، فقد ألقي خطاباً في 29 مايو 1941، ذكر فيه أن العالم العربي خطا خطوات كبيرة عقب الحرب العالمية الثانية، ودعا العرب لاقتراح شكل من أشكال الوحدة أكبر مما تتمتع به في ذلك الوقت. وقال إيدن: "العرب يتطلعون لنيل تأييدنا في مساعيهم نحو هذا الهدف، ولا ينبغي أن نغفل الرد علي هذا الطلب من جانب أصدقائنا، ويبدو أنه من الطبيعي، ومن الحق وجوب تقوية الروابط الثقافية والاقتصادية بين البلدان العربية، وكذلك الروابط السياسية أيضاً".. وصرّح إيدن مرة أخري أمام مجلس العموم البريطاني، بأن الحكومة البريطانية تنظر ب"عين العطف" إلي كل حركة بين العرب ترمي إلي تحقيق وحدتهم الاقتصادية والثقافية والسياسية. هذه الفكرة تلقّفها "مصطفي النحاس"، رئيس الوزراء المصري في ذلك الوقت، وقام بالاتصال بكل من رئيس الوزراء السوري، جميل مردم بك، ورئيس الكتلة الوطنية اللبنانية، بشارة الخوري، للتباحث حول فكرة "إقامة جامعة عربية لتوثيق التعاون بين البلدان العربية المنضمة لها". وعُقدت سلسلة من اللقاءات والمشاورات بين القادة العرب ليولد كيان جديد باسم "جامعة الدول العربية" عام 1945. (4) هناك حقيقة مهمة يعرفها أهل السياسية والثقافة والفكر، أنه ليس بوسع الدول العربية إقامة نظام مؤسسي فاعل علي الصعيد الإقليمي، ما لم تتمكن هي نفسها من إقامة نظم مؤسسية فاعلة علي الأصعدة المحلية.. من هنا يتعين أن يتواكب الإصلاح الداخلي مع الإصلاح الإقليمي، وأي تباطؤ علي أي من المسارين، معناه أن العالم العربي غير قابل للإصلاح من داخله. فعلي سبيل المثال، خرج البيان الختامي للقمة العربية الثانية والعشرين في "سرت"، ليؤكد عروبة القدس، ويدين تهويدها، ويقرّ 500 مليون دولار لدعم القدس، ولكن: ما الجديد في الأمر؟ فجميع القمم السابقة تحدثت عن دعم القضية الفلسطينية، ولم تتحرر فلسطين. (5) عمرو موسي أبدي - فقط - رغبته في عدم التجديد، وهو يري أنه فعلَ ما بوسعه منذ تولّيه منصبه مايو 2001، وربما يري أنه لم يعد قادراً علي فعل الكثير في ظل حالة التشرذم العربي التي تحدث عنها بصراحة في مناسبات مختلفة، إلا أنه لم يقرر نهائياً حتي الآن عدم تجديد مهمته. وقد ألمح في كلمته أمام القمة العربية "الأخيرة" في سرت الليبية، بألاّ يجري تمديد مهمته في مايو 2011 - موعد انتهاء الولاية الثانية له أميناً عاماً للجامعة- يبدو مجرد مؤشر لرغبته، لكن من الممكن حدوث مستجدات قد تفرض موقفاً آخر. وفي هذا الإطار، تتحرك مصر ضمن مسارين متوازيين، الأول: الإبقاء علي منصب الأمين العام للجامعة العربية مصرياً، وإقناع "موسي" بتمديد مهمته في الجامعة، بوصف ذلك مخرجاً إزاء رغبة عدد من الدول العربية في تدوير المنصب. والثاني: التشاور مع عواصم عربية لإعداد قائمة بأسماء مقترحة في حال تعذّر التفاهم مع "موسي"، تشمل - بحسب دبلوماسيين مصريين- الوزير مفيد شهاب، ورئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب، مصطفي الفقي. وفي حال التوافق علي مبادرات تطوير الجامعة، فإن الدول العربية تري أن عمرو موسي بخبراته السابقة في العمل العربي المشترك، هو الأنسب لمواصلة عمله وتنفيذ الأجندة التي يتفق عليها القادة لتحديث هيكل الجامعة.. إن حال الدول العربية مشوبة بالمتناقضات، كحال الجامعة العربية والتي هي انعكاس لحالة العرب.