قائد القوات البحرية: مصر نجحت في منع الهجرة الغير شرعية منذ 2016    رئيس جامعة بنها: ندعم أفكار الطلاب وابتكاراتهم    سعر الذهب في مصر اليوم الثلاثاء 22-10-2024 مع بداية التعاملات    حقيقة صرف مكرمة ملكية بقيمة 1000 ريال لمستحقي الضمان الاجتماعي في السعودية    استطلاع: أغلب الألمان يعارضون موقف الحكومة من تسليح إسرائيل    الأمم المتحدة تُدين التدهور السريع لوضع المدنيين في شمال غزة    أبرزهم خالد مشعل.. حماس تتجه لاعتماد لجنة خماسية بدلًا من تعيين خليفة للسنوار    جالانت يتخذ قرارا بشأن جمعية «القرض الحسن» التابعة لحزب الله    محمد عبد الجليل: حذرت لاعبي الأهلي من محمد رمضان وهذا موقفي من عقوبة كهربا    الأهلي بدون مهاجم.. آخر كواليس عقوبة كهربا وترحيله من الإمارات    أيمن الشريعي: اتحفظ على النظام الجديد للدوري ويجب سؤال أحمد دياب في قراره ضد إنبي    مجدي عبد الغني ل كهربا: أنت ليك ماضي معروف.. والناس مش نسياه    سيدات - مسار ل في الجول: ينسحبون أمامنا ثم يخسروا 10 أمام المنافس.. وغياب العقوبة يضرنا    تحذير شديد اللهجة من الأرصاد بشأن طقس اليوم، وهذا ما يحدث من من 6 صباحا إلى 11 ليلا    ضبط المتهمين بقتل سائق توك توك وسرقته بسوهاج    الكوكايين الوردي، تفاصيل جديدة حول وفاة النجم ليام باين بعد التشريح الجزئي للجثة    الاحتلال يقتل فلسطينيين في غزة ويغتقل العشرات في قطاع غزة    الكلاب في الحضارة الفرعونية.. حراس الروح والرفاق في عالم الآلهة    الجيش الإسرائيلي يعلن القضاء على قيادي في حزب الله في دمشق    الفنانة نورهان: اشتغلت مدرسة إنجليزي بعد الاعتزال.. التمثيل كان يسرقني من الحياة    بمستند رسمي..تعرف علي مواعيد قطارات «السكة الحديد» بالتوقيت الشتوي الجديد    مصرع شاب وإصابة 2 آخرين في حادث انقلاب سيارة بأسيوط    عاجل- كيفية الاستعلام عن موظف وافد برقم الإقامة وخطوات معرفة رقم الحدود عبر أبشر    «إنت مش مارادونا».. مدحت شلبي يهاجم نجم الزمالك    كسر بالجمجمة ونزيف.. ننشر التقرير الطبي لسائق تعدى عليه 4 أشخاص في حلوان    عاجل - تمديد فترة تخفيض مخالفات المرور وإعفاء 50% من الغرامات لهذه المدة    ثقف نفسك| 10 خطوات هامة لمن يريد الزواج.. تعرف عليها    اللهم آمين| أفضل دعاء لحفظ الأبناء من كل مكروه وسوء    الصحة اللبنانية تدين تعرض إسرائيل لأكبر مرفقين طبيين في البلاد وتطالب بموقف دولي إنساني    3 مشروبات يتناولها الكثير باستمرار وتسبب مرض السكري.. احذر منها    قصف مدفعي مكثف في عيتا الشعب جنوب لبنان    وزير الدفاع الأمريكي: سنزود أوكرانيا بما تحتاجه لخوض حربها ضد روسيا    حل سحري للإرهاق المزمن    نشرة التوك شو| حقيقة زيادة المرتبات الفترة المقبلة ومستجدات خطة التحول إلى الدعم النقدي    قائد القوات البحرية يكشف سبب طُول الحرب في أوكرانيا وغزة    النائب العام يبحث مع نظيرته الجنوب إفريقية آليات التعاون القضائي    دعاء عند نزول المطر.. فرصة لتوسيع الأرزاق    ما حكم استخدام المحافظ الإلكترونية؟ أمين الفتوى يحسم الجدل    بعد منعه من السفر… «هشام قاسم»: السيسي أسوأ من حكم مصر    «القابضة للمطارات»: مؤتمر المراقبين الجويين منصة للتعاون ومواجهة تحديات الملاحة    إسرائيل تتوعد: الهجوم على إيران سيكون كبيرًا وسيجبرها على الرد    كيفية تفادي النوبات القلبية في 8 خطوات..لايف ستايل    عقوبة تخبيب الزوجة على زوجها.. المفتاح بيد المرأة وليس الرجل فانتبه    ماذا كان يقول الرسول قبل النوم؟.. 