يسهم اختلاف الحزبين الجمهوري والديمقراطي في إثراء الحياة السياسية في الولاياتالمتحدة، لكنه يصبح سبباً في إلحاق أضرار بالاقتصاد الأمريكي عندما يتحول لاختلاف أيديولوجي يمنع القادة السياسيين في البلاد من اتخاذ القرار السيلم المتصل اتصالاً وثيقاً بالمعطيات الحاصلة على أرض الواقع. كان الرئيس باراك أوباما قد أعلن أنه يسعى لتمديد الإعفاء الضريبي على جميع الشرائح باستنثاء الشريحة العليا من الدخول، وتصدر هذا الهدف حملته الرئاسية استعداداً للانتخابات المقبلة، لكن الموقف المعارض الذي يتبناه الجمهورين الذين يسيطرون على الكونجرس يحول دون تمرير هذا القانون حتى الآن. وهناك الكثير من القضايا التي يدور خلاف بشأنها بين المنتمين للحزبين، لكن السياسة الضريبية هي الموضوع الذي يؤدي الاختلاف الأيديولوجي بشأنها إلى ألحاق أكبر الأضرار بالبلاد، لأن الأفضل حسب دراسة من إعداد ريتشارد جي كارول من وكالة بلومبرج الإخبارية الأمريكية هو الاعتماد على الظروف الاقتصادية السائدة واعتبار أنها هي العامل الحاسم في تحديد مدى فاعلية أي إعفاء ضريبي. وتتغلب الانتماءات الحزبية على توجهات الرؤساء الأمريكيين لكن قدرتهم على تنحية هذه الانتماءات جانباً واتخاذ القرار الذي يتلاءم مع الأوضاع الاقتصادية الضاغطة هو الضمانة الوحيدة لإنجاح سياسات الإعفاء الضريبى. ومن خلال الدراسة تم بحث تأثير العديد من قرارات الإعفاء الضريبى الكبرى التي اتخذها رؤساء أمريكيون خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، واشتملت على تحليلات مفصلة لقرار كندي جونسون بإقرار إعفاء ضريبى عام 1964، وللإعفاء الضريبى في عام 1981 وفي عام 20110 في عهد الرئيس جورج بوش. وعندما تولى الرئيس جون كنيدي مقاليد السلطة في البلاد عام 1961 كان الاقتصاد يعاني فترات ركود متكررة استمرت طيلة سنوات طيولة شملت أعوام 1954 و1958 و1960 وتم خلال هذه السنوات إقرار معدلات ضريبية هامشية مرتفعة للغاية لدرجة بلوغها مستوى 91%، لكن التحصيل الضريبي كان متدنياً للغاية خلال هذه السنوات. ويمكن التأكد من هذه بسهولة عن طريق تتبع حجم العوائد الضريبية بالنسبة لأجمالي الناتج المحلي، حيث تم خلال سنوات حكم رؤساء مثل أيزنهاور ،وهارى ترومان ،تسجيل المركزين الرابع والثاني على التوالي في قائمة أدنى العوائد بالنسبة لأجمالي الناتج المحلي من بين اثني عشر رئيساً تولوا مقاليد السلطة في الولاياتالمتحدة خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. واقترح الرئيس كنيدي إقرار إعفاء ضريبي تم التوقيع عليه في عهد الرئيس ليندون جونسون، في فبراير 1964، واقتضى هنا الإعفاء تقليص أعلى معدل ضريبي ليصل إلى نسبة 77% ثم تم تخفيضه لاحقاً ليصل إلى 70% فى عام 1965، وتراجعت ضرائب الدخل المفروضة على الشركات لتصل إلى 22% على أول 25 ألف دولار من الدخل الخاضعة للضريبة وإلى 48% على البقية المتبقية من هذا الدخل. وتكشف المؤشرات الاقتصادية الرئيسة عن أن الإعفاء الضريبي الذي تم إقراره في عهد كنيدي وجونسون قد أثبت فاعليته وقدرته على تحفيز النشاط الاقتصادي، حيث تلا تطبيق هذا الإعفاء اختفاء فترات الركود المتكررة حتى عام 1970 على أقل تقدير. ويبدو إن إقرار معدلات ضريبة متدنية ساعد على تحفيز النمو الذي سجل متوسطاً يقدر بنحو 4.5% خلال السنوات الست التالية. ولم تتسبب الإعفاءات الضريبية في إلحاق أضرار بنسبة المديونية لأجمالي الناتج المحلي التي تراجعت لمستوى 37.6% في عام 1970 بعد أن بلغت 49.3% في عام 1964. ولجأ الرئيس رونالد ريجان لإقرار تخفيض ضريبي أثناء فترة