مع تردي الاوضاع الاقتصادية وتراجع التصنيف الائتماني للدولة علي مدار أكثر من عامين ونصف، تعمل الحكومة خلال الفترة الراهنة على استعادة ثقة المستثمر سواء المحلي او الأجنبي ويعتبر التصنيف الائتماني مرآة للاقتصاد يعكس في رموزه حالة السوق المحلية من المخاطر المحيطة بها ومدى احتوائها على فرص استثمارية محتملة . المصرفيون أكدوا أن تراجع التصنيف السيادي مرة أخرى خلال الفترة الراهنة لن يكون قرارا نابعا عن معطيات اقتصادية خاصة في ظل التحسن النسبي للمؤشرات الاقتصادية الامر الذي يجعل التراجعات المحتملة للتصنيف نابعة عن الوضع السياسي . وأكدوا أن أي تراجع جديد للتصنيف الائتماني يعني انعكاس صورة سيئة عن الوضع الاقتصادي في مصر وتضييق الأفق للتعاملات الخارجية خاصة في ظل تأثير التراجعات المتتالية للتصنيف الائتماني والتي شهدها الاقتصاد المصري منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير ومدى تأثيرها علي التعاملات الخارجية للدولة بشكل عام والبنوك بشكل خاص فضلا عن زعزعة ثقة المستثمر الاجنبي الذي يترقب وضع السوق المصرية في ظل ارتفاع المخاطر الذي يعكسة التصنيف المتراجع . وأوضحوا أن التطرق إلي المؤشرات الاقتصادية للدولة يظهر ارتفاع الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية إلى أعلى مستوى له علي مدار 20 شهرًا مسجلا 18.8 مليار دولار بنهاية يوليو الماضي مشددين أن ذلك الأمر مؤشر جيد حتى ولو كان مدفوعاً بالمساعدات الأجنبية . كما أعتبروا تراجع العجز الكلى بميزان المدفوعات إلى 2.1 مليار دولار بنهاية مارس الماضي مقابل عجز قدره 11.2 مليار دولار خلال نفس الفترة من العام المالي السابق عليه ضمن المؤشرات الجيدة للمعاملات الاقتصادية للدولة مع العالم الخارجي خلال ال 9 أشهر الاولى من العام المالى 12-2013 والتي من شأنها أن تؤثر إيجابيا عند إعادة تقييم التصنيف الائتماني للدولة . وبالرغم من التداعيات الاقتصادية السيئة خلال الفترة الماضية علي بعض القطاعات الا انها ساهمت في تحسن بعض موارد الدولة بشكل غير مباشر فارتفاع سعر الدولار امام العملة المحلية ساهم في زيادة تحويلات المصريين العاملين بالخارج الي 13.9 مليار دولار خلال الفترة من يوليو 2012 وحتي نهاية مارس 2013 ، كما ارتفعت حصيلة الصادرات السلعية بنسبة 3.7% لتسجل 19.8 مليار دولار خلال نفس الفترة . وأشاروا الي أن هذه الاسباب كافية لتحسن التصنيف الائتماني حتي ولو بتغيير النظرة المستقبلية فقط او علي اقصي تقدير تثبيت التصنيف الحالي لحين وضوح الرؤى السياسية المستقبلية ، خاصة أن الدولة تسير وفقا لخارطة طريق ذات جدول زمني من المقرر أن تزيد من النظرة المستقرة للوضع الداخلي . وقللوا من تأثير تراجع ايرادات رسوم المرور فى قناة السويس والتي سجلت 3.8 مليار دولار خلال الفترة من مارس يوليو 2013 مقابل 3.9 مليار دولار خلال نفس الفترة من العام المالى السابق عليه . وتوقعوا أن يسهم رفع مستوى التصنيف الائتماني للدولة للأجل المتوسط في زيادة حجم الاستثمارات الاجنبية المباشرة والتي سجلت ارتفاعا ب 200 مليون دولار خلال الفترة من مارس - يوليو لتسجل اجمالى الاستثمارات الاجنبية المباشرة 1.4 مليار دولار بنهاية مارس 2013 . محمد صقر ، عضو مجلس إدارة البنك المركزي سابقا واستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة ، قال " وفقا للمنظور الاقتصادي البحت لا يوجد عوامل تدفع مؤسسات التصنيف الدولية الي خفض الجدارة الائتمانية للدولة خاصة في ظل تحسن اداء ميزان المدفوعات نسبيا مع تراجع العجز به فضلا عن ارتفاع الاحتياطي النقدي من العملات الاجنبية الذي سجل 18.8 مليار دولار بنهاية يوليو الي جانب تحسن الموارد الدولارية السيادية الامر الذي يستوجب رفع أو على أقصى تقدير تثبيت التصنيف الائتماني للدولة . وأكد أن الناحية الاقتصادية تشير الي امكانية وجود ضغوط من الغرب الامر الذي يدفع التصنيف الي التراجع مرة اخرى عقب سلسلة من التراجعات التي تعرض لها التصنيف السيادي للدولة الامر الذي يدفع مصداقية التصنيف الائتماني الصادر عن المؤسسات الدولية لتصبح محل شك . وأوضح صقر أن تراجع تصنيف الجهاز المصرفي يأتي نظرًا لتراجع التصنيف السيادي للدولة بينما يمتلك الجهاز المصرفي الملاءة المالية والدعم اللذين يؤكدان قوته، ولعل