جامعة حلوان تواصل إجراءات الكشف الطبي لطلابها الجدد    الذهب يرتفع 14.2% خلال الربع الثالث من 2024    وزير التموين يوجه بوضع مخطط زمني لتطوير الشركة القابضة للصناعات الغذائية    سفير كوت ديفوار: الشركات الإيفوارية تتعاون مع شركات الإنتاج الحربي المصرية لإمكانياتها المتميزة    وزير المالية: زيادة مساهمة ودور القطاع الخاص يتصدر أولويات الإصلاح الاقتصادي    رئيس البورصة: مؤشر الشريعة الإسلامية جاء متأخرا وكان مطلبا منذ فترة طويلة    نعيم قاسم ينفي اجتماع 20 من قادة حزب الله أثناء الغارة على الضاحية الجنوبية    الشرطة اليونانية تعثر على جثتين في غابة بالقرب من مدينة كورينث    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي إلى 653 ألفا و60 جنديا منذ بداية الحرب    شيكابالا: سنتوج ب3 أو 4 بطولات.. وانضمام السعيد للزمالك تأخر 15 عاما    الجزيري: التصريحات السلبية سبب تتويجنا بالسوبر الأفريقي.. والأهلي لم يكن جاهزا    موعد مباراة السد القطري ضد استقلال طهران اليوم في دوري أبطال آسيا والقنوات الناقلة    رسميا.. جريزمان يعتزل اللعب الدولي    ضبط عنصرين إجراميين بحوزتهما 40 كيلو حشيش بالإسكندرية    ضبط قضايا اتجار في العملات الأجنبية ب18 مليون جنيه    ضبط دجال بالإسكندرية يروج لأعمال السحر عبر مواقع التواصل    «اشتعلت النيران بالسيارة».. إصابة شخصين في حادث انقلاب سيارة بالمنيا    غدا.. انطلاق فعاليات الدورة ال40 من مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط    "كوافير مراتي سبب خراب بيتنا".. مواجهة صادمة بين رجل وزوجته أمام القاضي    ضمن مبادرة «بداية».. توقيع الكشف الطبي على 1584 حالة بالمجان خلال قافلة بقرية 8 بالمنيا    توجيهات مهمة من محافظ الجيزة بشأن كفاءة الطرق والرؤية البصرية    أستاذ علوم سياسية: الدولة تقدم الكثير من الدعم بمختلف أشكاله للمواطن المصري    العمل تُطلق مبادرة "سلامتك تهمنا" بالتعاون مع مجلس أمناء القاهرة الجديدة    رسم وألعاب، أبرز أنشطة طلاب جامعة القاهرة خلال الأسبوع الأول للدراسة (صور)    «كدواني وفرحات» يتفقان على تنسيق الجهود لتفعيل المبادرة الرئاسية «بداية»    نائب الأمين العام لحزب الله يعزي المرشد الإيراني برحيل "نصر الله"    أمن المنافذ: ضبط 47 قضية متنوعة.. وتنفيذ 193 حكمًا قضائيًا    الصحة اللبنانية: استشهاد وإصابة 8 أشخاص جراء غارة إسرائيلية على منطقة الكولا    اليوم.. الحوار الوطني يجتمع لمناقشة الدعم    الأنبا توما يترأس القداس الإلهي لأبناء الأقباط الكاثوليك بدبي    طبيب: 30% من أمراض القلب يمكن تجنب الإصابة بها تماما    فيتامينات يجب عدم الإفراط في تناولها أثناء الحمل    غدا.. افتتاح الدورة السابعة لمهرجان أيام القاهرة الدولي للمونودراما    أمينة الفتوى: هذا الفعل بين النساء من أكبر الكبائر    اقرأ في «أيقونة»| بعد واقعة مؤمن زكريا.. هل السحر موجود؟    