إن الإنسان ليس كيانا مادياً، يأكل ويتكلم وينام، ويعمل، فحسب، بل هو كيان معنوي يَحمل في داخله مشاعر مختلفة وأحاسيس متنوعة، منها: الحب والبغض، الفرح والألم، الحزن والسعادة. والإنسان بحاجة لمنفذ يتنفس من خلاله ويفرغ به أحاسيسه ومشاعره، ولعل خير منفذ هو الأدب، فالأدب هو تعبير صادق عن تفاعل الإنسان وأحاسيسه. وليس مجرد وسيلة للتعبير عن حياة الإنسان ومرآة المجتمع والأحداث والتاريخ، وإنما هو أيضاً وسيلة لتبادل الأحاسيس والمشاعر ومشاركتها مع الآخرين. ويرتبط الإنسان بالأدب ارتباطاً عميقاً وقديماً جداً، بقدم الحضارات والثقافات، وهذا الارتباط يدل على أهمية الأدب بالنسبة للإنسان، وتأثيره الكبير في حياته على مر العصور، حتى إن الأدباء القدماء استخدموا الأدب لتدوين تاريخهم وأحداث حياتهم، كما يستخدم الأدباء المعاصرون إمكاناتهم الكتابية بالتعبير عن وقائع حياتنا. هنا نتساءل: ماذا يضيف الأدب في حياتنا؟ وما الذي نرجو منه؟ وما الفائدة التي قد تعود علينا إن اقتحمنا الأدب قراءة أو كتابة أو تذوقاً؟ ناهيك عن أسئلة أخرى كثيرة تطرح حول الأدب وقيمته في حياة الإنسان. من ناحية أخرى، هناك صلة قوية بين الأدب والحياة، ففي الحقيقة الحياة هي موضوع الأدب، وهي التي تزوده بالمواد الخام، والأدب بدوره يعرضها بشكل فني. والأدب أيضاً، هو تواصل خبرة الكاتب مع الحياة، ولذلك نجد الأدب الذي خلّده التاريخ بمثابة مرشد للمُثل والقيم الإنسانية التي من خلالها يفهم الإنسان حياته وحياة الآخرين، كما يتيح له الفرصة لإلقاء نظرة عميقة على أوجه الحياة المختلفة. كما أنه قادر على تغيير رؤية الإنسان للحياة، خلال ما حققه الأدباء من إنجازات قيمة أسهمت في الارتقاء بثقافة ومفاهيم المجتمع. ويجسّد الأدب المواقف واللحظات الحياتية المؤثرة حتى يستطيع الإنسان أن يتخيلها أو يعيشها واقعاً أمامه، إلا أن هذا الدور قد يكون إيجابياً أو سلبياً حسب توجهات الأديب وقناعاته الفكرية، فالأدب بكل أشكاله، له تأثير خفي على مشاعر الإنسان، ويؤثر في النفوس ويثير العواطف. والأدب هو الذي يُخرج الإنسان من العالم المزدحم الضيق الذي يعيش فيه، وينقله إلى عالم فسيح بهيج، عالم يعيش الإنسان فيه وحيداً مع خوض الرواية أو أحاسيس ومشاعر أو تصورات الخاطرة أو مشاهد المسرحية. الأدب فن من الفنون الجميلة التي تصور الحياة بما فيها من أفراح وأتراح، وآمال وآلام، من خلال ما يختلج في نفس الإنسان ويجيش فيها من عواطف وأفكار بأسلوب جميل وصورة بديعة وخيال رائع. ويقدم الأدب نماذج متباينة من آليات التفكير، سواء على صعيد الفرد أو المجتمعات، وذلك في إطار حدث وتاريخ، كما يوفر للفرد فرصة التعرف على العالم خارج إطار ذاته، ليتنور فكره ويحظى بفرصة محاكمة الأشياء، من خلال منظوره وفهمه الغني للحياة. والأدب هو مأثور الشعر الجميل والنثر البليغ الذي يحرك الوجدان ويثير العواطف، وهو الذي يريح الإنسان من هموم حياته، فكم هي الراحة النفسية التي ستحصل عليها، إن أمسكت ديواناً شعرياً يعج بأعذب الألفاظ أو رواية مليئة بالتشويق والإثارة وقرأتها بعد يوم متعب، أنهكت به من كثرة العمل، ما يعني أن الأدب يقدم للإنسان المتعة العميقة، التي تتمثل في إغناء حياته على الصعيدين المعنوي والروحي، وإضفاء المعنى الشامل الذي يتجاوز تفاصيل حياته اليومية. إن الأدب يمنح الإنسان الفرصة للتفاعل مع مشاعر الشخصيات التي يصفها، ويتيح له الفرصة لاختبار الأفكار التي تُطرح في عالم أدب الخيال، ويضيف عليها بعض الألوان الزاهية الجميلة.