6 كلمات للنجاة من عذاب جهنم    متحدث الصحة: نعمل بجدية ومؤسسية على بناء الإنسان المصري    شريف سلامة: أتخوف من الأجزاء ولكن مسلسل كامل العدد الجزء الثالث مفاجأة    أبرز المشاهير الذين قاموا بأخطر استعراضات على المسرح (تقرير)    القصة الكاملة لتدمير القوات المصرية للمدمرة الإسرائيلية إيلات في 21 أكتوبر 1967    مديرة مدرسة الندى بكرداسة تكشف تفاصيل زيارة رئيس الوزراء للمدرسة    الحلفاوي: "الفرق بين الأهلي وغيره من الأندية مش بالكلام واليفط"    50 جنيهًا تُشعل خلافًا ينتهي بجريمة قتل في كفر الشيخ    هل ينسحب الزمالك من نهائي السوبر أمام الأهلي؟ ثروت سويلم يُجيب    أبرز موافقات اجتماع مجلس مركز تنمية قدرات أعضاء هيئة التدريس بجامعة الأقصر    فى منتصف الأسبوع..سعر الطماطم والبصل والخضار بالاسواق اليوم الثلاثاء 22 أكتوبر 2024    أبو هميلة: توجيهات الرئيس للحكومة بمراجعة شروط صندوق النقد الدولي لتخفيف الأعباء    الصفحة الرسمية للحوار الوطنى ترصد نقاط القوة والضعف للدعم النقدى    شيرين عبدالوهاب تدخل موسوعة جينيس للأرقام القياسية (تفاصيل)    الموافقة على تقنين أوضاع 293 كنيسة ومبنى تابعا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"فتاة سهلة" فيلم فرنسي عن علاقة معقدة بين صديقتين
نشر في صوت البلد يوم 15 - 10 - 2020

يروي الفيلم الفرنسي "فتاة سهلة" (fille facile)، الذي بدأ عرضه مؤخراً عبر شبكة نتفليكس، حكاية تبدو بسيطة جداً، لكنها ممتلئة بالتفاصيل، وغنية بوجهات النظر، بحيث تتحول إلى حكاية مُعقدة؛ عن فتاتين تختار كل منهما طريقها المخالف لطريق الأخرى في الحياة، بناء على مغامرة عفوية تخوضانها ذات صيف، ونشهد عليها معهما في الفيلم.
حاز الفيلم جائزة برنامج نصف شهر المخرجين من مهرجان "كان" عام 2019. وهو من إخراج ريبيكا زلوتوفسكي، التي كتبت له أيضاً السيناريو بالتعاون مع تيدي لوسي موديست.
تستعيد البطلة "نايما"- تلعب دورها مينا فريد- الأحداث التي وقعت لها ذات صيف بينما كانت تستعد لبداية أول خطواتها العملية، استعادة تجعلنا مَشاهد الفيلم نعيشها مثل حلم، على صوتها، وهي تروي المعلومات الضرورية عنها، كالسياق العام لحياتها، وظروفها الشخصية، لكن من غير أن تحدد ما هي اللحظة التي تروي فيها هذه الحكاية الآن. في يونيو(تموز)، كانت نايما مراهقة لم تحتفل بعد بعيد ميلاها السادس عشر، تعيش مع والدتها العاملة في فندق بمدينة "كان" بجنوب فرنسا، أنهت للتو دراستها. والمفترض بعد أن تمر العطلة، أن تبدأ تدربها كطاهية في الفندق نفسه الذي تعمل فيه الأم، لكنها مازالت مترددة أو غير متحمسة. لديها صديق مثلي مقرب، هو "دودو"- يلعب دوره لخضر دريدي- يُطالبها بمرافقته معظم الوقت وبأداء دور معه في العرض الذي ينوي تقديمه كي يصبح ممثلاً. لكنّ إن نايما مرتبطة بمحيطها، لديها مسؤوليات معنوية تجاه الأم وتجاه الصديق، وليست مشغولة بالبحث عما تريده فعلاً. في هذه الأثناء، تصل "صوفيا" ابنة عمها- تلعب دورها زاهية دِهار- وتبدو للوهلة الأولى نقيضاً لشخصية نايما. توفيت والدتها منذ وقت قريب، وبالتالي لا واجبات عليها تجاه أحد، زارت مراراً عيادات التجميل، على الرغم من أنها مازالت في أوائل العشرينيات من العمر، تعرف كيف تفتن الآخرين بجسدها، حين تتعرى تماماً لتنزل إلى البحر، وحين تمشي حافية على الرمال، وتتحدث بفلسفة حول أي موضوع. إنها لا تعمل ولا تخطط لذلك، أو أن عملها ينحصر في أن تلعب دور المرأة الجذابة اللا مبالية بالعواطف وبأحكام الآخرين، وهو عمل يتطلب تركيزاً خرافياً على عكس ما نظن، في الاعتناء بالجسد، كي يكون جميلاً على الدوام. باختصار إذا كانت نايما ملتزمة، فإن صوفيا حرة إلى درجة العبث.
