قال خبراء اقتصاديون عالميون أن مساهمة الأزمات المالية العالمية التي اندلعت منذ عام 2008 في تمهيد الطريق أمام النمو القوي للصيرفة الإسلامية خلال الفترة المقبلة، مشيرين إلى تنامي التمويل الإسلامي على الصعيد العالمي، لتتعدى الأصول المالية العالمية تريليون دولار مقابل 150 مليار دولار خلال التسعينيات. وأكدوا دور الصيرفة الإسلامية في تمويل المشروعات، خصوصًا الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر؛ لأنها الأكثر تأهيلًا للمشاركة في تحمل مخاطر هذه المشروعات، لافتين إلى أن هناك عددًا من الأدوات المالية التي لم تهتم المؤسسات التمويلية بتطبيقها خلال العقود الماضية وعلى رأسها الزكاة وتوفير القرض الحسن. وقالوا: إن حرص المؤسسات المالية الإسلامية على تطبيق المعايير الدولية يساعدها على استمرار نموها ويدعم تنافسيتها مع نظيرتها التقليدية. وأوضح زامير إقبال، مدير مكتب الاستثمارات والمخاطر والخزانة لدى البنك الدولي، أن صناعة التمويل الإسلامي نجحت في حماية أموال المودعين وتوفير بيئة اقتصادية حقيقية، إذ حققت نجاحًا ملحوظًا على مدار ال 15 عامًا الماضية ليصل حجم الاقتصاد الإسلامي من 150 مليار دولار في حقبة التسعينيات، متعديًا التريليون دولار نهاية العام الماضي. وقال: إن حسن الإدارة وتطوير أساليب الحكومة ساهما في عدم تعرض أي بنك إسلامي للإفلاس، عكس مثيلتها التجارية، كما أن نظام تقاسم المخاطر ساعد على دعم نمو الاقتصادات وحافظ على المراكز المالية لهذه البنوك. وأضاف أن التمويل الإسلامي بذلك أصبح يتسم بالطابع العالمي أو الدولي؛ لأنه تخطى المستوى المحلي لينتقل إلى الدول المختلفة الإسلامية وغيرها.. الأمر الذي أدى إلى قيام المؤسسات التمويلية التقليدية الأخرى باتباع المبادئ نفسها واستخدام أدوات تمويلية مشابهة، منها إطلاق الصكوك التي تعتبر التطبيق البسيط للسندات. وأكد إقبال أن الصيرفة الإسلامية تتميز بقدرتها على تنوع المخاطر وتقديمها منتجات تمويلية جديدة، حيث تتمتع الصيرفة الإسلامية بإمكانية تمويلها لكثير من المجالات، أهمها صناديق الإجارة والتمويلات متناهية الصغر وسوق رأس المال والوساطة المالية، بما يعكس قدرتها على تنوع الأدوات التمويلية وانخفاض حجم المخاطر المحتملة. وقال: إن أبرز المشروعات التي تتطلع لاقتحام الصيرفة الإسلامية، يتمثل في قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة؛ نظرًا لأن الصيرفة الإسلامية تتحمل المخاطر مع مالكي المشروع.. الأمر الذي يجعلها أنسب الأساليب لدعم هذا القطاع. وأضاف أن الصناعة الإسلامية تميزت أيضًا بقدرتها على الاستمرارية، خصوصًا في ظل الأزمات المالية التي تشهدها عدة دول، كما أن الثقة التي اكتسبتها على مدار العقود الماضية جعلت المؤسسات المالية الإسلامية تسعى لخلق مزيد من المنتجات الذي قابلته زيادة في الطلب على تلك المنتجات. وأشار إلى أن هناك بعض الإحصاءات التي أثبتت ارتفاع مؤشرات النمو في القطاع التمويلي الإسلامي، مدللًا على ذلك بزيادة نسب الودائع الإسلامية، بالإضافة إلى زيادة المنتجات التمويلية الإسلامية على نظيرتها التقليدية، الأمر الذي يعكس ارتفاع حجم الطلب على تلك الصناعة المالية. واستنكر ما يقوله البعض عن أن أهم ما يميز نظام الصناعة المالية الإسلامية يتمثل في عدم احتساب فائدة على التمويلات، مشيرًا إلى أن ذلك يعتبر مبالغة في تبسيط النظام التمويلي الذي يقوم على نظم اقتصادية حقيقية واقتسام المخاطر، بالإضافة إلى اختلاف النواحي القانونية وجوانب الملكية. وأشار إلى ضرورة أن تأخذ الدول في اعتبارها دور التمويل الإسلامي في تحقيق التنمية الاقتصادية داخل القطر، وليس فقط على مستوى الأفراد، لافتًا إلى أن هناك عددًا من الآليات الإسلامية التي لم تنل حقها في الاستخدام خلال الفترة الماضية، وأبرزها الزكاة والقرض الحسن، لذا لابد من وضع ضوابط لتفعيلها والاستعانة بها في تطوير البنية التحتية. وشدد داود فيكاري، الرئيس التنفيذي في المركز الدولي لتعليم التمويل الإسلامي في ماليزيا. «INCEIF »، على ضرورة تغيير بعض المفاهيم الخاطئة عن الصرافة الإسلامية، خصوصًا ما يتعلق بالمفهوم السائد لدى البعض من أن الصرافة الإسلامية للمسلمين فقط، موضحًا أن كثيرين في الغرب يعتقدون ذلك، مما يتطلب عقد ورش عمل وندوات للتوعية بأن