من رأي ليس كمن سمع, وقد سمعنا كثيرا عن بدو سيناء, وارتبطت صورتهم في أذهاننا بالخيام البدوية الممتدة في عمق الصحراء, والجمال التي تمرح بين الجبال بحثا عن العشب والكلأ, وجلسات السمر التي تمتد حتي ساعات الساعات الأولي من اليوم التالي ورعي الأغنام, ولكن هل مازال البدو علي حالتهم القديمة؟ أم ينعمون بالتكنولوجيا؟ وهل أدركهم عصر الكهرباء, والدش, والهواتف المحمولة, ومبردات الماء, والهواء, أم يعيشون في الخيام, ويهيمون في الصحاري؟ الاسئلة كثيرة حسبما قالت الاهرام هذا في طابا, قمة التناقص بين عشش من بقايا قطع الأخشاب التي جمعوها من مختلف الأماكن.. وبين فنادق, وشاليهات, ومنشآت سياحية, لا يعرفها البدو إلا بالاسم فقط, ولم يدخلوها كعمال, لأن القائمين عليها يشترطون مؤهلات لا تتوافر فيهم, ولا حتي يدخلوها كزائرين لأنهم لن يستطيعوا دفع الثمن! لأن من رأي أدق ممن سمع, ذهبنا إلي مناطق متفرقة في جنوبسيناء, التقينا بالبدو, واستمعنا إلي همومهم, وحصرنا مطالبهم, وأمنياتهم. واقع الحال, يؤكد أن نسبة كبيرة من بدو سيناء' بؤساء' بكل ما تحمله الكلمة من معني, إذ يعيش بعضهم في الخيام, ومن أدركته الحضارة المدنية منهم أقام لأسرته منزلا من الحجر, وينعم بالكهرباء, وبمشاهدة الفضائيات, لكن تبدو الحياة بالنسبة للكثيرين من البدو قاسية, حيث لا فرص للعمل, ولا رعاية طبية كافية, ولا مدارس تغطي مراحل التعليم, ولا أماكن مناسبة للإقامة, فقد افترشوا الصحراء بأكشاك من الخشب الذي لا يحميهم من حرارة الشمس الملتهبة, وما أن تغرب الشمس لا يكون هناك ملجأ لهم من الظلام الدامس إلا ضوء القمر! فرص نادرة للعمل في صحراء النقب, التقينا محمد جمعة غيث, وجدناه يجلس علي حافة الأسفلت علي الطريق السريع, فاصطحبناه إلي مكان مجاور, قال لنا: الحياة هنا صعبة, فأنا أجلس في هذا المكان كل يوم بحثا عن فرصة عمل أيا كانت طبيعتها, ولضيق ذات اليد لم أتزوج حتي الآن, مع أن عمري اقترب من الثلاثين, ويسألنا: من يوافق علي أن يزوج ابنته لشاب مثلي؟ فأولياء الأمور يشترطون الحد الأدني من مقومات الزواج, وهي أن يكون لدي الشاب الراغب في الزواج مكان للإقامة, وأن يكون لديه دخل ثابت, ومن دون ذلك لن يزوجه أحد ابنته! لماذا لا تبحث عن فرص عمل في مكان آخر؟ أنا لا أصلح لأي عمل آخر غير الحراسة, وقد ذهبت إلي مناطق أخري في نويبع, والعريش, ووجدت أن فرص العمل متاحة فقط لأبناء المدينة من المعارف والأصدقاء, وسرعان ما أعود إلي النقب. في النقب مستشفي مجهز, ومكتب بريد, وخزانات تستقبل مياه السيول ثم تتم الاستفادة منها في توفير مياه الشرب لسكان المنطقة, ولكن أكثر ما يقض مضجع الأهالي نقص بل انعدام فرص العمل. ومن النقب إلي طابا, حيث لا توجد لوحات إرشادية تدلك علي كيفية الوصول للمكان برغم الجبال الشاهقة, والممرات الضيقة لعبور السيارات فيما بينها, وعند الوصول, يبدو الدخول إلي طابا أمرا صعبا للقادمين