عقد مركز دراسات و استشارات الادارة العامة بكلية الاقتصاد و العلوم السياسية جامعة القاهرة مساء أمس ندوة حول " مشروع قانون الوظيفة العامه الجديد قبل و بعد ثورة 25 يناير " ، جاء ذلك فى اطار اهتمام المركز المستمر بمتابعة و مناقشة تطورات السياسات العامة و المستجدات التى تؤثر عليها . حضر الندوة نخبة محدودة من الأكاديميين و الممارسين و نشطاء المجتمع المدنى من المؤثرين و المتأثرين بقضايا الادارة و السياسات العامة التى يطرحها للنقاش لاثراء المناقشات و بلورة رؤى و اضحة و متوازنة الأبعاد و كان على رأسهم د.صفوت النحاس - رئيس الجهاز المركزى للتعبئة و الاحصاء - و د. آية ماهر - مدرس الموارد البشرية بالجامعة الأمريكية - و خليل عبد المنعم صبرى - خبير الشئون المالية - و محمد جمال عبد الله - سكرتير عام محافظة الفيوم - و مجموعة من الباحثين و طلاب الدراسات العليا بالكلية . و هدفت الندوة إلى فتح باب الحوار والنقاش لما يجب أن يشتمل عليه قانون العاملين بالدولة - من منظور خاص بالفكر الحديث للموارد البشرية- أو قانون الخدمة المدنية فى المرحلة القادمة فى ضوء الأسباب التى قامت عليها ثورة 25 والمتمثلة فى مشكلة البطالة وصعوبة إيجاد فرص عمل ، تدنى مستوى الأجور حيث أن الحد الأدنى للأجور 400 جم لا يتماشى مع المستوى المعيشى ، مشكلة تثبيت العمالة المؤقته ، مشكلة الفساد المتفشى فى الرشوة والمحسوبية وفى تضخم ثروة بعض الفئات على حساب فئات مهمشة إزدادت فقرا ، و أخيرا تدنى مستوى الخدمات الحكومية . ركزت فعاليات الندوت على مناقشة و تحليل أهم بنود مشروع قانون الوظيفة العامة الجديد و الذى يهدف إلى التطوير و الارتقاء بالوظيفة العامة و خلق وسائل و نظم جديدة لمحاسبة المقصرين و المفسدين كما ناقشت الندوة أوجة الاعتراضات على مشروع القانون و أهم الثغرات الموجودة به و إمكانية تطبيق هذا القانون خاصة بعد ثورة 25 يناير . أشارت د. آية ماهر - مدرس الموارد البشرية بالجامعة الأمريكية – إلى قانون العاملين - القانون رقم 47 لعام 1978 و الذى مضى علية 32 عاما - لم يعد يتواكب للمتطلبات العصرية الحالية كالتحول في دور الدولة إلى اللامركزية والاقتصاد الحر بدلا من الاقتصاد الموجه، و الحاجة الملحة إلى معالجة الكثير من السلبيات الخاصة بالعاملين في ظل جهاز حكومي متضخم و مترهل وصل حجم العاملين به إلى ما 6,250 مليون موظف و الحاجة إلى تحسين بيئة العمل الخاصة بهم مما سينعكس حتما على أدائهم و بالتالى سيساهم فى تحسين الخدمات العامة المقدمة للمواطنين بصورة أكفأ و بجودة أحسن. و أضافت د. آية ماهر ان القانون الجديد من المفترض أن يأتى بالعديد من الإيجابيات من أهمها اعطاء مزايا معينة لصالح الموظف لمعالجة الكثير من السلبيات والقصور فى النظم الخاصة بالعاملين تحت مظلة القانون 47 أنه سيجعل التعيين أساس الوظيفة العامة فى الوظائف التى تدخل ضمن الهيكل الإدارى . أما الوظائف فى المشروعات فسيتم التقنين فيها، ولا يجوز إنهاء التعاقد أو عدم تجديده إلا لأسباب تتعلق بالصالح العام مع حفظ حق الموظف فى التظلم، وينظم باب الوساطة فى التعاقد حيث كان التعاقد دائما سلما خلفيا للتعيين حيث سمح القانون 47 بأن يعين الموظف المتعاقد بعد مدة ثلاثة سنوات مما تسبب فى تكدس أعداد لا حصر لها بالوظائف العامة دون الحاجة الفعلية لهم بصفة دائمة، فإنعكس ذلك على أدائهم و على بيئة العمل الخاص بهم، فتكدست المكاتب، ونصفت أو ثلثت الأجور والحوافز والمزايا وغيرها. فالقانون الجديد سيساهم فى إصلاح جدول الأجور و بالنسبة للترقية ، فسيراعى القانون مشكلة الرسوب الوظيفى فى التدرج حيث سيراعى وضع سلم وظيفى جديد للترقية على مدد أقل، فمشكلة الرسوب الوظيفى تؤرق الكثير من العاملين بالجهاز الإدارى حيث يحصل على اللقب فى الترقية فقط بدون وجود درجة فعلية لها مما يصيب الموظف بالإحباط والملل لعدم تغير طبيعة عمله لسنوات. و على الرغم من عدم تقبل البعض لثقافة