ولايته عندما كان الاقتصاد يعاني من ركود تضخمياً ورثه عن فترة حكم الرئيس جيمي كارتر، وتم إدراج دافعي الضرائب في عهد الرئيس كارتر في شرائح ضريبية أعلى. ليس لأن دخولهم الحقيقية قد ارتفعت بل بسبب تصاعد معدلات التضخم، ويعني هذا ارتفاع معدلات التضخم المرتفعة كان السبب في تحميل دافعي الضرائب المزيد من الأعباء دون تدخل يذكر من قبل الكونجرس أو نتجية أي زيادة حقيقة في الدخول. وحاول ريجان إصلاح هذا الوضع فقام بإقرار إعفاء ضريببي في عام 1981 لمدة ثلاثة سنوات حيث تم تخفيض الضرائب بنسب تتقدر بنحو 10%، خلال أول عامين وبنسبة 5% في العام الثالث، وتم تخفيض الضريبة المستحقة على شريحة الدخل العليا من 70% لتصل إلى 50%. وسقط الاقتصاد في هوة ركود عميق بعق العام الأول من تطبيق الإعفاء الضريبي في عام 1982، حيث تراجعت إجمالي الناتج المحلي بنسبة 1.9% وكسرت البطالة حاجزاً متوسطاً يقدر بنحو 9.7% وكان من شأن السياسات النقدية التي وافق بول فولكر، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي على تطبيقها واستهدفت مكافحة التضخم. التسبب في أحباط فرص النمو الاقتصادي ولم تؤتِ هذه السياسات ثمارها إلا بحلول عام 1984 وعندما أدى تقليص معدلات التضخم بعد التطبيق الكامل للإعفاءات الضريبة إلى تحسين النمو في إجمالي الناتج المحلي ليصل إلى مستوى 7.2%. وواصل النمو تقدمه ليسجل مستويات تتراوح بين 3-4% خلال الفترة من 1985 إلى 1989، يعني هذا أن الإعفاءات الضريبية وتدابير تقليص معدلات التضخم ساهمت في تحسين معدلات النمو الاقتصادي، حيث تراجعت معدلات التضخم لتصل إلى 4.8% في عام 1989 بعد أن بلغت 10.3% في عام 1981. لكن هذا التحسن صاحبه ارتفاع ملحوظ في مستويات المديونية فعلى الرغم من تسحيل نمو في أجمالي الناتج المحلي فإن نسبة المديونية لإجمالي الناتج المحلي زادت خلال الفترة من 1981 إلى 1989 لتصل إلى53.1% من إجمالى الناتج المحلي بعد أن كانت تبلغ 32.5%. وكانت الإعفاءات الضريبية في عهد بوش تستهدف إنعاش النمو الاقتصادي دون إلحاق أضرار بالوضع المالى للولايات المتحدة أو بالتوظيف، وأفلحت هذه الإجراءات في تحسين النمو الاقتصادي ليصل في المتوسط إلى 2.7% خلال الفترة من 2002 إلى 2006 قبل أن يتعرض لانتكاسة كبرى خلال الفترة من 2007 إلى 2009 بسبب توافر عوامل متعددة منها انفجار فقاعة الإسكان. وشهدت البلاد في عهد بوش تدهوراً مالياً دراماتيكا، فالفائض الذي يقدر بنحو 128 مليار دولار والذي كانت تتمتع به البلاد في عام 2001 تحول لعجز بقيمة 157 مليار دولار في العام التالي، واستمر العجز ليصل إلى 378 مليار دولار في عام 2003 ثم إلى 412 مليار دولار في عام 2004 وتراجع العجز في الفترة من 2005 حتى 2007 قبل أن يرتفع مجدداً في عامي 2008 و2009 وتواصل رغماً عن هذا ارتفاع نسبة المديونية لإجمالي الناتج المحلي كل عام من سنوات حكم بوش لتصل النسبة إلى 85.2% في عام 2009 بعد أن بلغت 56.4% في عام 2001. وتكشف النماذج التاريخية سالفاً الذكر عن إمكانية الحصول على نتائج جيدة عندما يكون إقرار الإعفاء الضريبي متسقاً مع السياق الاقتصادي، كما هو الحال في فترة حكم الرئيسين كنيدي وجونسون، وتدل كذلك على إمكانية الحصول على نتائج مختلطة. إذا تم إقرار الإعفاءات في السياق الاقتصادي الملائم لكن دون مراعاة النسب الصحيحة، وهو ما تحقق خلال فترة حكم الرئيس ريجان، أما إذا كان السياق الاقتصادي غير ملائم والنسب الضريبية المطبقة غير سليمة فإن الإعفاءات الضريبة تتسبب في حدوث نتائج كارثية وهو ما تحقق خلال فترة حكم الرئيس بوش.