رغم تباين آراء مفكرين مسيحيين مصريين حول صعود البابا "تواضروس الثاني" إلى منصب الكرسي الباباوي وقدرته إدارة الكنيسة المصرية في ظل تحديات تواجهها الكنيسة بعد الثورة، خاصة وأنه يمثل نفس السياسة الهادئة التي كان يتبعها البابا الراحل "شنودة الثالث"، إلا أنهم يرون أن رغبات الكنيسة والجماعة القبطية في الحصول على مكاسب اجتماعية للاقباط من الرئيس "محمد مرسي" ما زالت بعيدة عن مرمى البصر، خاصة وأن معارك الأقباط حول تصاريح الزواج الثاني، وبناء الكنائس، وقانون الأحوال الشخصية لغير المسلمين، بالإضافة إلى تمرد الشباب القبطي و"أقباط 38" على قيادات الكنيسة، كل هذا أضاف همومًا جديدة قد يكون على أثرها انفجار "الغضب القبطي" على الكنيسة وعلى مؤسسة الرئاسة، ولما لا وسط تجاهل الرئيس "محمد مرسي" وحكومته متابعة أحوال أقباط مصر المحتجزين في طرابلس على خلفية قضية "التبشير"، وما صاحبها من اعتداء على الكنائس المصرية الموجودة في ليبيا. د. جمال أسعد المفكر القبطي قال: إن تجاهل مؤسسة الرئاسة لقضية المسيحيين المتهمين بالتبشير في ليبيا، قد يدفع شباب الأقباط إلى غضب ضد الرئيس "محمد مرسي" وجماعته الإخوانية، التي لا تعير اهتمامًا بجناح الأمة الثاني، مؤكدًا أن مؤسسات الدولة تعاملت بازدواجية طائفية مع قضايا المصريين في الخارج، فمثلًا وجدنا تحركًا سريعًا وفوريًا من جانب الرئيس والخارجية المصرية بعد اعتقال عدد من شباب الإخوان في دولة "الإمارات" بتهمة تكوين جماعات سرية تهدف إلى قلب نظام الحكم الملكي، بينما تجاهلت الدولة الأقباط لأنهم "درجة ثانية" وليسوا إخوانًا أو مسلمين، لافتًا إلى أن الكنيسة المصرية طالبت بعض مشايخ "مرسى مطروح" الذين تربطهم علاقة بالقبائل والمسئولين في ليبيا بسرعة التدخل لإنقاذ المسيحيين المتهمين زورًا بالتبشير في "طرابلس وبني غازي"، بعد بطء التحرك واعتبارهم القضية ملفًا ثانويًا. رهائن للمساومة ومن جانبه وصف مايكل منير الناشط القبطي، احتجاز مائة قبطي مصري على إثر قضية ملفقة من جانب النظام الإسلامي الحاكم في ليبيا بأنهم "رهائن للمساومة" للضغط على النظام المصري من أجل القبض على أنصار الرئيس الليبي الراحل "معمر القذافي" وترحيلهم إلى البلاد، موضحًا أن الأقباط كانوا يأملون في البابا "تواضروس الثاني" أن يكون راعيًا روحيًا وقائدًا كنسيًا وذا هيبة سياسية واضحة في الدول العربية، ويبدأ من نقطة انتهاء البابا الراحل "شنودة الثالث"، ويحاول إضافة المزيد من التطلعات القبطية بعد تجاهل الرئاسة، ولكن صمت الكنيسة جعل الرئيس وحكومته الإخوانية تتعامل مع القضية بمنتهى "الصلف"، مطالبًا "تواضروس" عقب انتهاء الأزمة النظر بجدية لأوضاع "أقباط 38"، والتفاوض مع الرئاسة لوضع قانون الأحوال الشخصية لغير المسلمين وقانون دور العبادة الموحد، وغيرها من الأمور التي تمثل صداعًا في رأس الكنيسة والأقباط دون التفريط في التعاليم الكنسية، حتى يتمكنوا من الاحتكام لشريعتهم وليس إجبارهم على الاحتكام للشريعة الإسلامية. وبدوره أضاف د. نبيل لوقا بباوي المفكر القبطي، أن الأقباط لم يخلصوا من الطائفية والصراع الديني الإسلامي الموجود في مصر، حتى فوجئوا بطائفية أكثر حدة في ليبيا، ومشاهد تعذيب المسيحيين المحتجزين في طرابلس خير دليل، كما أنها إدانة واضحة للنظام الحالي الذي فرط في حقوق وكرامة المصريين في الخارج وترك الدول العربية تنهش في عرضهم وتلفق لهم القضايا للضغط على النظام الإخواني لتحقيق مصالحهم، لافتًا إلى أن الأنظمة السابقة والحكومات المتعاقبة كانت تحل مشاكل الأقباط بالكلام والوعود الهوائية، وللأسف