الفقر والثراء
تنشأ بين الفتاتين رابطة نفسية عميقة، تضع نايما يدها على ذراع صوفيا، وتقول لها: أنا أعرف أنك حزينة على والدتك. ولا تصدق كلماتها، حين تُعبّر الأخرى بغرور: لا أهتم! تلازمها نايما كظلها، على الرغم من الإهانة التي تتعرض لها، حين يضايقهما شابان يسيران على شاطئ البحر، تغويهما صوفيا بلا سبب. وعلى الرغم من أنها لا تفهم تماماً لماذا تتصرف ابنة عمها بهذه الطريقة، فإن نايما لا تصطدم بها، ولا تحكم عليها، وشيئاً فشيئاً، تبتعد عن صديقها الغيور دودو لتبقى في صحبة صوفيا معظم الوقت.
حين يصل إلى الميناء يخت الشاب الثري "آندريه"- يلعب دوره نيونو لوبس- تأخذ الأحداث مجرى آخر، أو ربما تسير في مجراها الحقيقي. فصوفيا تبادر، وترسل نظراتها إلى الشاب الذي ينجذب إليها على الفور، وهي تغني كنوع من تمضية الوقت في الملهى الليلي. يستعرض آندريه نمط حياته أمام المارة الأقل حظاً منه، يريدهم أن يروه وهو يجلس على حافة اليخت، يعزف ويغني ويطلب العشاء. إنه يؤمن بأهمية الثنائيات، في حديثه مع مدير أعماله فيليب- يلعب دوره بينوا ماجيميل- يقول إنه من المفيد للفقير أن يعرف عن وجود الثراء لأن هذا يجعله أكثر قدرة على احتمال فقره، ولا يمكن للثري أن يعرف معنى الثراء ما لم يجرب حالة الفقر. أما الجمال، فهو لا يسعى لاستهلاكه، بحسب وصفه إنه محض هاو له. (الهواية) هي الكلمة التي تسمح لنا بالتنبؤ بشكل علاقته المقبلة بصوفيا.
لا يذهب الفيلم إلى مساءلة أفعال صوفيا من الناحية الأخلاقية التقليدية. كل شيء في "فتاة سهلة" محاط بطبقة فنية رقيقة. المشاهد الطبيعية الجميلة لمدينة "كان"، التي تبدو كقطعة من الجنة. الفخامة والوفرة على متن اليخت، والخدم الذين يتحركون تلبية للطلبات، في صمت وخفة الملائكة. وموسيقى فرانز شوبيرت البديعة التي تزين شريط الصوت- يعزفها للفيلم دومينيك شوفاليه- والعنصر الأخير تحديداً، يتكفل كلما نسينا بتذكيرنا أننا لسنا هنا، للحكم على صوفيا، بل لأننا مثل الجميع نريد أن نستمتع.
تسمح صوفيا لنايما بأن ترافقها في هذه الرحلة، فتقتسم معها طوال هذه الأجازة عيشة آندريه الرحّال. آندريه من جانبه، يترك نفسه ليعيش هذه المغامرة مع صوفيا على أنها مغامرة. وتتجرأ نايما أكثر فتتلصص عليهما حين يمارسان الحب، لتراها صوفيا ولا تبعدها كأنما لتعرفها ماذا تعني الحرية من وجهة نظرها.