وزير الثقافة يعلن فتح جميع المتاحف والمسارح مجاناً وخصم 50% احتفالاً بذكرى انتصارات السادس من أكتوبر    أمطار وحرارة واضطراب الملاحة.. توقعات طقس خلال الساعات المقبلة    السياحة والآثار تنظم عددًا من الأنشطة التوعوية للمواطنين    بالصور.. نجاح فريق طبي في استئصال ورم نادر بجدار الصدر لشاب بأسيوط    «الرعاية الصحية»: إجراء 20 عملية زراعة قوقعة لأطفال الصعيد بمستشفى الكرنك الدولي    كرمة سامي في اليوم العالمي للترجمة: نحرص على تأكيد ريادة مصر ثقافيا    إعلام إسرائيلي: متظاهرون مطالبون بصفقة تبادل يقتربون من منزل نتنياهو    أسعار الدواجن والبيض اليوم الإثنين في الأسواق.. 80 جنيها من المزرعة    جثتان و12 مصابا.. ننشر الصور الأولى لحادث تصادم سيارة نقل وأخرى ميكروباص بأسيوط    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 30-9-2024 في محافظة قنا    أمين الفتوى: كل قطرة ماء نسرف فيها سنحاسب عليها    بوليتيكو: أمريكا تعزز وجودها العسكري بالشرق الأوسط    بعد خسارة السوبر الأفريقي.. الأهلي يُعيد فتح ملف الصفقات الجديدة قبل غلق باب القيد المحلي    التحقيق مع المتهمين باختلاق واقعة العثور على أعمال سحر خاصة ب"مؤمن زكريا"    بشير التابعي: الأهلي كان مرعوب.. وممدوح عباس سبب فوز الزمالك بالسوبر الافريقي    موعد عرض الحلقة 13 من مسلسل برغم القانون بطولة إيمان العاصي    اصطدام «توكتوك» بتريلا ومصرع سائقه في المنوفية    من مدرسة البوليس بثكنات عابدين إلى «جامعة عصرية متكاملة».. «أكاديمية الشرطة» صرح علمى أمنى شامخ    «القاهرة الإخبارية»: أنباء تتردد عن اغتيال أحد قادة الجماعة الإسلامية بلبنان    4 شهداء و49 مصابا في الغارات الإسرائيلية على الحديدة اليمنية    دونجا يتحدى بعد الفوز بالسوبر الأفريقي: الدوري بتاعنا    «الإفتاء» توضح حكم تناول مأكولات أو مشروبات بعد الوضوء.. هل يبطلها؟ (فيديو)    مفاجآت سارة ل3 أبراج خلال الأسبوع المقبل.. هل أنت منهم؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لبابة السر": بين التاريخ والواقعية السحرية ..دراسة نقدية للدكتور سعد التميمي
نشر في الزمان المصري يوم 12 - 02 - 2021

قد يسأل القارئ لهذه الرواية عن علاقتها بالتاريخ وهل هي انعكاس لوقائع تاريخية، أم رغبة من الروائي بكتابة الرواية التاريخية؟ عند القراءة الواعية التي تتطلبها الرواية بما تقدمه من أحداث ملحمية ورؤى ذاتية وتأملية وخيالية ولغة شعرية مكثفة نجد أنّ الروائي شوقي كريم أعاد تقديم قراءة الأحداث بطريقة مغايرة تتسم للتلاعب بتفاصيلها وغاياتها وتقديم رؤية ذاتية يتخذ فيها من التاريخ أداة لمحاكمة الواقع ،بما يتضمنه من تسلط الحكام وحاشيتهم على مقدرات البلاد، وانتشار الظلم والحرمان بين الطبقات المسحوقة ، فالراوي (شوقيا) في هذه الرواية شخصية قلقة متحيرة تحمل عددا غير متناه من الأسئلة التي تدور حول الوجود وتمثلاته ويعيش تحت مظلة واقع مثقل بالخراب ، وقد عكس ذلك التأملات والآراء الفكرية التي تطرحها الرواية من خلال المروي النفسي الذي يتجلى في الحوار الداخلي الذي يتطلب سردا بضمير المتكلم للكشف عن العوالم الداخلية للشخصية، فهي شخصية محورية تعيش حالة صراع داخلي من جهة، وفي الحوار الخارجي الذي يستحضر فيه (شوقيا) الالهة والحكام والحكماء ،وقد اختار العام 556( ق.