إليها, سواء كانوا من خارج سيناء, أو من أبنائها, وبعد عبور نقطة التفتيش, لابد من المرور بمجموعة من المنشآت السياحية منها ما هو مكتمل, ومنها ما هو تحت الإنشاء, وبين هذه وتلك, تصادفك علي الطريق الأكشاك الخشبية التي اتخذها البدو بديلا عن الخيام, وهناك اقتربنا من سليمان صالح محمد(28 عاما), وهو أحد شباب بدو سيناء, وقد أتم دراسة الثانوية العامة, ثم انقطع عن التعليم لأسباب تتعلق بظروفه المادية التي لا تسمح له بالالتحاق بالجامعة! بحث سليمان عن فرصة عمل ولم يجد, طاف مختلف المناطق في نويبع, والعريش, وطابا, والنقب, ولم يجد, فاجتهد في تربية الماعز, وهي مصدر دخله الوحيد, مشيرا إلي أنه ذهب إلي بعض المنشآت السياحية في طابا منذ40 يوما للبحث عن فرصة عمل فلم يجد, فعاد إلي عشته الخشبية مملوءا باليأس والإحباط. وبالرغم من وجود مستشفي مجهز بأحدث الأجهزة الطبية في النقب, إلا أنه لا يزال كما يقول بلا أطباء, ولا هيئة تمريض, ويتم نقل الحالات المرضية الحرجة, إلي مستشفيات العريش, وفي بعض الحالات يتوفي المريض قبل الوصول إلي المستشفي! البدو في طابا كما يقول سليمان صالح لا يسمحون بتصعيد المشكلات التي تحدث بينهم إلي أقسام الشرطة, وإنما يفضلون حلها بجلسات القضاء العرفي, التي تصدر أحكاما واجبة النفاذ, يلتزم بها الجميع. ولا يزال الكثيرون من البدو يعالجون بالطب البدوي الشعبي, كالعلاج بالكي, والأعشاب, لكن هذه الوسائل العلاجية العتيقة لم تعد تصلح في زمن انتشرت فيه أمراض السرطان, والكبد, والفشل الكلوي, لذلك يتم نقل المريض إلي مستشفي متخصص لعلاجه. 7 مشكلات رئيسية مع أن غالبية البدو يعيشون في ظروف مادية صعبة, إلا أن شيوخ القبائل يحيون في رغد من العيش هنا في طابا, فقد أقاموا بيوتا مجهزة, ولديهم السيارات, والمشاريع الخاصة, ولا يعانون كما يعاني بقية أقرانهم من البدو.. وإليكم حكاية شيخ قبيلة الإحيوات, سلامة عطية مسمح(24 عاما), الذي اختاره جده الذي بلغ من العمر83 عاما, ليكون شيخا للقبيلة بعد أن تقدم في العمر. الشيخ سلامة كما يسمونه في طابا ميسور الحال, حيث يمتلك شركة مقاولات,و لديه سيارة, وبرغم ظروفه المادية الجيدة, نجده متعاطفا مع أبناء قبيلته, متأثرا بظروفهم الصعبة, ويحدد7 مشكلات رئيسية تواجه البدو, هي عدم وجود كهرباء, ولا مياه صالحة للشرب, إلي جانب نقص المدارس, كما أن الفنادق ترفض تشغيل البدو, ويشكو عدم قدرة البدو علي الاستفادة من أراضي سيناء بسبب سيطرة الهيئة العامة للتنمية السياحية علي مساحات كبيرة منها. ومن الميسورين هنا, الشيخ سليمان فريج شيخ عشيرة الكرادمة والحمدات ويعمل في مجال السياحة, وهو يري أن أقل رجل من البدو لديه50 رأسا من الضأن والماعز, فهم يربونها, ويبيعونها, ويأكلون من لحومها, وهي العمل الأساسي لأي بدوي, موضحا أن البدو يصنعون الخبز كل يوم, ويذبحون الماعز كل10 أيام. ركود في السياحة مع أن طابا منطقة