على متن هذا القارب، تكتشف نايما أن إيطاليا قريبة من مدينتها، وتتعرف أكثر على فيليب، الذي تُهدي ربيكا مخرجة "فتاة سهلة" فيلمها إلى ذكراه. يراقبها فيليب من بعيد، وهي تراقب هذا العالم، يتدخل من آنٍ إلى آخر، كي يقول لها إنها جميلة. الاعتقاد الذي يصعب على نايما تصديقه، هي التي لا تهتم كثيراً بهيئتها، وهناك شيء طفولي لا يُفارق نظراتها، وترى تأثير جمال صوفيا الخلاب على رجل مثل آندريه.
الحرية تستلزم العمل
في بيت إحدى صديقات آندريه، في إيطاليا، تتعرض الشخصية التي تنسجها صوفيا بحرص لاختبار. حين تقول بطريقة متباهية إن صوت البواخر البعيدة يُذكّرها بروايات مارغريت دوراس، تلتقط السيدة المُضيفة منها الخيط، وتسألها عمّا قرأته لدوراس، فتراوغ صوفيا، ما يخيفنا أن كذبتها قد أوشكت على الانكشاف، قبل أن تستأنف صوفيا سعيها وتُجيب عن السؤال بطريقة تُدهش الحضور، وتُظهر مرة أخرى أنها ليست تافهة كما قد نظن. لكن إلى متى يمكن لعلاقة صوفيا وآندريه أن تستمر وتحت أي شروط؟
من الحلم إلى الحقيقة
في حركة تجرح الرقة في الفيلم، يتمرد أحد أفراد الخدم، ويَعمد إلى إظهار ازدرائه للضيوف، تعتذر نايما كثيراً عن خطأ ارتكبته من دون قصد. وهنا يظهر فيليب محاولاً أن يعيد الشاب إلى صوابه، أو على الأقل إلى التهذيب الذي ينبغي أن يتحلى به، ولو كذباً أمام أسياده. لكن في هذه الحركة أيضاً، نعود من الحلم إلى العالم الحقيقي، نرتدّ إلى صلات رسمتها الفروق الطبقية، أو بالأدق، رسمها مَنْ يستفيدون من هذه الفروق. يتحدث فيليب عن فكرة "القيمة"، ويقول لنايما: إنكِ تتحلين بالقيمة في نفسكِ. مُعيداً بذلك شيئاً من الاتزان إلى المشهد، وبالأخص إلى نايما، وهي مضطرة إلى الافتراق عن صوفيا، فقط لتواصل، أو ربما تبدأ طريقها.
"فتاة سهلة" فيلم يبدو سهلاً، لكنه ليس كذلك بأي حال، وهو عمل متميز على مستوى السيناريو المنسوج بذكاء بعيداً من المباشرة، وعلى مستوى التمثيل الذي يبدو طبيعياً إلى أقصى حد. فيلم يحتفي بالحسيّة، التي أوقعنا الفن في هواها وجعلنا أكثر حساسية تجاهها، كما يحتفي بالسينما نفسها، ويقدم تحية لنجمات الإغواء من كل زمن، أليس الإغواء اختياراً في النهاية؟
يروي الفيلم الفرنسي "فتاة سهلة" (fille facile)، الذي بدأ عرضه مؤخراً عبر شبكة نتفليكس، حكاية تبدو بسيطة جداً، لكنها ممتلئة بالتفاصيل، وغنية بوجهات النظر، بحيث تتحول إلى حكاية مُعقدة؛ عن فتاتين تختار كل منهما طريقها المخالف لطريق الأخرى في الحياة، بناء على مغامرة عفوية تخوضانها ذات صيف، ونشهد عليها معهما في الفيلم.
حاز الفيلم جائزة برنامج نصف شهر المخرجين من مهرجان "كان" عام 2019. وهو من إخراج ريبيكا زلوتوفسكي، التي كتبت له أيضاً السيناريو بالتعاون مع تيدي لوسي موديست.
