مازال النظام المصرفي الأمريكي يعاني تداعيات الأزمة المالية التي اندلعت عام 2008، والاستحواذات والاندماجات المتسرعة التي لجأت إليها البنوك دون دراسة كافية هربًا من الضغوط المتزايدة التي تسببت فيها الأزمة، فقد أعلن مؤخرًا بنك أوف أمريكا عن استعداده لسداد مبلغ 2.43 مليار دولار لتسوّية دعوى تعويض، استباقًا لحكم القضاء في القضية التي رفعها مستثمرون لتعويضهم عن الأضرار التي لحقت بهم جراء استحواذ البنك على شركة «ميريل لينش» للسمسرة دون مصارحتهم بالوضع المالي الحرج للبنك والشركة، مما تسبب في تكبد خسائر ضخمة . وذكرت صحيفة «وول ستريت» أن ذلك المبلغ هو الأكبر منذ عامي 2008 و 2009، كما أنه يحتل المرتبة الثامنة في قائمة أكبر مبالغ تم سدادها لتعويض المستثمرين منذ عام 2005، حيث يجيء بعد مبلغ بقيمة 7.2 مليار دولار تم سداده لتعويض المستثمرين في شركة اينرون، وبعد مبلغ بقيمة 6.1 مليار دولار تم سداده للمستثمرين في شركة وورلد كوم . وتشير الصفقة إلى استمرار حاجة البنوك الأمريكية لسداد فاتورة كبيرة لاحتواء تداعيات الأخطاء التي وقعت فيها هذه البنوك في ذروة الأزمة المالية منذ أربع سنوات سابقة، ونشرت شركة «ستيرن إجي & ليش» البحثية تقديرات، أكدت فيها أن إجمالي تعرض «بنك أوف أمريكا » للدعاوى القضائية المرفوعة من المستثمرين المتضررين يبدو أنه بلا نهاية . وكانت دعوى التعويض قد رفعتها مجموعة من المستثمرين تضمُّ صندوق معاشات المستثمرين في ولاية أوهايو وصندوقًا آخر في تكساس، بعد اتهام البنك بإصدار تصريحات خاطئة أو مضللة بشأن الوضع المالي لبنكي أوف أمريكا، وميريل لينش، مؤكدين أنهم كانوا يخططون لطلب تعويض بقيمة 20 مليار دولار في حال عرض القضية على القضاء كما كان مخططًا لها في 22 أكتوبر المقبل . ونفى بنك أوف أمريكا الاتهامات الموجهة إليه، مبررًا قبوله سداد مبلغ التسوية برغبته في اختصار الوقت بدلًا من الاستغراق في دعاوى قضائية لا يمكن حسمها بسهولة، واضطر برايان موينهام الذي يشغل منصب المدير التنفيذي لبنك أوف أمريكا بداية من عام 2010 لتخصيص نحو 42 مليار دولار بغرض تغطية قيمة التعويضات التي قد يحتاج البنك لسدادها في تسويات مماثلة، واحتاج البنك العام الماضي لسداد نحو 8.5 مليار دولار لتعويض مجموعة من المستثمرين في السندات المدعومة بقروض الرهن العقاري . وخسرت أسهم بنك أوف أمريكا ما يزيد على نصف قيمتها منذ إعلانه عن شراء شركة ميريل لينش، وإتمام الصفقة بالفعل بعد ثلاثة أشهر ونصف الشهر، مما أدى لخسارة البنك نحو 70 مليار دولار من قيمة أسهمه، وواصلت أسهم البنك تراجعها منذ ذلك الوقت، مما أدى لتكبيد حملة أسهمه خسائر ضخمةً لا يغطيها مبلغ التسوية بالكامل . وتتوقع شركة ستيرن "إجي & ليش" البحثية احتياج بنك "أوف أمريكا" لإبرام تسويات أخرى خلال فترة تمتد من الشهور 12 إلى 24 المقبلة، ولا يزال البنك يواجه دعوى قضائية مرفوعة من شركة MBIA للتأمين على السندات التي ادعت أن شركة "كانتري وايد" التي استحوذ عليها البنك لم تفصح عن الجودة الحقيقية لأوراق الدين المدعومة بقروض الرهن العقاري التي صدرت عن الشركة قبل الأزمة المالية . وكانت خطوة الإعلان عن شراء بنك أوف أمريكا شركة ميريل لينش في إطار صفقة بقيمة 50 مليار دولار قد نالت ترحيبًا واسع النطاق في سبتمبر من عام 2008 عندما كان حى المال يقترب من السقوط في الهاوية . وتحولت الصفقة إلى كابوس مزعج في أعقاب تكبد شركة لينش خسائر ضخمةً خلال الأسابيع التي تلت الإعلان عن الصفقة، حيث تسببت مخاوف المستثمرين في تقليص قيمة أسهم بنك أوف أمريكا والشركات المالية الأخرى، لتصل إلى 19 مليار دولار في وقت إبرام الصفقة في 1 يناير 2009. واتخذ المدير التنفيذي لبنك أوف أمريكا قرارًا بعدم الإفصاح عن المشاكل التي يواجهها البنك وشركة ميريل لينش لحين التوقيع على صفقة الاندماج، وهو ما شكل أساسًا لجميع الدعاوى القضائية التي رفعها لاحقًا المستثمرون، وحرص البنك كذلك على الامتناع عن الكشف عن أنه كان يسعى للحصول على دعم بقيمة 20 مليار دولار من الحكومة الأمريكية لمساعدته في إبرام صفقة الاستحواذ على ميريل لينش، كما امتنع عن الإفصاح عن أن الصفقة سمحت لميريل لينش بإعطاء المديرين التنفيذيين فيها حوافز بقيمة 5.8 مليار دولار، وعندما هدد بنك أوف أمريكا بالانسحاب من الصفقة بسبب الخسائر المتزايدة قام هنري بولسن وزير الخزانة الأمريكي بإخبار المدير التنفيذي للبنك أن عدم استكمال الصفقة لابد أن يتبعه استقالة المديرين التنفيذيين للبنك.