ندوة فكرية وأدبية نظمتها الهيئة المصرية العامة للكتاب في قاعة صلاح عبد الصبور حول كتاب "بهاء طاهر ناقدًا مسرحيًا" من إعداد الناقد شعبان يوسف. ومن المعروف أن بهاء طاهر من مواليد 1935 حصل على ليسانس الآداب في التاريخ عام 1956 من جامعة القاهرة، ودبلوم الدراسات العليا في الإعلام شعبة إذاعة وتليفزيون سنة 1973 عمل مترجمًا في الهيئة العامة للاستعلامات، وعمل مخرجًا للدراما ومذيعًا في إذاعة البرنامج الثاني الذي كان من مؤسسيه حتى عام 1975 حيث مُنع من الكتابة. بعد منعه من الكتابة ترك مصر وسافر في أفريقيا وآسيا حيث عمل مترجمًا. وعاش في جنيف بين عامي 1981 و1995 حيث عمل مترجمًا في الأممالمتحدة عاد بعدها إلى مصر حيث يعيش إلى الآن. من أهم المؤلفات الإبداعية لبهاء طاهر: الخطوبة "مجموعة قصصية" صدرت عام 1972 و"بالأمس حلمت بك" مجموعة قصصية - 1984، و"أنا الملك جئت" مجموعة قصصية، و"شرق النخيل" رواية - 1985، و"قالت ضحى" رواية - 1985، و"ذهبت إلى شلال" مجموعة قصصية، و"خالتي صفية والدير" رواية تم تحويلها إلى مسلسل تليفزيوني. و"الحب في المنفى" رواية 1995، و10 مسرحيات مصرية: عرض ونقد وأبناء رفاعة - والثقافة والحرية ساحر الصحراء - ترجمة لرواية الخيميائي لباولو كويلهوو نقطة النور - رواية. وواحة الغروب رواية. ولم أكن أعرف أن الطواويس تطير مجموعة قصصية. الندوة والحضور حضر الندوة مجموعة كبيرة من النقاد وكتاب المسرح والمخرجين ومن بين الذين شاركوا الحوار والنقاش مؤلف الكتاب والناقد محمد الروبي، والناقدة عبلة الرويني، وأحمد مجاهد، والروائي بهاء طاهر.في بداية الندوة التي أدارها الناقد شعبان يوسف تحدث عن المبدع بهاء طاهر قائلًا: هو مسيرة طويلة من الإبداع والكتابة، وهو أحد مؤسسي قسم المسرح في الإذاعة المصرية، وقدم عددًا هائلًا من الدراسات النقدية المسرحية في فترة صعود المسرح المصري حيث محمود دياب، سعد الدين وهبة نعمان عاشور، بالإضافة إلى دراسات وتجارب عديدة في مجلة المسرح التي كان يرأس تحريرها الشاعر الكبير صلاح عبد الصبور الذي نحن في حضرة قاعته الآن. كاتب مسرحي وتحدث محمد الروبي قائلا : "بهاء طاهر ناقدًا مسرحيًا" العنوان ملفت ومؤلم، فكثيرون ربما لا يعرفون أن المبدع الكبير صاحب "الخطوبة"، "أنا الملك جئت"، "بالأمس حلمت بك"، "قالت ضحى"، "خالتي صفية والدير"... وغيرها من الأعمال القصصية والروائية، كان يمارس النقد المسرحي بانتظام في مجلة المجلة في فترة الستينيات، فعلى الرغم من أن لبهاء طاهر نفسه كتابًا أسبق بعنوان "عشر مسرحيات مصرية عرض ونقد" صُدر في مارس 1985 فهو أيضًا انتقاء لعدد من المقالات النقدية التي نشرها في مجلة الكاتب في الفترة ما بين 1965 - 1969، إلا أن هذا الكتاب الأخير يُعد إضافة إلى الكتاب الأول ويجعل من كل منهما استكمالًا للآخر. حين تطالع الكتاب ستكتشف أمرين هما الأول: يخص أسلوب الناقد بهاء طاهر الذي يأخذك إلى عالم العرض المسرحي الذي يتحدث عنه متنقلًا بك انتقالًا سلسًا من نقطة إلى أخرى ليصل بك إلى حيث هدف حدده سلفًا دون أن يشتت ذهنك بفرعيات