ما زال الوضع قائمًا حتى الآن بعد الثورة، لدرجة أن بعض السلفيين المتشددين يعتبرون الأقباط "كفارًا" ويجب عليهم دفع الجزية، مما يشعر الأقباط بأن الدولة تقف ضدهم ولا تريد حل مشاكلهم. تقاعس الدولة بينما أكد نجيب جبرائيل المستشار القانوني للكنيسة القبطية المصرية، أن الدولة مسئولة عن قتل وتعذيب الأقباط في ليبيا، بسبب تقاعسها عن حماية المسيحيين وجميع المصريين في الخارج، مستنكرًا الموقف المتخاذل من جانب الرئيس وحكومته تجاه تعذيب الأقباط وقتلهم على الهوية الدينية الإسلامية في طرابلس وبني غازي، في حين تحركت جميع مؤسسات الدولة في سرعة مذهلة في حل مشكلة الإخوان في الإمارات، مؤكدًا أن علاقة الأقباط بالدولة يعتبر الملف الأخطر على مائدة وقائمة أولويات "تواضروس الثاني"، وما حدث تجربة على رؤية الدولة تجاه جناح الأمة الثاني، ولابد أن تساعد المنظمات المدنية والحقوقية والأحزاب السياسية على إيجاد حلول سريعة لإنهاء التهميش المتعمد للأقباط في دولة الإخوان الإسلامية. وفي رأي ممدوح نخلة رئيس مركز الكلمة لحقوق الإنسان، أن الأقباط لديهم قلق واضح لغياب الرؤية السياسية المستقبلية في البلاد، خاصة وأنه من المحتمل حدوث صراعات سياسية ودينية بين الكنيسة ومؤسسة الرئاسة في بعض المواقف المختلف حولها، والتي بالطبع لن يمررها الرئيس الإسلامي مثل قانون دور العبادة الموحد أو احتكام المسيحيين إلى شريعتهم، والتي قد تلقي بظلالها على مستقبل الجماعة القبطية في مصر، مؤكدًا أن ما حدث في ليبيا من تفجير كنائس والقبض على أقباط مصريين، هناك مخاوف من انعكاس آثاره على كنائس القاهرة والمحافظات، وقد تحدث تفجيرات طائفية، وهذا ما يدفع الكثير من المسيحيين إلى الهجرة الدينية لدول أوروبا وأمريكا، بالإضافة إلى أن بعض الجهات الخارجية ومنظمات الأقليات في العالم تستغل هذه الأحداث بحجة "حماية الأقباط" ما زالت ترغب في إرسال مندوب دولي لرعاية حقوق الأقليات الدينية في مصر. موافقة ضمنية وفي السياق ذاته أوضح كمال زاخر المفكر القبطي، أنه منذ صعود تيار الإسلام السياسي للحكم حدث تصاعد ملحوظ للأعمال الطائفية ضد الأقباط في دول الربيع العربي، وقد يكون هذا التحول في العلاقات بدعم ومباركة المؤسسة الرئاسية الإخوانية، وصمتها وتجاهلها لتلك الأحداث يؤكد موافقتها الضمنية لما يحدث، نظرًا لأن الإسلاميين في مصر يريدون هجرة الأقباط إلى دول أوروبا وترك البلاد للإسلاميين، مطالبًا قيادات الكنيسة والمجلس الملي التمسك بالتعاليم الدينية والروحانية التي افتقدتها الكنيسة نتيجة انشغالها بالسياسة، بينما لابد أن تكون ذات سلطة قوية في وجه الدولة إذا تقاعس المسئولون عن حماية أي مصري خارجي بغض النظر عن انتمائه الديني، وليس من الضروري بعد الثروة أن يتم إجبار الكنيسة على ممارسة السياسة واعتبارها وسيطًا بين الرئاسة وبين الأقباط، خاصة فيما يتعلق بحقوق المواطنة وبناء الكنائس والقضايا الطائفية وأسلمة القاصرات وغيرها من الأمور والملفات التي تحتاج حلًا سريعًا من الدولة والكنيسة. ومن جانبها أعربت فيكتوريا نولاند الناطقة باسم الخارجية الأمريكية، عن تزايد القلق الأمريكي جراء استهداف بعض الطوائف الدينية في ليبيا بسبب الدين، وطالبت باحترام الأقليات الدينية في طرابلس واحترام حقوق الإنسان والعدالة، لأنهما يمثلان جزءًا من ثوابت الديموقراطية الجديدة التي تحتاجها ليبيا، وهي ديموقراطية تستند إلى دستور قوي يحمي حقوق الجميع والطوائف بغض النظر عن انتمائها الديني، ويسمح بحرية التعبير والتظاهر السلمي، حتى لا يتم اللجوء إلى تفجير الكنائس وإرهاب الأقليات.