تدخل "الأموال الساخنة" إلى أسواق المال المحلية في أى دولة، بهدف جني الأرباح السريعة، باعتبارها جزءًا رئيسًا من أية سوق مالية، تريد أن ترفع من حجم نشاط التداول فيها، وتبحث أن تكون مصدر تمويل رئيسيًا في الوقت نفسه، وجزءًا من هيكلة الاستثمارات المالية في الأسواق، فعند البدء في استثمار الأموال في محافظ استثمارية، فإن هيكلة المحفظة الاستثمارية يعتمد على المخاطر والتنويع والفترة الزمنية من أجل تحقيق العائد الذي يستهدفه العميل. ويعتمد مستثمرو هذه الطريقة على الارتفاع المفاجئ للأسهم، والسندات نتيجة دخول هذه الأموال، التى تختفي بمجرد ظهور موجة تصحيح في الأسعار، مخلفة وراءها انهياراً في أسعار الأوراق المالية بهذه السوق؛ الأمر الذي لم تقبله هيئة الرقابة المالية؛ حيث قررت النظر في تقييد حركة تلك الأموال مؤخرا في ظل ما يعانيه الاقتصاد المصري من أزمات الحقتها به ثورة يناير، الأمر الذي انقسم معه الخبراء ما بين مؤيد ومعارض؛ الأول يرى أنها سبيل للكسب السريع والتلاعب بالسوق، أما الثاني، فيرى أنه عند وقفها نوقف الاستثمارات الاجنبية من الدخول إلى البلد. فيعرف د. طارق شعلان أستاذ الاقتصاد بالجامعة الأمريكية، الأموال الساخنة بأنها أموال زائدة علي حاجة المستثمرين بأسواق خارجية عن أسواق استثماراتهم المحلية، يستغلونها في الاستثمار ببورصات الاقتصادات الناشئة بهدف جني أرباح سريعة، وهذه الأموال تدخل للاستثمار في الأذون، والسندات ذات العائد المرتفع لتحقق أرباح كبيرة، ثم تخرج من السوق بمجرد حدوث عدم استقرار في اقتصاديات السوق، بعد أن تكون قد قامت بتسييل ممتلكاتها. ويضيف بأنه من الاشياء التى تدعو الى الدهشة هو اتجاه الاستثمارات الأجنبية للاكتتاب في أذون وسندات الخزانة، وجاء استحواذ الأجانب علي90% من عمليات اكتتاب في أذون بقيمة3،5 مليار دولار، فضلا عن فشل البنوك المحلية في منافستها في منتصف العام الماضي.. إلا أن أحد أهم مميزات هذه الأموال هو تحقيق السيولة النقدية في الأجل القصير، وزيادة حجم التعاملات المالية، أما عيوبها فيأتي علي رأسها تحقيق أرباح لمستثمرين مغامرين ومحترفين علي حساب صغار المتعاملين في سوق المال، ومعظمهم مستثمرون محليون عديمو الخبرة، كما أن حركة الأسهم التي تبدو نشطة بسبب الأموال الساخنة تعطي توجهات غير حقيقية عن السوق، وأيضا فهي تعطي انطباعات غير حقيقية عن حجم المشروعات، والوضع الاقتصادي، مما يؤدي الي عدم وجود تفسيرات اقتصادية لحركة السوق وصعود وهبوط الأسهم. ويتابع بقوله: إنه في الأزمات المالية الكبيرة تكون الانهيارات أكبر في الأسواق الناشئة ومنها مصر؛ فالأموال الساخنة ليست هدفا في حد ذاتها؛ لأنها باختصار لا تحقق تنمية، وتتعاظم الأزمات التي تسببها تلك الأموال عندما تدخل لشراء شركات ضمن برنامج الخصخصة؛ حيث يضع أصحابها نصب أعينهم ما تمتلكه الشركات المبيعة من أراض وعقارات، ورغم أن الهدف المعلن هو إصلاحها وإعادة هيكلتها وتشغيلها، فإنه في الحقيقة يجري تفريغها