الارباح المحققة مؤخرا وارتفاع حجم ودائع العملاء خير دليل على قوة القطاع ومتانته . وأكد أن أي خفض مستقبلي للمستويات الحالية التي سجلتها الجدارة الائتمانية للدولة يمثل عاملا ضاغطا علي المعاملات الخارجية بكافة صورها الأمر الذي يصعب على البنوك عمليات فتح الاعتمادات المستندية وخطابات الضمان . حسن عبد المجيد ،العضو المنتدب لبنك الشركة المصرفية العربية الدولية SAIB ، يرى أن الدولة مرت بمثل هذه الظروف خلال النصف الثاني من السبعينيات وطالب المراسلون الخارجيون تغطية 100% من قيمة الاعتمادات المستندية وخطابات الضمان الا أن الدولة تجاوزت تلك الظروف واستطاعت النهوض مرة اخرى بالاقتصاد المصري دون وجود تداعيات كبرى أثرت بشكل جذري عليها . وأكد ضرورة عدم التخوف من التراجعات المتتالية للتصنيف الائتماني للدولة ، لافتا الى أن تأثير تراجع الجدارة الائتمانية يأتي بشكل كبير على حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة في ظل وجود حالة من التخوف والترقب للاستثمارات الاجنبية التي تنتظر تحسن الاوضاع للبدء في التوسع باستثماراتها أو ضخ استثمارات جديدة بالسوق المصرية وهو ما يحتاج إلى استعادة الأمن والاستقرار السياسي . وأوضح أن الجهاز المصرفي يتعامل مع الأزمة بحرفية فمعظم الاعتمادات وخطابات الضمان يتم تغطيتها دون وجود خطابات معلقة ويعود ذلك إلى حرفية البنك المركزي في توجيه القطاع المصرفي إلى ضخ السيولة الدولارية لتوفير السلع والمنتجات التي تغطي احتياجات الدولة الأساسية . من جهته توقع محمد طه ، نائب الرئيس التنفيذي لبنك القاهرة،عدم خفض التصنيف الائتماني للدولة مرة أخرى من مؤسسات التصنيف الدولية مرجعًا ذلك الى ارتفاع الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية الي 18.8 مليار دولار وعدم تسجيل زيادة مطردة فى الدين المحلى . وأوضح أن الأوضاع السياسية الحالية رغم كونها سيئة لكنها مؤقتة وحلها بالمستقبل القريب ينعكس بشكل ايجابي على الوضع الاقتصادي ،مما يسهم في تحسين الصورة الخارجية للاقتصاد المصري . واستبعد تأثير الموقف السياسي الخارجى تجاه الدولة عقب 30 يونيو على تقييم التصنيف الائتماني السيادي،لافتاً إلى وجود مساندة من قبل عدد من الدول الخارجية للحكومة المصرية وتأييدها فى الخطوات التي تتخذها لتنفيذ خارطة الطريق المستقبلية . بينما أشار طه الي أن تعاملات البنوك تأثرت خلال الفترة الماضية بالتراجعات المتتالية للتصنيف الائتماني للدولة مما أدى إلى خفض تصنيفاتها فضلا عن اضطرارها إلى تغطية كامل قيمة خطابات الضمان والاعتمادات المستندية في ظل ارتفاع الضمانات المطلوبة من المراسلين الخارجيين بسبب المخاطر المحيطة بالوضع الاقتصادي . وأكد نائب الرئيس التنفيذي لبنك القاهرة أن البنوك لا تواجه صعوبة فى تدبير العملة الدولارية من البنوك الخارجية في الوقت الحالي، مؤكداً أن تلك المعاملات لم تتأثر بالأوضاع الحالية . واتفق معه في الرأي علاء سماحة،رئيس بنك التنمية والائتمان الزراعى السابق ، متوقعا أن تقوم مؤسسات التصنيف الائتمانى الدولية بتثبيت الجدارة الائتمانية للدولة خلال الفترة المقبلة على اعتبار أن ملامح المرحلة المقبلة لم تتضح بعد ، وبالتالى فتلك المؤسسات تتبع مبدأ "Wait and See" ومن ثم سيتم تغير التصنيف عقب تحديد مؤشرات الوضع السياسى والاقتصادى خلال الفترة المقبلة . وذكر سماحة أن تلك المؤسسات لا تتسرع فى تغيير التصنيف الائتمانى للدولة لكنها تقوم بتحليل الواقع الاقتصادى والسياسى بناء على المؤشرات المتاحة خلال الفترة التى يتم فيها إعادة النظر فى التصنيف . وأبدى تفاؤله بالوضع السياسي والاقتصادي خلال الفترة المقبلة وهو ما سينعكس على التصنيف الائتمانى للدولة ، مستبعداً أن تقوم الدول الخارجية مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية بالضغط على مؤسسات التصنيف لخفض تصنيف الدولة فى إطار الضغط السياسى الذى تمارسه بعض الدول على الحكومة المصرية . وأكد أن خفض التصنيف يجب أن يتم على أساس مؤشرات اقتصادية وسياسية واضحة وما يترتب على تلك المؤشرات من تأثير على سداد ديون الدولة السيادية،مؤكدا أن خفض الجدارة الائتمانية للدولة درجة اخرى يعني عجزها عن سداد ديونها وهو الأمر الذي يعكس صورة سيئة عن الوضع الاقتصادي لمصر بالعالم الخارجي .