** تعثرت خطوات خالتي،وهي تسحلني ، بغير ما مسرة،من ياخة دشداشتي ،التي تبرغثت بالطين، مثل كلب مسعور، توسلتها باطلاق سراحي،مردداً،—-اتركيني أنا مافعلت شيئاً...مالذي تريدينه مني؟! ،تزداد توحشاً،وقسوة،وعناداً،تتوقف لبرهة زمن،تتفل عليَّ،وتصفعني،وتستمر بالسحل،عند اول الدرب الخالي من المارة،وجدت حبلاً ملوثاً بدم لوثته بهمة الليل بسوادها،بخفة عارف ،أخذته الى انفها ،شامة مثل خنفساء يباس الدم، وعلى غير عادتها،إبتسمت،وكأنها وجدت شيئاً ثميناً، تبحث عنه منذ سنوات طويلة،أخذتني الى صدرها القاحل ،بيدين مرتعشتين،وحين ضغطت بهدوء على قفاي،أحسست،بوجع قلبها الذي ارتفع وجيفه،ببطء,تصاعد رويداً محاولاً ايقاف انفاسها الراكضة الى صحراء انزامها، امرتي أمي ،أن احمل فراشي، واغراضي غير المتجانسة،والنوم بغرفتها الباردة،وهي تتخذ مني جواداً،لسهرات احلام،تقدمها كل ليلة على طبق من ضحكات،تجلسني قبالتها،تمسد قذلتي الشعثاء،وتداعب اصابع يدي الكدرتين اللذين مالاحهما ماء الشط منذ ايام،كثيراً ما اعتزل الامكنة التي أحبها،أشعر واياها بعداوة ما تفتأ ان تنتهي عند لحظة لاأعرف كيف ومتى تجيء محملة بالاشتياق،تهمس مأخوذة بتعب الخذلان —-تعال نروح الى مالانعرف...؟! —-انا لاحب مالااعرف..؟! —لكني سأجعلك ترضخ لما اطلب واريد؟!! الحيرة لولد عابث مثلي،هي أجمل الثياب التي ارتديها،ثياب مزركشة،تضيء دربي ما أن ادخل عالم الادهاش،والخوف،وربما الجنون، اغمض عيني،على عجل الإمساك بما ارغب فيه،لكنها هدمت هياماتي،لتمسك بمعصمي وتشدهما الى الحبل،الذي صار مثل مشتقة تتدلى أمام عيني،بحثت في أسرار ليلي عما يمكن أن يخفف اضطرابها وتوحشها الخارج عن المألوف من الافعال،شدتني الى إمامها،أمرة بالتقدم الى أمام دون اثارة مايلفت الانتباه،بصعوبة،اردتها مدججة بالمبالغة، تقدمت ، متسائلاً—أين هو الامام الذي تريدين الذهاب إليه؟كلما تقاطعت الدرابين،والدروب،تشظت هذه الامام،وغدت تشبه فزاعات،تخيف المارين عبر حقول ركودها،اهتزسعف غضبها،بعنف جرني الى الهرولة وراءها مطلقاً لهاثي المستغيث،لاأدري الى ماذا تريد الوصول؟!!،تقف لتستريح،تحدق اليَّ بنظرات تقدح شرراً،تطلق تنهدات موجعة،آآآآه،وتنطلق،ماكان بوسعي الاعتراض،لأنها عودتني منذ احتضنت ليلها،أن لافوه بالرفض،أحني رأسي،وأهمس،بخجل صبي مولع بالحكايات—إيه!! تفرش جسدها المبلول بالمكر،فوق ليونة القاع،وتشير بطرف اصبعها المدهون بالدم،. بالاتيان إليها، فأجيء مهرولاً غير قادراً على حساب مايمكنه الحدوث،تأخذ الحبل الى كلتا يديها،لنقف عند جرف الهور المودع لاخضراره،أصاب قلبه الجفاف.قالت—-أين تراها قصبتك الان والاصفرار سرق الرضا وهدم الاماني؟!! لاادري والذي أصابني حقاً،ارتجفت ساقاي،ووجدتني اسقط ،لائكاً تمتمات مبهمة،ما استطعت فك مغازيها،و إشاراتها الخفية،بود احترمت سقوطي المدوي،فجلست تمسد شعفتي بيدين لفتا بحرير الوجد،همست—لاتخف ماعليك سوى البحث،،،ستجدها..ما اضاع الهور قصب أعمارنا يوماً،!! هززت رأسي مؤكداً كلامها،ولكني بغتة انفجرت ببكاء مر..كالعلقم!! ———-2——- أبي،(كما همست لي خالتي ،بعد ان قررت شظية حرب جاءت لتستقر عند منبت الفؤاد،إنه حملني،بعد يومين من ولادتي العسيرة،والمنتظرة لسنوات خمس، بين يديه،دون أن ينبس بكلام،أمي تراه بعينين خائفتين،لأنها تعرف،جنونه،وترى في مايقوم به،ماأن يصبغ الليل اخضرار القصب، جنون لاتستطيع رده،يحمل اغراضه ويمضي،تسأله—أما مللت..كافاك عبثاً وتشرداً...مالذي تجده وسط ذاك الهسيس الصارخ،ولا تجده عند دفء بيتك ومسراته؟!! دون التفات،وبهزة رأس قاسية، تصحبها نظرات وقحة ،يقف عند الباب،صرخاً—-من يقدر على ترك مملكته..القصب والماء مجدي الذي احس معه ومنه بالالفة والامان..امان غريب يعطي حنجرتي ليونة عاشق،وهدوء معشوق..