م) تاريخا لوقائع حدثت في بابل في قصدية يحيل فيها الى أمور عدة ،فالتاريخ يحيل بالهجري الى سقوط بغداد على يد المغول ، وبابل ما مرت به تحيل الى بغداد في الوقت الحاضر التي يرى انها اخذت تتداعى مثلما تداعت بابل من قبل ، والحقبة التاريخية التي اختارها مضمارا مكانيا وزمانيا تضمنت احداثا تتماهى مع ما يحصل من أحداث في الوقت الحاضر ،وبالنسبة لاختيار الشخصيات أيضا ينطلق من قصدية فالملك نبو نيد يمتلك صفات أرادها الروائي ان تكون حاضرة في (شوقيا) البطل فهو يتفرد عن ملوك العراق القديم بما امتلكه من روح البحث والتقصي عن أخبار الماضي والاعتكاف للتأمل والتفكر وهذه الصفات رافقت (شوقيا) على طول الرواية فهو دائم السؤال والانتقال عبر الزمان والمكان بحثا عن أجوبة ،وقد استلم نبو نيد الحكم في بابل وهي تترنح تحت وطأة المشاكل التي خلفها الحكام السابقون وأهمها المشاكل الاقتصادية الواسعة بسبب الحروب المتعددة التي خاضها الحكام البابليون منذ ايام نبوخذ نصر واستمرت في عهد خلفائه ، ورغم اهمية المشكلة الاقتصادية وانتشار الغلاء في بابل ،وتأثيرها المباشر على الأوضاع التي سادت خلال تلك الفترة، إلا أن التحدي الديني كان يشكل المشكلة الرئيسية التي أدت إلى انهيار مملكة بابل وسقوطها ومع نهاية حكم نبو نيد انتهى الحكم الوطني في بابل ،وهنا يشير الروائي بشكل غير مباشر الى مشكلات الواقع التي لا تختلف عما كانت عليه بابل وللأسباب نفسها: الحكام وأدعياء الدين ،لينجح في تمرير إشارات تحيل الى الواقع ، وتبرز القدرة العالية في استثمار تقنيات السرد وإمكانات اللغة ، وبشكل خاص الشعرية منها في استثمار التاريخ بطريقة مميزة ومتفردة دون الوقوع في مصيدة الرواية التاريخية، فهو يجمح بالخيال ليخترق "حدود المعقول والمنطقي والتاريخي والواقعي ليخضع كل ما في الوجود لقوة الخيال المبدع المبتكر الذي يجوب الوجود بإحساس مطلق بالحرية المطلقة"[1] وهذا ما يحسب للروائي شوقي كريم بعد ان أسقط على الحقائق التاريخية تصوراته، وتلبست بخياله ورؤاه التي كانت حاضرة على امتداد الرواية ،فبهذا الخيال ينتقل الراوي البطل (شوقيا )الى عمق التاريخ ويتجول في فضاء الميثولوجيا ثم الى الحاضر في حوار مع معلمه يقدم فيه رؤية الخاصة للواقع قد تقترب من الواقعية السحرية الا أنها لم ترتم في أحضانها بشكل كامل ، بل أخذت منها خلط الواقع بالميثولوجيا ،لتنفرد هذه الرواية بالتداخل على مستويات عدة : الاجناس والتقنيات السردية وعناصر السرد واللغة ،فالرؤية السردية في الرواية تارة تكون من الخلف ،والسارد يعرف كل شيء وتارة تكون مصاحبة أي يعرف بقدر معرفته الشخصية باستعمال ضمير المتكلم ، أما السرد في هذه الرواية فهو سرد متناوب، فالسارد ينتقل من قصة الى أخرى ففي الرقيم الثاني عشر الذي يتضمن (مسلة الأسئلة ومسلة الأجوبة ومسلة المصالحة ومسلة الشيء والسمر والاناشيد )[2] ينتقل من قصة الى أخرى بسبب التوظيف الواسع للتقنيات السردية من الحوارات والوصف الذي تنوع بين وصف للشخصيات والامكنة والأحداث والأفكار التي تراود السارد على طول الرواية ،فالراوي شوقيا يبحر بالمتقي ،منطلقا من الحاضر بما فيه من انكسارات وانهيار الى الماضي في رحلة زمكانية تنقله إلى أماكن وأزمنة أخرى ، لم يكن يعلم عنها شيئا وينعكس ذلك على ذات المبدع الذي غاص في عمق التاريخ ليسرد أحداثا ،وينقل حوارات عديدة يتماهى فيها مع واقع مثقل بالأسئلة الوجودية التي تدور في ذهنه ، لتعكس معاناة الرعية من ويلات الكهنة الانتهازيين الذين شكلوا حلقة الوصل بين الالهة والرعية ،و يؤكد الروائي