الثواب والعقاب حيث أن المعتاد أن 95% من الموظفين بالحكومة يحصلون على تقدير إمتياز فى تقرير الأداء السنوى بغض النظر عن تدنى مستوى الأداء لديهم إلا أنه فى القانون الجديد سينظم هذه الجزئية بالنسبة للموظف حيث سيكون تقييم الأداء موضوعى ومرتبط بالتوصيف الوظيفى للموظف ، ومرتبط أيضا بحوافز الأداء وتكون الإثابة جماعية أيضا بحيث يكون لها ضوابط لإظهار مردود التحفيز، وبالتالى سيشعر الموظف بالعدل وبالإرتياح حيث لا يتساوى الموظف الذى لا يعمل مع الموظف المجتهد ، و بالرغم من أن مبدأ الثواب والمساءلة سيقلل من عدد الجزاءات التى يجوز توقيعها على الموظف من 11 إلى 6 و سيتعامل مع الخطأ الجسيم والتراخى و سيجعل نظام واضح للمساءلة والمحاسبة، فكل هذا كفيل أن يخلق بيئة عمل منظمة يعمل من خلالها الموظف ويشعر بداخلها بأنه مكان منظم وعادل بل يحفزه على العمل والبقاء وهو الأمر الذى نستشعره عندما نعمل فى المؤسسات الأجنبية فى مصر أو بالخارج، وتشير نظرية هرزبرج إلى ضرورة وجود بيئة منظمة للعمل لكى نستطيع تحفيز العاملين مثل وجود حد أدنى للإشراف على أداء العاملين و القوانين و اللوائح المنظمة للعمل و بعض الضوابط الخاصة بمواعيد العمل و العقاب والثواب وغيرها. و أكدت د. آية ماهر على أن بعض الإعتراضات من جهة بعض العاملين أو إتحاد العمال جاءت نتبجة تخوف البعض من تغيير الثقافة التقليدية للإدارة التى تعودوا عليها ويشتكونها و يعانون منها، فمن المنطقى أن التغيير لابد أن يأتى لكى تصلح أحوال العاملين وتصلح الخدمات المقدمة للمواطنين وللموظفين أيضا، إلا فسيظل الموظف يشتكى أحواله والمواطن يشتكى الخدمة و لا نستطيع أن نواكب تنافسية الدول فى إنتاجية مواردهم البشرية ولا فى تقدمهم الإقتصادى حيث سينعكس هذا حتما على الموازنات الخاصة بالأجور والمعاشات والمنصرف على المرافق والخدمات العامة للمواطنين، وحيث أنه لايمكن أن نحقق تنمية حقيقية فى جميع المجالات بدون إدارة جيدة لمؤسساتنا، فآن الأوان أن نصلح من ذاتنا وأن نعيد النظر فى الكثير من المعاملات الخاصة بالعاملين لدينا و أن نتعامل معها بحسم لأهمية ذلك فى تحسين بيئة عمل الموظفين بالدولة، فلا يمكن أن نتهاون مع الموظف الذى ينقطع فجأة عن العمل بدون إذن ويعطل سير العمل ومصالح المواطنين ، والأخطر من ذلك ما شهدناه على مر الشهور السابقة فى تسبب البعض فى كوارث قومية بسبب الإهمال وسلوكيات اللامبالاة مثل حوادث القطارات التى يهلك فيها الكثيرون أو مصرع أطفال بسب وقوعهم فى بالوعات الصرف الصحى المكشوفة أو بسبب سلك كهربائى مكشوف فى عمود الإنارة وغيرها من الكوارث الآدمية. و فى نهاية الندوة عرض المشاركون بعض التوصيات العامة لتطوير قانون العاملين و حل مشاكل العاملين و ذلك من خلال تشريع قانون جديد للعاملين والذى يعتبر من أحدى محاور الضرورية الإصلاح الإدارى فى مصر ولكن نجاح القانون يعتمد فى المقام الأول على آليات تطبيقه وتفعيله وإقتناع العاملين والقائمين عليه لتنفيذه ، و ارفاق القانون بخطة عمل تشغيلية لتفسير كيف سينفذ ذلك فى بعض البنود التى أتى بها القانون ، و بالاضافة الى ذلك اجراء بعض التعديلات كل فترة على القانون ليتواكب مع المتغيرات المختلفة ، فمن المفترض أن يتم مراجعة القانون كل سنتين أو ثلاثة ، و إنشاء مجلس قومى للموارد البشرية ويكون تحت مظلة الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة يقوم بعمليات تخطيط إستراتيجى ومراقبة سياسات تنفيذ الممارسات الخاصة بالموارد البشرية بجميع الهيئات والمؤسسات الحكومية، و تكوين هيئة مستقلة للرقابة الخارجية على أداء الحكومة ترفع تقريرها للبرلمان مباشرة وتساند الأجهزة الرقابية الداخلية للمؤسسات الحكومية ، و من ثم تغيير الثقافة السائدة فى عدم الإهتمام بالعنصر البشرى من خلال الأهتمام بالعاملين بالدولة بزيادة أجورهم المزايا الخاصة بهم وتحسين بيئة العمل لهم وسماع شكواهم وقياس مدى رضائهم كل فترة