تستعيد البطلة "نايما"- تلعب دورها مينا فريد- الأحداث التي وقعت لها ذات صيف بينما كانت تستعد لبداية أول خطواتها العملية، استعادة تجعلنا مَشاهد الفيلم نعيشها مثل حلم، على صوتها، وهي تروي المعلومات الضرورية عنها، كالسياق العام لحياتها، وظروفها الشخصية، لكن من غير أن تحدد ما هي اللحظة التي تروي فيها هذه الحكاية الآن. في يونيو(تموز)، كانت نايما مراهقة لم تحتفل بعد بعيد ميلاها السادس عشر، تعيش مع والدتها العاملة في فندق بمدينة "كان" بجنوب فرنسا، أنهت للتو دراستها. والمفترض بعد أن تمر العطلة، أن تبدأ تدربها كطاهية في الفندق نفسه الذي تعمل فيه الأم، لكنها مازالت مترددة أو غير متحمسة. لديها صديق مثلي مقرب، هو "دودو"- يلعب دوره لخضر دريدي- يُطالبها بمرافقته معظم الوقت وبأداء دور معه في العرض الذي ينوي تقديمه كي يصبح ممثلاً. لكنّ إن نايما مرتبطة بمحيطها، لديها مسؤوليات معنوية تجاه الأم وتجاه الصديق، وليست مشغولة بالبحث عما تريده فعلاً. في هذه الأثناء، تصل "صوفيا" ابنة عمها- تلعب دورها زاهية دِهار- وتبدو للوهلة الأولى نقيضاً لشخصية نايما. توفيت والدتها منذ وقت قريب، وبالتالي لا واجبات عليها تجاه أحد، زارت مراراً عيادات التجميل، على الرغم من أنها مازالت في أوائل العشرينيات من العمر، تعرف كيف تفتن الآخرين بجسدها، حين تتعرى تماماً لتنزل إلى البحر، وحين تمشي حافية على الرمال، وتتحدث بفلسفة حول أي موضوع. إنها لا تعمل ولا تخطط لذلك، أو أن عملها ينحصر في أن تلعب دور المرأة الجذابة اللا مبالية بالعواطف وبأحكام الآخرين، وهو عمل يتطلب تركيزاً خرافياً على عكس ما نظن، في الاعتناء بالجسد، كي يكون جميلاً على الدوام. باختصار إذا كانت نايما ملتزمة، فإن صوفيا حرة إلى درجة العبث.
الفقر والثراء
تنشأ بين الفتاتين رابطة نفسية عميقة، تضع نايما يدها على ذراع صوفيا، وتقول لها: أنا أعرف أنك حزينة على والدتك. ولا تصدق كلماتها، حين تُعبّر الأخرى بغرور: لا أهتم! تلازمها نايما كظلها، على الرغم من الإهانة التي تتعرض لها، حين يضايقهما شابان يسيران على شاطئ البحر، تغويهما صوفيا بلا سبب. وعلى الرغم من أنها لا تفهم تماماً لماذا تتصرف ابنة عمها بهذه الطريقة، فإن نايما لا تصطدم بها، ولا تحكم عليها، وشيئاً فشيئاً، تبتعد عن صديقها الغيور دودو لتبقى في صحبة صوفيا معظم الوقت.
حين يصل إلى الميناء يخت الشاب الثري "آندريه"- يلعب دوره نيونو لوبس- تأخذ الأحداث مجرى آخر، أو ربما تسير في مجراها الحقيقي. فصوفيا تبادر، وترسل نظراتها إلى الشاب الذي ينجذب إليها على الفور، وهي تغني كنوع من تمضية الوقت في الملهى الليلي. يستعرض آندريه نمط حياته أمام المارة الأقل حظاً منه، يريدهم أن يروه وهو يجلس على حافة اليخت، يعزف ويغني ويطلب العشاء. إنه يؤمن بأهمية الثنائيات، في حديثه مع مدير أعماله فيليب- يلعب دوره بينوا ماجيميل- يقول إنه من المفيد للفقير أن يعرف عن وجود الثراء لأن هذا يجعله أكثر قدرة على احتمال فقره، ولا يمكن للثري أن يعرف معنى الثراء ما لم يجرب حالة الفقر. أما الجمال، فهو لا يسعى لاستهلاكه، بحسب وصفه إنه محض هاو له. (الهواية) هي الكلمة التي تسمح لنا بالتنبؤ بشكل علاقته المقبلة بصوفيا.