في توضيح المقصد ان التشابه بين من تضمنته هذه الرقم من أحداث وشخصيات قد تتماهى مع ما موجود في هذا العصر هو استشراف للواقع[3] وقراءة فاحصة للواقع، فالأحداث التي يسردها في هذه الرواية لا تنطلق من حدث حقيقي بتفاصيله بل يتخذ الروائي ملامح هذا الحداث من التاريخ ويوظف خياله فيعيد ترتيب الشخصيات مع الأحداث بطريقة خاصة تتماهى مع قراءته للواقع ،لتحقيق ما أراد الوصول الى لتتخذ الأحداث والشخصيات مواقف ودلالات جديدة نابعة من خيال الروائي لتحقيق وظيفة خاصة ،ولم تكن البيئة بعيدة عن اهتمامات شوقي في هذه الرواية اذ تحيل الى بيئته التي يعيش فيها ،وقد دون الروائي تصوراته في الرقم التي قامت عليها الرواية ، اذ يتداخل فيها الواقعي بالاسطوري بأسلوب متميز ومؤثر في ترابط الأفكار وتناغم العبارات وتقابل المواقف وجدلية الصراع وتوتر الأسئلة وانتظار الخلاص فهناك" مجموعة من وجوه ثابة ومنظمة ومقعدة وملحة ترد فيها الاشكال المختلفة للدال الاسطوري فتترتب وهذه الاشكال شفافة بحيث أنها لا تؤثر في طواعية الدال غير أنها مُمَفْهَمة بما فيه الكفاية للتكيّف مع التمثيل التاريخي للعالم "[4] ، لقد استطاع شوقي في هذه الرواية ان يدير الحوار بين الماضي والحاضر بحثا عن أجوبة لأسئلة تدور في ذهنه وتتجلى في واقع تغتصب فيه الدكتاتوريات بأشكالها المختلفة أحلام الشعوب، فالحكمة والمعرفة اللتان طالما لهج بهما في وقوفه في حضرة الالهة والحكماء كانتا وسيلته للوصول الى حلمه الذي ظل يبحث عنه مثلما كان كلكامش يبحث عن عشبة الخلود ، عسى ان يصل اليها في نهاية المطاف ، فشوقي في عودته للتاريخ وتحويله إلى أداة ديناميكية جعلت الرواية تتماهى مع هموم ومعاناة وتطلعات الانسان في الوقت الحاضر ،والرغبة في مساءلة الواقع ، بحثا عن الحكمة الفاعلة التي تحدث نقلة في الحياة وتخرج الانسان من حيرته ليتحول من شتات الضياع الى فضاء السلام والحرية. وبالعودة الى عنوان الرواية بوصفه عتبة دلالية بما تحمله من رمزية تفتح الأفق أمام القارئ في مسارات متعددة في متاهات الرواية على مستوى الاحداث واللغة بتنويعاتها(تراتيل وتساؤلات وتأملات شعرية وحوارات) اللُّبَابُة مؤنث لُبابٌ خالص كل شيءٍ فاذا كانت كلمة لبابة تشير الى أصل الس أو خالصه فانّ السر يحيل سبب المعاناة الى يعيشها الناس في الواقع المعاصر الذي يربطه الروائي بالأحداث التي يسردها في رقم الرواية ، اذ يتداخل الزمن الماضي بالحاضر ويتداخل التاريخ بالواقع ليصبح الزمن مطلقا ، حيث يتمركز البطل الراوي العليم (شوقيا) بين الماضي المتمثل بالآلهة وملوك بابل وسومر واور والحاضر المتمثل بالمعلم الذي يمثل الامل بالخلاص من ويتجسد ذلك بالحوارات ،فتارة يذهب للماضي ليحاور الالهة ( سن ..مولاي الأجل ..أريد المعرفة ،فثمة في رأسي أسئلة أتعبت حضوري ..وبت أراقب حضورك ساهرا!!)[5]،وتارة يبقى في الحاضر فيحاور معلمه الذي يمثل الدليل والمرشد الى طريق المعرفة والخلاص(معلمي أو رأيت ما أراني إياه الحرف ؟) وتأتي اللوحة الغلاف لتعكس الثيمة التي تقوم عليها الرواية وهي انتهاك السلطة المتمثلة بالآلهة والحكام والكهنة لمنظومة القيم واستباحة حقوق الرعية ونشر الظلم، فالحاكم المتعالي على الرعية وهيكل السلطة الجاثمة على أرواح الناس علامات تحيل الى أحداث الرواية.
