وخلال ترددها علي محل بائع الألبان بالحي علي مدي شهور رصدت عيناه سمات الخجل والحياء علي وجهها وتبادلا نظرات الإعجاب والارتياح.. وجدت فيه الرجل الطيب الذي يمتلك القدرة باتزانه علي مواجهة الظروف الصعبة وعواصف الحياة والرجل الذي يحميها من غدر الأيام.. ارتضت به زوجا لوقاره وشهامة ابن البلد.. ليضمهما عش الزوجية بين جدران شقة متواضعة تضم غرفتين بالطابق الأرضي بالحي الشعبي المكتظ بالسكان.. استأجرها بموجب عقد إيجار من صاحب المنزل لحياته الزوجية والتزم طوال حياته بسداد الإيجار بكل انتظام للمؤجر بموجب ايصالات شهرية.. جمعتهما والسكان كل مشاعر المودة والمحبة والألفة والعشرة الطيبة.. ومرت السنون وتعدت الستين عاماً من عمرها وافترست الأمراض المضنية جسد زوجها القوي ولم يرزقا خلال رحلة الزواج الطويلة بأطفال وارتضيا بقضاء الله وسارت بهما سفينة الحياة هادئة ومستقرة.. لم تكن تدري ما يخفيه القدر ولم تعلم أنها علي موعد مع رحلة العذاب يوم اختطف الموت زوجها.. وودعت فيه الطيبة والكرم وحسن المعاملة.. أغلقت باب شقتها وراحت تجتر الذكريات العطرة التي تفوح من بين جدرانها رحلة زواجها وحياة الأمن والأمان. وذات يوم فوجئت عائشة بالشقة المواجهة لمسكنها بالطابق الأرضي وقد تركها مستأجرها وأسرته بعد عشرة السنوات واستأجر أخري متسعة المساحة.. لم يمر سوي أسبوع واحد فوجئت بأحد التجار في الأسواق بالمنطقة وقد استأجر الشقة الشاغرة لحياته الأسرية.. سرعان ما أثار من حولها رياح الشر والجبروت بإلقاء أولاده القمامة أمام شقتها وإثارة الفزع والذعر في قلبها بطرق باب شقتها في ساعات متأخرة من الليل وإثارة المشاكل والمشاحنات ليل نهار من حولها بعدما صارت بلا ونيس أو سند يحميها من شروره التي فاقت كل احتمال.. وعندما لجأت لبعض الجيران تشكو لهم مرارة قسوة جارها وأسرته راح يختال بينهم في كبرياء وأعلنها بجبروته بلا خجل أو حياء برغبته في أن تهرب من الشقة ليستأجرها ويديرها لتخزين بضاعته من تجارته. وعندما رفضت الاستجابة لتحقيق مآربه الشيطانية وأصرت علي رفض مطلبه اللاإنساني.. تربص لها وانهال عليها بالضرب المبرح بكلتا يديه علي جسدها النحيل.. هرول أهل الخير من الجيران وأنقذوها من مخالبه وحملوها في حالة إعياء إلي المستشفي.. وحررت نقطة الشرطة محضراً بالواقعة وتقريراً طبياً تضمن إصابتها بكدمات وسحجات جسيمة.. أحالت النيابة بعد التحقيقات جار الشر والسوء للمحاكمة التي قضت ببراءته مما أسند إليه لعدم توافر شهود الواقعة الذين يخشون بطشه وأقاربه.. وهنا.. بيت جار الشر النية علي الانتقام منها وتحالف مع شيطان الانتقام مستغلاً ضعفها وقلة حيلتها فجمع بعض العاملين لديه وفي منتصف الليل ظلوا يطرقون علي باب الشقة في وحشية حتي تصاب المرأة العجوز بالرعب ولكنها كانت تنتظر مثل هذه الافعال الصبيانية وقررت ان تفتح الباب وتيقظ الجيران ليعلم الجميع وضاعة الرجل الذي اضاع حق الجيرة وبالفعل قامت بفتح الباب وظلت تصرخ بكل ما اوتيت من قوة مما اصاب الرجل بالخوف منها وطبق بكلتا يديه علي فمها لتكف عن الصياح ولم يهدا الا بعد ان هدأت حركتها لتفارق الحياة وتجمع الجيران وقاموا بإبلاغ الشرطة وتم القبض علي التاجر واحالته الي النيابة التي قررت حبسه 4 ايام علي ذمة التحقيق جددها قاضي المعارضات الي 45 يوما تمهيدا لمحاكمته.