قد تؤثر على ما يريد أن تعرفه، بل وتتميز كتابات بهاء طاهر النقدية بميزة وهي أن يصبح المقال النقدي عملًا إبداعيًا في حد ذاته، فأنت تقرأ وكأنك تشاهد وتشاهد وكأنك تشارك ومع هذا وذاك أنت تستمتع بالقراءة. الأمر الثاني الذي ستكتشفه من مقالات الكتاب فهو يخص أجواء العالم المسرحي في الستينيات الذي كان يمر بصراع ثقافي، بين ما يجب أن يكون وما هو كائن، بين الجاد والهازل، بين الفن للفن والفن للمجتمع، بين الكوميديا كعمل إبداعي والكوميديا كمخدر.فلن تجد بين المقالات التي تُجمع في الكتاب مقالًا واحدًا لا يصر فيه الناقد على تفنيد ما كان يحاول البعض أن يسيّده آنذاك، وحين ستنتهي من قراءة الكتاب ستشعر وكأنك كنت في رحلة عبر الزمن تعرفت على عوالم لم تعشها، وستتساءل بينك وبين نفسك، ماذا أريد من المسرح؟ وماذا يريده المجتمع منه الآن؟ إذا جاز لي أن أضع بعض الملاحظات على الكتاب فأقرر هنا أن ملاحظاتي لا تخرج عن كونها وجهة نظر، تحتمل الصواب كما تحتمل الخطأ، وسأبدأ بملاحظة هي أمنية أكثر منها مأخذًا على الكتاب، فقد كنتُ أتمنى أن يتصدر الكتاب بعد مقدمة شعبان يوسف التمهيدية حوار مع الناقد الآن حول هذه المقالات وحول الزمن الذي كُتبت فيه؛ ليكشف لنا أي منهج نقدي كان يعتمده ولماذا؟ وهل هو من أصحاب تفضيل منهج محدد في رؤية العرض المسرحي ومن قبله النص؟ وكيف يرى الآن هذه الأعمال بعد هذه المسافة الزمنية التي تفصله عنها؟ وأخيرًا كيف يرى المسرح الآن؟ وماذا يقترحه من حلول قد تساعد في علاج مسرح نتفق جميعًا على أنه يعاني من مرض ما قبل الاحتضار؟ وأظن أن حوارًا كهذا سواء جاء في مقدمة الكتاب أو في خاتمته كان سيضيف الكثير لكتاب تحتاجه الآن المكتبة المسرحية المصرية، أما ملاحظتي الثانية فتخص اختيار المقالات وترتيب نشرها في الكتاب، فقد توالت المقالات خطوة للأمام وخطوة للخلف دون أن يكون لذلك أي مبرر منطقي، وأتصور أن هذا الترتيب العشوائي للمقالات قد أفقد الكتاب ميزة أن يكون مرآة صادقة لصعود وانهيار المسرح المصري حسب وصف القدير الراحل فاروق عبد القادر، وهو ما كان سيحققه إذا حرص المعد على ترتيبه تصاعديًا كاشفًا لمسيرة مسرح الستينيات. كتاب المسرح وتحدثتْ الناقدة عبلة الرويني وقالت: أعتقد أن هذا الكتاب في المسرح عمومًا وليس في مسرح الستينيات؛ لأننا نلاحظ في المقالات المختلفة، قراءة للعروض فهو يقدم مفهومه للمسرح ومفهومه للممثل ومفهومه للناقد، للجمهور وللمؤسسة المسرحية ولدورها، فعلى سبيل المثال المؤسسة المسرحية ليست هي التي تقدم عروضًا ناجحة ومربحة، أو أنها تستطيع أن تملأ دور العرض بمسرحيات، إنما المؤسسة المسرحية التي تساهم في تكوين ثقافة مسرحية صحيحة وسليمة حتى الجمهور عند بهاء طاهر ليس مجرد جمهور يملأ جنبات المسرح، لكنه جمهور مسئول ومساهم، وممكن أن يعطي من ذاته بقدر ما يأخذ بالضبط، ليس هدفه الحصول على متعة حقيقية، ليس متلقيًا فقط، إنما هدفه أن يشارك. وهناك قضية مهمة وهي فنية النص، بهاء طاهر ليس من أنصار الفن للفن، ولا الضحك للضحك، والفن للتسلية، وهو ليس مع الخطاب