وحتي أواخر العام الماضي كانت الأمور تسير ببطء عندما فتح عمال مصانع الغزل والنسيج باب الاضرابات في مصر من باب (ضربوا الاعور علي عينه) وبعدها توالت مئات الاعتصامات والاحتجاجات والإضرابات.. لكن تضاربت الأرقام الخاصة بإحصائية الإضرابات والاعتصامات التي حدثت في مصر خلال 2009 بين الجهات الرسمية والجهات الأهلية. ففي الوقت الذي أعلن فيه مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء عن وجود 97 إضرابًا واعتصامًا ووقفة احتجاجية في عام 2009 ذكرت ندوة شاركت فيها جمعيات أهلية ومؤسسات مجتمع مدني أن الاعتصامات والإضرابات والاحتجاجات في 2009 وصلت إلي 700 ومن المتوقع أن تزيد هذه الاضرابات في الفترة المقبلة خاصة أن جميع فئات المجتمع المصري بداية من الفلاحين ومرورًا بالأطباء والمهندسين والصحفيين والمدرسين وغيرهم تعلموا ثقافة الاحتجاج وكأن الإضرابات والاعتصامات أصبحت ثقافة في المجتمع المصري فأي فرد يحس بالظلم يتجه فورًا لهذه الأساليب الاحتجاجية. يقول حافظ أبو سعدة أمين عام المنظمة المصرية لحقوق الإنسان: إن المواطن يلجأ للاعتصام حينما يتم تجاهله ولا يجد طريقة للحصول علي حقه وهذا يأتي بعد نفاد كل الوسائل التي يمكن عن طريقها حل المشاكل. ويضيف أن الاعتصامات والإضرابات شيء جديد علي المجتمع المصري بدأ يتمسك به المواطن بعدما أصبح هو الحل الوحيد لكي ينظر المسئولون له ويستجيبوا لمطالبه. وأكد أن السبب الحقيقي لحدوث الاعتصامات والإضرابات هو ضعف الوساطة بين المواطن والحكومة عن طريق المؤسسات النقابية والإضراب وكذلك عدم وجود ثقافة التفاوض في مجتمعنا مما دفع الناس إلي الاعتصام. وأوضح أبو سعدة أنه في أغلب الأحيان تحقق الاعتصامات والإضرابات نتائج إيجابية بالنسبة للمعتصمين.. مشيرًا إلي ما حدث مع عمال المحلة والضرائب العقارية كنتيجة إيجابية للاعتصام.. مؤكدًا أن دور البرلمان والأحزاب والنقابات سلبي وغير فعال لكي يحصل المواطن علي حقه عن طريقها. ويري د. عمرو الشوبكي الخبير السياسي بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية أن أي مواطن في مصر لا يستطيع الحصول علي حقه في أي شيء يلجأ مباشرة إلي الاعتصام أو الإضراب لأنه يشعر بضعف المؤسسات النقابية والحزبية وأنها غير قادرة علي حل مشاكله. ويضيف أن الاعتصام أو الإضراب رسالة تتمثل في عدم الثقة في المؤسسات والأحزاب والبرلمان وتأتي في أغلب الأحيان للمطالبة عليه فيبدأ بالاحتجاج ثم الاعتصام ثم الإضراب. ويؤكد الشوبكي: إن الاعتصامات والاحتجاجات أصبحت نمط حياة للمصريين ولم تصل لدرجة الثقافة والعادات لأن الاعتصامات لها مهارات أخري تقوم عليها ولابد أن تكون هناك جهة نقابية أو حزبية تحركهم وبطريقة معينة غير عشوائية.. مشيرًا إلي أن الاعتصامات حققت نجاحًا كبيرًا بالنسبة للمواطنين في الحصول علي ما يريدون خاصة إذا تحور الاعتصام وأصبح قضية رأي عام. تقول د. نهلة أمين استشاري علم النفس: إن الإحساس بالظلم والقهر يجعل المواطن يفعل أي شيء وكذلك حينما لا يجد حيلة للتعبير عن رأيه وعدم قدرته علي أن يوصل رأيه بشكل لفظي وكأن لسان حاله يقول للمسئولين: "حسوا بيا". وتضيف أن كثرة الاعتصمامات والإضرابات في مصر أصبحت ظاهرة جديدة علي المجتمع المصري وثقافة مستوردة من المجتمعات الغربية كطريقة للتعبير عن الرأي. وتؤكد أمين أن الاعتصامات أصبحت كثيرة جدًا في مصر وينظر لها المواطن كأنها أداة للضغط علي الحكومة وإثارة الرأي العام ويحاول المواطن من خلالها أن يقول إنه موجود في الصورة وله رأي وحق في التعبير. وتوضح أن الغضب الشديد والمكبوت يؤدي إلي حدوث هذه الاعتصامات فيجدها المواطن فرصة للتعبير عن رأيه رغم أنها لا تحقق النتيجة المطلوبة في أغلب الأحيان وتفشل في أحيان أخري. وأكدت أمين أن السبب الرئيسي في حدوث الاعتصامات والإضرابات ليس الفقر والبطالة فقط بل عدم القدرة علي مواجهة بعضنا وعدم القدرة علي التفاوض. أيمن عقيل رئيس مجلس "ماعت" لحقوق الإنسان يقول: إن ثقافة الأحزاب أصبحت منتشرة في المجتمع المصري ولكن كل ما يحدث ليس إضرابًا بالمعني الحقيقي والمعروف قانونًا بالإضراب من الممكن أن يطلق عليه وقفات احتجاجية وليس المعني الحقيقي للإضراب. وأكد أن العديد من الإضرابات لم تحقق أهدافها ومطالبها ولم يكن لها أثر وذلك لافتقادها لعدم التنظيم وتحديد أهدافها مما يجعلها غير قادرة علي تحريك الرأي العام نذكر منها إضراب 6 أبريل المنقضي الذي لم يحقق أي شيء ولم يحرك الرأي العام ولأن الناس جلست في البيوت ولم تتحرك• إلا أن هناك العديد من الإضرابات حققت نجاحات كبيرة في مصر. وأضاف عقيل أن سبب لجوء الناس للإضرابات والاعتصامات يأتي نظرًا لفشل الطرق القانونية في المطالبة بالحقوق مثل اللجوء للقضاء والتظلمات للرؤساء والمسئولين والإضربات غالبًا ما تكوين لافتة للأنظار والانتباه وتكون أكثر فعالية. وتوقع عقيل زيادة الإضرابات في الفترة المقبلة لأنها أصبحت جزءًا أساسيًا من ثقافة المجتمع المصري.