تحولات اللغة وتداخل الأجناس:
يعدّ أرسطو الملحمة و المسرح و الشعر الغنائي الأجناس الأساسية للشعر[6] ،الا ان النصّ الأدبي لم يلتزم بهذه القواعد النوعية، اذ تحررت الرواية الحديثة من هذه القواعد وعمدت الى تداخل الاجناس ، وفي رواية "لبابة السر" التي يتداخل فيها التاريخي والاسطوري بالعجائبية السحرية بالاعتماد على التاريخ والاسطورة والميل الى سرد الأحداث تحت مظلة خيالية وتقديم الشخصيات من خلال رؤية ذاتية، تقوم على التخييل لتقترب من ملامح العجائبية السحرية ، كان تداخل الأجناس سمة مهيمنة فالقارئ لهذه الرواية يجد نفسه أمام خطاب متنوع بين السرد والشعر والمسرح ،وهذا التداخل أحد سمات رواية ما بعد الحداثة اذ تنتهك الكتابة الأنواع او تتجاوزها او تزعزع الحدود التي تخفي وراءها هيمنة أو سلطة فبختين يرى خاصية تعددية الخطاب خاصية للرواية[7] فالرواية عملية إبداعية منفتحة لتَعَدُّد أسلوبي صوتي لغوي يميزها عن الشعر مؤكدا بذلك على صفتين أساسيتين مميزتين لنسيج الخطاب الروائي، و هما: تعدد الملفوظات و التناص[8] ،اذ تبدأ الرواية بالسرد الذي يقوم في جانب منه على وصف موت (الالة -الحاكم مردوك )واحتراق (بابل)اذ يقول (كيف سوّلت له نفسه وهو الرب العارف بأن يتخلى عن صولجان ربوبيته ومنحه سنابك الخيل وجنون الخيل العطشى الى سمرة الأجساد ويعلن عجزه فاحترقت بابل وغدت في لحظة زمن خارج عالمه الفعلي انثى لمعالم الخوف ،فبدأ يتناسل سريعا لينجب أربابا من المخاوف والآثام ،أربابا صغارا لكنهم أبدا يجعلوننا نتذكر أن الرب الأول كان وهما تحيطه هالات من التراتيل التي صنعتها عقول كهنة ٍ منتفعين )[9] فالسارد هنا يعود للتاريخ لينبه الى خطورة تسلط الحكام الذين منحوا انفسهم صفة الألوهية ليعبثوا بالبلاد والناس فتسلطهم وغرورهم وعنادهم كان سببا لخراب البلاد ، فالروائي هنا يستشرف الحاضر والمستقبل من خلال استرجاع التاريخ بما حفل من خراب ودمار ،فبابل هي الوطن ومردوك هو كل حاكم لا يحافظ على البلاد ويظلم الناس ،لذلك يتكلم الراوي بضمير المتكلم للجماعة فيقول متسائلا (الى اين تراها تتجه بنا السنوات؟!!! وما الذي يمكن ان يفعله متسولو بابل وشحاذوها وسدنة البغايا بعد انى غادرنا مردوك وتتبع خطواته مئات الآلهة المحروقين بالانكسار؟!!)[10] فبعد أكثر من عشر صفحات من السرد الذي يتخلله الوصف للمكان والشخصيات التاريخية ينتقل الراوي (شوقيا) الى سلسلة من الحوارات التي تمتد الى أكثر من خمس عشرة صفحة متنقلا من الحاضر في حوار مع معلمه، الى الماضي في حوار مع الملوك (سن، نبو نيد) ففي جانب من حوار الراوي (شوقيا) مع معلمه الذي تتجلى فيه ارتباطهما بحضارة وادي الرافدين ورموزها وأساطيرها فهي المعين الذي تتماهى معه تساؤلاته وتأملاته فيقول: (- معلمي ،أو رأيت ما اراني اياه الحرف؟
بلى!!