التمويل الإسلامي لجميع الأفراد سواء مسلمين أو غير مسلمين. وأكد أن العملية التعليمية والثقافية أساسية لزيادة التوعية عن التمويل الإسلامي، مشيرًا إلى أهمية توافر نظام تعليمي يعرف الأفراد الصيغ التمويلية والإسلامية والمقاصد الأخلاقية لبناء البنية التحتية لهذه الصناعة. وقال الرئيس التنفيذي في«INCEIF»: إن الاستثمار في الموارد البشرية من العوامل الأساسية المهمة لنمو الصرافة الإسلامية خلال الفترة المقبلة، لافتًا إلى أن الصرافة الإسلامية تشهد تزايدًا في الطلب ليس فقط في الدول الإسلامية ولكن في الدول غير الإسلامية أيضًا مستشهدًا بنمو التمويل الإسلامي في اليابان والمملكة المتحدة. وقال: إن العالم أصبح الآن يعترف بالتمويل الإسلامي كبديل تمويلي متاح، خصوصًا بعد صمود التمويل الإسلامي في أعقاب الأزمة المالية العالمية، لتتجاوز الأصول الإسلامية تريليون دولار في 2011، مؤكدًا أن التمويل الإسلامي بدأ يثبت أقدامه في العالم. وأضاف نيكاري أن التمويل الإسلامي يتمتع بالتنوع في المنتجات وتقاسم المخاطر مما دفع العديد من المؤسسات المالية إلى فتح نوافذ إسلامية منفصلة عن التقليدية، لافتًا إلى أهمية توفير القوانين والتشريعات التي تساعد على نمو الصرافة الإسلامية. وأكد أهمية تعاون المؤسسات التعليمية والثقافية مع المؤسسات المالية الإسلامية المعنية لبناء معايير وأسس مشتركة تساعد على نمو الصرافة الإسلامية، إلى جانب تطوير سوق رأس المال لخلق نظام إسلامي متكامل. ولفت مظهر حسين، عضو منظمة المؤتمر الإسلامي والباحث الاقتصادي في مركز التدريب الإسلامي التركي"SESRIC "، إلى أنه على الرغم من تنامي الأصول الإسلامية خلال الفترة الماضية لتتعدى تريليون دولار، لكنها ما زالت تستحوذ على نسبة ضئيلة من الأصول العالمية. وفسر دوافع نمو التمويل الإسلامي في المنطقة بنحو 25 % ليرتفع إلى تريليون دولار خلال العام الحالي بتزايد النمو في دول الشرق الأوسط التي تستحوذ على النسبة الكبرى من الأصول بنسبة قد تصل إلى 79%، منها 40 % لدول مجلس التعاون الخليجي. وأضاف حسين أن دول مجلس التعاون الخليجي تحقق نموًا في الأصول بنسبة 7 %سنويًا في التمويل الإسلامي فيما تبلغ معدلات النمو في دول الشرق الأوسط 6.4%، وتنخفض قليلًا في دول أوروبا وأستراليا لتصل إلى 6 %. وحدد عدة دوافع أساسية لنمو التمويل الإسلامي أبرزها زيادة الطلب على النظام المالي الإسلامي، وثقة جمهور المتعاملين على هذه النوعية من الصرافة خصوصًا في دول مجلس التعاون الخليجي، وارتفاع أسعار النفط والتدفقات الخارجية، علاوة على بعض الجوانب الكامنة في التمويل الإسلامي الخاصة بالعدالة الاجتماعية والشفافية والعدالة في الأنشطة التجارية المشتقة من الشريعة. وأبدى مظهر استغرابه من تضاؤل نسبة صرافة التمويل الإسلامي في الدول الإسلامية الأكثر سكانًا لتصل في دول مثل مصر وإندونيسيا إلى 4 أو 5 %على التوالي، فيما ترتفع النسبة في دول مثل السودان وبنجلاديش لتصل إلى 65 و 70 %. وقال: إن ضعف البنية التحتية المتمثلة في الأطر التشريعية والقانونية، تحد من نمو الصرافة الإسلامية، لافتًا إلى اهتمام بعض الدول بتطوير التشريعات والقوانين كالإمارات وإندونيسيا فيما لا تخطو دول أخرى أي خطوة في هذا المجال. وأكد أهمية التنسيق بين الأدوات الإسلامية والحفاظ على تحقيق نمو مستدام في البلدان، بالإضافة إلى تطوير الأنظمة التشغيلية ومعايير الإفصاح والتدقيق، علاوة على أهمية النظر إلى الاستثمار في البنية التحتية من خلال الصكوك الإسلامية. وقالت بالجيت كور، المدير العام ونائب رئيس مجلس إدارة مؤسسة "بيتك" بيت التمويل الكويتي بماليزيا، إن أبرز الأسباب التي ساهمت في الاهتمام بالصيرفة الإسلامية هو تخطيها آثار الأزمة المالية العالمية، فضلًا عن اعتمادها على إدارة أصول حقيقية. ولفتت إلى أن إطلاق الصكوك الإسلامية ساهم في أداء البنوك الإسلامية عملها ودعم موقفها المالي، لافتةً إلى أهمية نشر الوعي بين البنوك والعملاء حول الصيرفة الإسلامية بمفهومها الصحيح. وأضافت بالجيت كور، أن هناك ضرورة لتنمية تلك المفاهيم الأساسية للصناعة الإسلامية مما يساهم في توفير مزيد من فرص العمل، مؤكدةً أنه لن يتم تطبيق ذلك إلا من خلال الالتزام بالمعايير الدولية لضمان استمرار تدفق الأموال بين الدول ونمو دور تلك الصيرفة.