كلما اوغلت عميقاً شاقاً. دروبي المحفوفة بالنايات،وجدت آهاتي تروح الى رائحة خبز التنانير،وعذوبة البكاء...طفولتي أخذتني وابقتني هناك..لافكاك..لافكاك ابداً!! تتأوه الأم بزعل ،ضامةنفسها الملتاعة الى خرائب وحشتها،والانصات الى النداءات المتكررة الاتية،من أمكنة لاتعرف عنها شيئا،(تقول خالتي التي هيمنت عليها وساوس الانحدار بإتجاه الرذيلة)حين رفرفت مثل زرزور بين يديه،تعالى صوته بضحكات تشبه الرعد،وحين سكنت روحه،قال—-أهدأ لابد لك من قصبة تكون ناي احزانك وخوفك ومجدك ذات يوم...قصبة كلما لمت بك مصائب الكون ملأت أعماقك بشجن لاينصت إليه ولا يعرف معانيه سواك..النايات تعطيك بيارق مجونك المغمس باللذة..لاتهملها ولا تتعلم في حضرتها النسيان!! أصاب الخرس أفواه الناظرين إليه،وحين خطى خارجاً،تابعته العيون،المصابة بالارتياب،والهلع،(لاأحد يتحدى ظلمة الهور ..ليصل الى يشن الجان.. الطرق تسكنها ضحكات ماجنة، وتبدد مخاوفها ضربات دفوف وطبول ما اعتادتها اذان الاقرب الى الماء،حين رفع أبي،الرضيع الذي كنته،بحركة تتطابق وحركة الصورة المبجلة ،المحطوطة عند حائط الطين،تعالت الاصوات المخلوطة بالعويل،مرحبة،قال—-للقصب اسرار لتكن أنت من يفض بكارتها بعدي ،مثلما للماء فضائح لايتوجب سترها..كن ساعياً ،.لاتكن مسعياً إلية..الماء والقصب جذرا وجودك وازله!! (كانت خالتي ،وهي تروي ماحصل،تضحك مغطية طقم اسرارها بطرف شيلتها التي مالاحت الماء،منذ رأت توابيت القصب،تستقر عند حواف الهور،قالت/—ماعليك سوى الاجتياز،،اذهب علك تجدقصبتك حيث مدافن النايات...لاتتراجع..وكن مجيباً لنداءات لاتعرف من أين تأتيك؟!! الوصايا مهما كانت ساذجة وبليدة،تملأ اعماقي بالاسترخاء،ومن غير قصد مني،يرتمي جسدي مثل من اصابته نوبة صرع،عند فراغ الانتظار، اسقطتني وصايا والدي ،عند حافة حرائق،أكلت اخضر القصب ويابسه،تمنيت لو مارايت ما يحصل أمامي،كانت النايات تئن متوجعة وهي تعبأ اجوافها بلهب اخضر مصفر، يتطاير مثل غربان ، حاولت النهوض،لكن ثمة من سحبني الى عمق اللهيب وشراسته؟ —-3— السؤال الذي ماكانت جمجمتي تردد سواه..مالذي تبقى...والى ماذا ستأخذنا الطرقات نحن المنسيين عندقارعة الايام.مهما علت اصواتنا احتجاجاً او رغبة في الحصول على ومضة حياة، اخفتتها سياط المتنفذين ، وأطفأت ارواحنا هجنة القبول..وصرت ابواب الزنازين المليئة بخطوط ووصايا وحكم لاترابط بينها......؟!! الامتداد المقهور بدى مثل فتاة عارية،تحاول ستر جسدها بما يمكن الوصول إليه، لكن فشل يجرها الى وراء ماهي عازمة عليه،النيران انهت مهمتها بنجاح،والرجال الذين يتصايحون ليل نهار،غادروا غير ابهين بنظرات توسلنا، واسترحامنا،اشعر بالفناء،وأن ما اخذته المناجل والنيران ,محال احياءه،اندفعت روحي الغائرة بوحول فوضاي،الى امام غير واضح الملامح،أمام اعرف مساراته،مثلما اعرف راحت يدي،نبشت ذاكرتي نبش حفار قبور،ادمن شم رائحة الاكفان ،عليَّ أجد بقايا دلالة او اثر لخطو، المماحي الماجنة ،حولت الاخضرارالى بقع سود يابسة،لاتتنفس غير روائح البارود ،وطعنات الشطايا التي لاتسريح الى عند خاصرة الاهمال!! كانت القصبة التي تعاني موتها ببطء المنتظر لمنجد عيد الامل لديمومتها،إليها ودون وعي مني ركضت،ركضت..ركضت..ولكني حتى اللحظة ومنذ هاجرت الحروب الى امكنة غريبة،لتزرع نبات خرابها,ما وصلت... ولا اظن وصولي مادامت قصبتي قد ماتت وهي تحلم بأن تكون ناياً يبدد ليل وحدتي ،الذي لاتريد الانتهاء!! —-4— للقصب حكاية وللقصب دروة ازمنة متوارثة،هي التي علمتنا،عذوبة الحناجر،وسعت القول،،وجنون المعاني.. القصب حتى وأن يبست عروقه واخذته طوفانات المياة،يظل متمسكاً بحلمه..أن يصحو من موته يوماً،ليجد طوله الفارع،وقد تحول الى ناي..يملأ الارواح بأنين الفراقات،التي لاتريد التوقف. القصب آآآآآآآآآآه . لاتحب الصمت... حتى وإن سكنت مدافن النسيان!!