والسر يا معلمي
_ نعم ..ارتجف جسدي وفاضت روحي بأسئلة الاستقرار لأعماقنا …وفجأة معلمي رأيت وهجا من ضوء يسري في دواخلي ،ضوء تكشف لحظة أغمت عيني اضطراربا عن وجه سيدي الرب الأخضر …..)[11] فهذا الحوار الذي يمتد لأكثر من تسعة صفحات يقطعه الروائي بالسرد لنرى تداخلا للأجناس في متن الرواية ،اذ تتوزع بين السرد والحوار مناصفة الى حدما ، فالأحداث والأفكار تصل للمتلقي من خلال الحوار ليظهر بشكل جلي البعد المسرحي في الرواية اذ تتضح الاحداث من خلال الحوار وهذا ما تقوم عليه المسرحية خاصة اذا ما عرفنا بان الروائي شوقي كريم له تجربة في كتابة المسرحية ، علما بأن هذه الأجناس تتميز بمعايير شكلية تتصل بالأداء، والإنشاد، والقص، فضلا عن معايير بلاغية ترتبط بالقول أو تاريخية ترتبط بعمر البشرية البدائي والقديم والحديث[12] . انّ البعد التجريبي والرغبة في الانفتاح على الاجناس والايمان بأن لغة الشعر هي الاقدر على تقديم الوصف بأشكاله المتعددة خاصة اذا ما عبر عن رؤية ذاتية وتأملية للراوي مما يتطلب المهارة في التعبير وتوظيف الفنون البلاغية مما يضمن التكثيف الدلالي والتعبيري، وقد كان توظيف تقنيات مثل التناص، والتقعير، والاسترجاع، والتغريب، الإيجاز، العجائبية، تداخل الأزمنة قد مهد لانفتاحها على الشعر ، فتارة نجد اشبه بالمقطوعات الشعرية التي يصفها السارد بالأناشيد والأغاني ،ففي الرقيم الثاني عشر الذي يعطيه الراوي الرقم (7) ويعنونه ب(رقيم في توضيح الرغبات ) يتخلل الشعر السرد فيأتي على شكل جمل مكثفة دلاليا وذات ايقاعات دلالية دعت الراوي يفصل بينها بخط مائل اذيقول :(// بعناد الصيادين /وجنون بغايا اوروك /وغياب الكهنة الماجنين /تقيم الرؤيا /قيامة الفوضى في نهر الأرواح /تعلن حقّ السفر بخطو المسافرين الحاملين لتعب الانتظار /ما الذي يعطي للمعنى أبدية الورد /وللعمر درر الغيابات /عمر اوردتنا النازفة للأحزان والخوف /)[13] ، فاللغة هنا شعرية تقوم على التكثيف والموازنات الدلالية التي تخلق ايقاعا دلاليا فضلا عن رمزيتها والاستعارات التي يوظفها الراوي (أبدية الورد، درر الغيابات، النازفة للأحزان) ومثل هذه اللغة نجدها على نطاق واسع في الرواية ،ومن ذلك ما يأتي على شكل مقطوعات شعرية أو أناشيد أو أغنيات مثل ما يسرده عن انليل الذي تطربه الأغنيات وترن القيثارة بعذب النغم فيقول:
يا ليل … يا وحشة العاشقين
يا ليل … يا سؤال حزين
يا جامع الآفلين
[1] الأدب العجائبي والعالم الغرائبي في كتاب العظمة وفن السرد العربي، د. كمال أبو ديب، دار الساقي، بيروت، ط1 ،2007، ص1
[2] لبابة السر: ص118 -138
[3] المصدر نفسه: ص4
[4] أسطوريات، رولان بارت، ت توفيق قريرة، دار الجمل، بيروت، ط1، 2018، ص290.
[5] لبابة السر: ص17
[6] ينظر: مدخل لجامع النص-جيرار جنيت ت: عبد العزيز شبيل –المشروع القومي للترجمة ،1999، ص: 7
دراسة في نظرية الأنواع الأدبية المعاصرة تودوروف وآخرون، ت خيري دومة، دار شرقيات، ط1 1997 ،ص217 [7]
[8] ينظر: الخطاب الروائي ، ميخائيل بختين، ترجمة محمد برادة ، دار الفكر للدراسات ، القاهرة – ط1 ، 1987 ، ص 15-16
[9] لبابة السر: ص8
[10] المصدر نفسه: ص12
[11] المصدر السابق: ص20
[12] ينظر: معجم مصطلحات نقد الرواية، لطيف زيتوني، مكتبة ناشرون، لبنان، ط1 -2002، ص 6.
[13] لبابة السر: ص118
**رد الكاتب شوقى كريم
خص الاستاذ الدكتور سعد محمد التميمي رواية لبابة السر بدراسة علمية مهمة وهي الدراسة التي تحمل رقم 31 عن الرواية وعوالمها.. اقول شكرا للعزيز الدكتور فلقد اسعدني جدا ما كتبت وقلت


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.