لا يذهب الفيلم إلى مساءلة أفعال صوفيا من الناحية الأخلاقية التقليدية. كل شيء في "فتاة سهلة" محاط بطبقة فنية رقيقة. المشاهد الطبيعية الجميلة لمدينة "كان"، التي تبدو كقطعة من الجنة. الفخامة والوفرة على متن اليخت، والخدم الذين يتحركون تلبية للطلبات، في صمت وخفة الملائكة. وموسيقى فرانز شوبيرت البديعة التي تزين شريط الصوت- يعزفها للفيلم دومينيك شوفاليه- والعنصر الأخير تحديداً، يتكفل كلما نسينا بتذكيرنا أننا لسنا هنا، للحكم على صوفيا، بل لأننا مثل الجميع نريد أن نستمتع.
تسمح صوفيا لنايما بأن ترافقها في هذه الرحلة، فتقتسم معها طوال هذه الأجازة عيشة آندريه الرحّال. آندريه من جانبه، يترك نفسه ليعيش هذه المغامرة مع صوفيا على أنها مغامرة. وتتجرأ نايما أكثر فتتلصص عليهما حين يمارسان الحب، لتراها صوفيا ولا تبعدها كأنما لتعرفها ماذا تعني الحرية من وجهة نظرها.
على متن هذا القارب، تكتشف نايما أن إيطاليا قريبة من مدينتها، وتتعرف أكثر على فيليب، الذي تُهدي ربيكا مخرجة "فتاة سهلة" فيلمها إلى ذكراه. يراقبها فيليب من بعيد، وهي تراقب هذا العالم، يتدخل من آنٍ إلى آخر، كي يقول لها إنها جميلة. الاعتقاد الذي يصعب على نايما تصديقه، هي التي لا تهتم كثيراً بهيئتها، وهناك شيء طفولي لا يُفارق نظراتها، وترى تأثير جمال صوفيا الخلاب على رجل مثل آندريه.
الحرية تستلزم العمل
في بيت إحدى صديقات آندريه، في إيطاليا، تتعرض الشخصية التي تنسجها صوفيا بحرص لاختبار. حين تقول بطريقة متباهية إن صوت البواخر البعيدة يُذكّرها بروايات مارغريت دوراس، تلتقط السيدة المُضيفة منها الخيط، وتسألها عمّا قرأته لدوراس، فتراوغ صوفيا، ما يخيفنا أن كذبتها قد أوشكت على الانكشاف، قبل أن تستأنف صوفيا سعيها وتُجيب عن السؤال بطريقة تُدهش الحضور، وتُظهر مرة أخرى أنها ليست تافهة كما قد نظن. لكن إلى متى يمكن لعلاقة صوفيا وآندريه أن تستمر وتحت أي شروط؟
من الحلم إلى الحقيقة
في حركة تجرح الرقة في الفيلم، يتمرد أحد أفراد الخدم، ويَعمد إلى إظهار ازدرائه للضيوف، تعتذر نايما كثيراً عن خطأ ارتكبته من دون قصد. وهنا يظهر فيليب محاولاً أن يعيد الشاب إلى صوابه، أو على الأقل إلى التهذيب الذي ينبغي أن يتحلى به، ولو كذباً أمام أسياده. لكن في هذه الحركة أيضاً، نعود من الحلم إلى العالم الحقيقي، نرتدّ إلى صلات رسمتها الفروق الطبقية، أو بالأدق، رسمها مَنْ يستفيدون من هذه الفروق. يتحدث فيليب عن فكرة "القيمة"، ويقول لنايما: إنكِ تتحلين بالقيمة في نفسكِ. مُعيداً بذلك شيئاً من الاتزان إلى المشهد، وبالأخص إلى نايما، وهي مضطرة إلى الافتراق عن صوفيا، فقط لتواصل، أو ربما تبدأ طريقها.
"فتاة سهلة" فيلم يبدو سهلاً، لكنه ليس كذلك بأي حال، وهو عمل متميز على مستوى السيناريو المنسوج بذكاء بعيداً من المباشرة، وعلى مستوى التمثيل الذي يبدو طبيعياً إلى أقصى حد. فيلم يحتفي بالحسيّة، التي أوقعنا الفن في هواها وجعلنا أكثر حساسية تجاهها، كما يحتفي بالسينما نفسها، ويقدم تحية لنجمات الإغواء من كل زمن، أليس الإغواء اختياراً في النهاية؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.