من أصولها وبيعها والحصول علي أرباح خيالية. قرار متأخر فيما يقول أحمد آدم الخبير المالي: إن بحث فرض قيود على خروج الاموال الساخنة قرار تأخر جدا في مصر، وأن من أدواته فرض ضريبة على الاموال التي تخرج سريعا بعد أقل من 6 أشهر من دخولها للبلاد بعد ان تجني الارباح لاصحابها دون النظر الى أي أضرار خلفتها على السوق الذي دخلت إليه.. مؤكداً على خسارة الاقتصاد الوطنى جراء هذه الاستثمارات الهادفة فى الأساس للكسب السريع والتلاعب بأموالها الساخنة فى السوق. ويذكر مثالا على ذلك باستثمار أحد الأجانب 100 مليون دولار فى أحد صناديق الاستثمار، وخلال فترة وجيزة يحقق أرباحاً كبيرة ويخرج بها وبأصل استثماراته ويحولها للخارج بما يعنى تكبد الاقتصاد المصرى لخسائر وفقدانه للعملات الأجنبية وهو ما يحدث حاليا. ويطالب بمنع الاستثمار الأجنبى فى أذون الخزانة ووضع ضوابط شديدة على الاستثمار بالبورصة؛ نظراً لأن هذه الممارسات تضر بالاقتصاد القومى، وهى السبب الرئيسى فى تراجع الجنيه بنسب كبيرة خلال الأيام الأخيرة. وعن أضرارها، يقول آدم إن انسحاب الأموال الساخنة المستثمرة من أذون الخزانة وراء تراجع الاحتياطي النقدي المصري من 36 مليار دولار في ديسمبر 2010 إلى 26.7 مليار في نهاية2011. في إشارة منه إلى أن الاحتياطي النقدي الأجنبي لدى البنك المركزي المصري فقد نحو 9.5 مليار دولار خلال الأشهر الخمسة الأولى من 2011، مما يعني خطورة كبرى على اقتصاديات مصر في ظل سياسة خاطئة تمارس من قبل من بيده توظيف تلك الاحتياطيات. وعلي جانب آخر، يقول محسن عادل الخبير المالي: إن أهمية هذه الأموال تنبع من قدرتها الفائقة علي التحرك من نشاط إلي آخر، ومن سوق إلي أخري بشكل يؤثر علي الوضع الاقتصادي للدولة مباشرة. فوجودها إيجابي بالنسبة لتحقيق التوازن الاقتصادي العام؛ لأنها تحسن في الأرقام الاقتصادية، وتخلق احتياطيا للعملات الصعبة، رغم أنها لا تهم في الإنتاج ولا توفر فرص عمل، مما يؤدي إلي ازمات اقتصادية، وحدوث انهيارات مفاجئة في أسعار الأوراق المالية. ويضيف: إن بعض الاستثمارات الأجنبية الجادة، جاءت إلي مصر، إلا أنها بسبب بعض العوائق الإدارية والفنية خرجت سريعا وهو ما يؤكده خروج 3 مليارات دولار في عام 2006، ومليارين في عام 2007 ثم 4،7 مليار عام 2009، وهي ظاهرة تشير إلي ضرورة دراسة أسباب خروج هذه الأموال، فوفقا لبيانات وزارة المالية، فإن صافي الحيازات الأجنبية من أذون الخزانة، يقفز بمعدلات متسارعة، وهو ما يشكل خطورة علي الاقتصاد المحلي. و جدير بالذكر أن تقييد حركة الاموال الاجنبية أمر مشروع دوليا؛ حيث انتهجت البرازيل إجراء مشابهًا؛ حيث فرضت ضريبة علي تدفق رءوس الأموال الأجنبية علي الأسهم والسندات المحلية، واستخدمت دول أخري خاصة في آسيا إجراءات مثل إلزام البنوك بالاحتفاظ باحتياطات عالية من النقد الأجنبي أو فرض حد أدني لفترة بقاء الأموال أو الإبقاء علي الضرائب المفروضة علي الاستثمار الأجنبي لمنع تشجيع المزيد من التدفق.