سياحية ذات شهرة عالمية, إلا أنها تشهد حالة من الركود الآن, يقول عاطف فريج محيسن, وهو صاحب مخيمات سياحية, وسيارات لنقل السائحين, ان الموسم السياحي الصيفي يبدأ في شهر يونيو, وتكون الحركة السياحية ضعيفة نسبيا بسبب الموسم الدراسي, إذ يأتي السائحون الروس صيفا, بينما يفضل البريطانيون, والفرنسيون الشتاء. وتظل طابا كما يقول عاطف فريج بحاجة إلي رعاية الدولة, من خلال توفير المدارس لأبناء البدو الذين يتجاوزون الألفي شخص, ويجدون صعوبة في الذهاب إلي المدن المجاورة لتعليم أبنائهم لندرة المواصلات, فضلا عن ضرورة بناء مساكن للبدو, للحد من ظاهرة العشش التي يقيمون فيها مضطرين إلي ذلك, وتوصيل المياه الحلوة الصالحة للشرب. الحرب علي المخدرات زراعات المخدرات في جنوبسيناء تتركز كما يقول شيخ قبيلة الإحيوات في منطاق محددة, والسبب فيها ضيق العيش, والبطالة التي يعانيها البدو, وهي في النهاية عمل مرفوض تماما, ونعمل علي مواجهته بكل الوسائل. الماء سر الحياة.. هكذا قال الشيخ عيد فراج سليمان شيخ عشيرة النجمات, إذ يطالب بتوفير المياه سواء للشرب, أو للزراعة, وتنمية الثروة الحيوانية من خلال التوسع في رعي الأغنام, ولإنقاذ البدو من البطالة. مشكلة ندرة المياه تشكل هاجسا لأهالي قرية نخل في جنوبسيناء, حيث انتشرت معدلات الإصابة بالفشل الكلوي في بعض المناطق, وهنا يقول محمد أبو مسلم عامل باليومية إن السكان يحصلون علي المياه من العريش أو من السويس في براميل وجراكن بلاستيكية, ويصل سعره إلي10 جنيهات, وكان المجلس المحلي يبيعها لنا, والآن دخلت شركات القطاع الخاص في مجال نقل المياه وبيعها, مشيرا إلي أن معظم البدو يعملون باليومية, ولا يمتلك أرضا زراعية إلا نفر قليل منهم, لذلك فهو يطالب بتوفير فرص عمل لهم. وفي مدينة سانت كاترين وهي إحدي مدن محافظة جنوبسيناء الثماني, الصورة لا تختلف كثيرا, فالناس هنا يعانون مشكلات عدة منها نقص المدارس, وعدم وجود جامعات, كما يعانون الكلام لعواد محمد سالم عضو مجلس محلي محافظة جنوبسيناء تسرب الفتيات من التعليم بسبب بعد المدارس, بينما تحصل بعض المناطق علي نصيب الأسد من التعليم والمدارس, ولا يوجد في سانت كاترين سوي بئرين للمياه الجوفية, مملوكتين لوزارة الري, وتبعدان نحو80 كيلو مترا عن المدينة, ولا تكفيان لتوفير احتياجات السكان من المياه, بالإضافةإلي مشكلات انقطاع التيار الكهربائي التي تتكرر بصورة دائمة. ميناء للصيد ومصنع للأسماك الحل كما يراه عضو مجلس محلي محافظة جنوبسيناء يتمثل في إنشاء ميناء للصيد, ومصنع لتصنيع الأسماك علي أرض سيناء, مع تخصيص نسب من فرص العمل لأبناء المحافظة في جميع شركات البترول, فضلا عن تنشيط السياحة الداخلية, والموافقة علي ترخيص سيارات النقل المملوكة للبدو, والسماح لها بالعمل في شرم الشيخ, وكذلك من الضروري إنشاء مراكز متنقلة لتدريب البدو وتأهيلهم للعمل في مختلف المهن, والحرف اليدوية.