السياسي، ولا المنشور السياسي، ولكن مع الموقف الجمالي، فهو يرى أن الموقف الجمالي هو الذي يؤدي لموقف سياسي سليم، بمعنى أن النص الرديء فنيًا هو نص رديء سياسيًا؛ لأن الشكل الفني المسرحي لو كان ضعيفًا يساهم في تشويش الأفكار وبالتالي يضعف الموقف السياسي للمسرح، كذلك يتحدث عن الكوميديا، الكوميديا الحقيقية هي كوميديا جادة وهادفة بالضرورة، وأعتقد أن هناك سؤالًا كثيرًا ما نطرحه على أنفسنا، مسرح الستينيات ونهضة الستينيات، ونحن لا نعرف لماذا مسرح الستينيات هذا سؤال مهم جدًا؟ بهاء طاهر يقدم إجابة مهمة جدًا؛ لأن المسرح هنا كان أكثر الفنون أداء للرسالة، وإدراكًا لمعناها، فهو أكثر الفنون إحساسًا بالمسئولية، وإدراكًا للدور الذي يقوم به، وبالتالي كان حضور مسرح الستينيات يعكس فهمًا لهذا الدور. واختتمت كلامها قائلة: أعتقد أن هذا الكتاب على صغر حجمه واحتوائه على مقالات متناثرة.. إنما هي مقالات شديدة العمق والوعي بدور المسرح، وبالتالي.. فنحن أمام ناقد مسرحي عميق الثقافة. ثقافة تحليلية وتحدث المخرج عصام السيد فقال: الكتاب في الحقيقة مدرسة في مسألة النقد، الكاتب بهاء طاهر يؤكد في مقالاته دائمًا على النص هو الذي يحدد النقد، وفي مقالة عظيمة في الكتاب "في انتظار جودو" تكاد تصل إلى النقد الثقافي الذي ظهر هذه الأيام، بحيث يحلل تحليلًا جيدًا وبرؤية ثاقبة لماذا ظهر مسرح العبث؟ ولماذا كتب "بيكيت" هذا النص تحديدًا؟ وأثر الثقافة أو الفلسفة الوجودية على المجتمع في هذا الوقت، وآراء مستفيضة وعميقة وجيدة تشمل جميع الجوانب الاجتماعية والسياسية التي أنتجت هذا النص. الأمر الثاني أن بهاء طاهر عنده كم كبير من السخرية للإذاعة لكنها لا تجرح، يتكلم عن سوء تنظيم مؤسسة المسرح وسوء إنتاجها ويقول ربنا يوفقكم، ويتكلم عن مسرح الحكيم الذي رفع شعارًا نحو الأنفع في الفن ويقول: ما شاء الله مسرح الحكيم قدم ثلاثة أعمال ويعود بنا إلى العشرينيات من القرن العشرين و"ربنا معاهم"، هناك سخرية شديدة لكنها محببة. النقد الملتزم وفي مداخلة للروائي بهاء طاهر قال : لا ألجأ في كتاباتي إلى نظريات مسرحية خارجة على النص، وأنا أعتقد أن من أصعب الأمور الحقيقية أن يكون هناك ناقد ملتزم، فالنقد يجر على صاحبه متاعب كثيرة جدًا. وأود أن أقدم تحية للكاتب الراحل فاروق عبد القادر في أول كتاب كتبه صعود وازدهار المسرح اقتبس كثيرًا جدًا من مقالاتي، وكنت أيامها في خارج مصر ولا أحد يذكر اسمي، فكانت بالنسبة لي دفعة قوية جدًا الحقيقة أيامها. المسرح والديمقراطية وفي مداخلة للدكتور أحمد مجاهد قال: إن المسرح في المقام الأول صنو للديمقراطية، وهذا يمكن أن يفسر السبب الذي نتج عنه تراجع المسرح بعد الستينيات وحتى الآن، لا يوجد مسرح لأنه لا توجد ديمقراطية، المسرح ليس صنو الثورة، لكن تأثير الثورة على المجتمع وانعكاسها بشكل حقيقي، وأنا أرى أن الماكينة التي تخرج نقدًا لا تخرج إبداعًا، ولهذا عندما كتب كاتبنا الكبير بهاء طاهر نقدًا لم يخرج لنا قصة أو رواية، وأعتقد أننا كسبناه مبدعًا كبيرًا في الرواية والقصة القصيرة.