المساعدات المالية التى رصدتها قطر والمقدرة ب 5 مليارات من الدولارات، منها مليار منحة لا ترد و4 مليارات كوديعة وحزمة ثالثة بمقدار 18 مليار دولار للاستثمار فى مصر، تستحق الوقوف عندها طويلاً وواجب اولا ان نقدم الشكر لأمير قطر سمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني والشعب القطرى الكريم، فمعدن الرجال يظهر وقت الشدائد، فكل التحية لقطر حكومة وشعباً على مساندتها مصر في وقت تحتاج فيه للمساندة بالفعل، بمرورها بمنعطف اقتصادي خطير، بعدما تنصلت دول كثيرة من مسؤوليتها تجاه مصر وشعبها سبق أن سالت الدماء المصرية الطاهرة لخير اجناد الأرض على أراضيها..التحرك القطري جاء من خلال أرضية ثابتة أرساها أميرها خلال سنوات كثيرة مضت بضرورة تفعيل دور بلاده عربيا وعالميا بحسب سياسة متبعة بشكل رائع وناجح، يحسب لقطر الصغيرة فى مساحتها الكبيرة فى أفعالها تجاه الأشقاء ودول كثيرة صديقة، واعتبر البعض أن المساعدات القطرية لمصر ما هى إلا اهانة تبتلعها مصر مجبرة، ولا نقول لهم سوى كما يقول المثل الشعبى المصرى"أقرع ونزهي" .. ويقول محمد حسنين هيكل الذي يثقون به كثيرا ويستشهدون به دائما فى سلسلة حواراته مع لميس الحديدي على قناة ال CbC بأن أمير قطر سمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثانى صادق فى مشاعره تجاه مصر وشعبها ويريد مساعدتها بالفعل لتسترد القاهرة دورها الاقليمى بقوة وتلعب دورا فاعلا فى محيطها العربى والاقليمى كدولة عربية محورية سبق لها أن كانت لاعبا أساسيا فى السابق قبل أن يضيع دورها الرئيس المخلوع على مدار ثلاثة عقود ويهدره تماما بامتياز، وخرج البعض يؤكد أن قطر الصغيرة تتطلع للعب الدور الذى يفترض أن تلعبه مصر وتسعى جاهدة بسحب البساط من تحت أقدامها بمباركة أمريكية وربطوا ذلك بسياسات قطر والدور الذى تلعبه قناة الجزيرة فى السنوات الماضية، وتوترت العلاقة بين القاهرة والدوحة فى عهد حسنى مبارك بصفة دائمة وظل الصراع شبيه بالنار التي تحت الرماد، حاول كل طرف على ألا يشتعل فى أى وقت، رغم سخونة الأجواء فى القاهرة بصفة دائمة ومهاجمة الإعلام المصري لقطر فى مناسبات كثيرة حتى اليوم، متهمين البلد الصغير بسرقة الدور المصرى.. وهم فى الاساس من أضاعوا هذا الدور بفعل سياسات خاطئة وفساد اكل جسد الأمة وانهى عليها اقتصاديا، فطبيعي ان يتراجع دورها لصالح قوى سياسة اخرى تشهد اقتصادياتها نموا متسارعا تعد وتيرته الأعلى فى العالم، كما فى حالة قطر، لكن هيكل فى حواره مع لميس الحديدى أنهى هذا الجدل بالتأكيد أن أمير قطر ، "يرى أن عودة الدور المصرى ضرورى لتكون مصر حائط الصد العربى الأول وبها تصعد كل الدول العربية"، كما كان قبل عهد حسنى مبارك رغم تصدع هذا الدور فى فترة ما، بتوقيع الرئيس الراحل السادات معاهدة السلام مع اسرائيل وجبهة الرفض التى قادها الرئيس العراقى صدام حسين وقتها، ورحل السادات ولم يسع مبارك من بعده لاسترداد دور مصر، قابله صعود لنجم العراق بحربها مع ايران وتقدم صدام حسين الصفوف بمباركة من مبارك نفسه الذى قبل بتقزيم دور مصر بغباء شديد يحسد عليه، واستغل النظام العراقى الموقف جيدا الى ان غزا الكويت،لتلعب مصر الدور المحورى فى تحرير الكويت،ومع ذلك لم يستغله حسنى مبارك، ورضى بدور التابع للسياسة الامريكية فى المنطقة، فكان من الطبيعى أن تصعد دول أخرى تسعى للعب دور مهم منها قطر وتركيا وما تشهده الأخيرة من تطور هائل وبزوغ نجمها بشدة لتستعيد جزءا من بريق الدولة العثمانية،إذن اللوم يجب أن يوجه لنظام سابق فاشل ارتضى بدور التابع ولا يوجه لقطر.. فمن يتهمونها اليوم بأنها تهين مصر بمد يد العون لها بالمساعدات التى تعد بالمليارات فى وقت تحتاج فيه لأشقائها بالفعل ليقفوا الى جانبها هم مخطئون، ماذا كنتم تنتظرون إذن أن تعلن مصر إفلاسها؟ لتبقوا أنتم مرفعى الرأس، وتثبتوا جدوى تحليلاتكم بأن الاخوان والرئيس مرسى كانوا الخطيئة الكبرى ولابد لهم أن يرحلوا بعدما خربت البلد على أيديهم..!. وفى شهر يوليو 2012 حاولت صحيفة "الجارديان" البريطانية في تقرير مطول للكاتب "بيتر باومنت" الإجابة عن سؤالين، أولهما: ما الذي تريده قطر من سياسة خارجية تجمع ما بين الاعتماد على القوتين الناعمة والصلبة معاً؟ وكيف يمكن لبلد صغير أن يحظى بكلّ هذه الأهمية.؟ والسؤال الأخير هو التساؤل نفسه الذي أطلقه المخلوع حسني مبارك عندما زار قطر عام 2001، وشاهد مقر قناة الجزيرة حيث تساءل بدهشة: "هل كلّ هذه المشاكل تأتي من علبة الكبريت هذه؟"،والاجابة كانت عند الخبيرة في الشؤون الخليجية جاين كينينمونت والتى قالت: "عليك أن تنظر إلى موقع قطر على الخارطة لتدرك أنّها بين جيران لهم ثقلهم". وتضيف: "هنالك شعور في أنّها تحتاج إلى الكثير من الحلفاء. لذا فإنّ قطر تسعى إلى تحالفات مع الدول الأكبر والأصغر على حد سواء لتتمكن من الاعتماد عليها في أماكن كالجمعية العامة للأمم المتحدة".أما مدير الأبحاث في معهد "بروكنغز" بالدوحة شادي حميد فيقول إنّ قطر تقودها سياسة خارجية "خلاقة" مكنتها من اكتساب الصداقات،ومع ذلك فإنّ هذا لا يفسر صعود قطر كلاعب دولي أكبر من وزنه على حساب دول اقليمية أخري، والواقع أنّ قطر استفادت من مجموعة من الأحداث المعقدة اجتمعت سوياً من جانب الشخصيات القوية لأمير قطر سمو الشيخ حمد بن خليفة ورئيس وزرائها الشيخ حمد بن جاسم، وهي تركيبة تتجاوز الحديث عن التباهى بالتحقق الذاتي الذي تعلنه. وترى كينينمونت أنّ قطر لم تكن حاضرة فى المشهد بقوة قبل 15 عاماً، اما اليوم فنعلم عنها لا فقط بسبب استثماراتها الكبيرة في أماكن كلندن، بل أيضاً بسبب سياساتها الخارجية، حيث تنخرط في سلسلة احداث مهمة جداً في العالم". وكانت استراتيجية قطر مشابهة تماماً لزمن لاستراتيجية "صفر مشاكل" التي اعتمدتها الخارجية التركية. لكنّ الربيع العربي الذي أوجد قادة آخرين، حاصر فرصتها في الحصول على دور أكبر في المنطقة. وعلى الرغم من كونها دولة ذات نظام أميري، فإنّ قطر لم تجد تناقضاً في وضع ثقلها خلف التحركات الشعبية الساعية للإطاحة بالقادة العرب، وهو موقف ينظر إليه في المنطقة من قبل البعض بشكوك عميقة. ويقول حميد إنّ "الربيع العربي بدّل كلّ شيء، فمن بين الدول العربية الرائدة كانت قطر الوحيدة التي تصدرت التغيير في الربيع العربي وأبدت استعدادها لخوض المخاطرات". ويعترف حميد أنّ "لكلّ شيء ثمنه. فالمعارضة ضد قطر سوف تزيد. وهنالك خطر كبير بانتكاسة، لكنهم يعلمون أنّ ذلك يمضي جنباً إلى جنب مع المكاسب الإقليمية" ويختم التقرير بالقول إنّ قطر الإمارة الصغيرة ربما تكتشف تماماً، كما اكتشف آخرون من قبل، أنّ الواقعية حول القوة الصارمة أو الصلبة، تتفوق على تكلفة القوة الناعمة ودهائها التجارى، بما في ذلك عروض الليزر المبهرة والأبراج البراقة..التقرير يؤكد أن قطر لم تسع قط لتقويض دور القاهرة ولعب دور أكبر من حجمها كما يقول البعض، وإلا ما اتجهت لمساعدة مصر بقوة بالافعال لا بالأقوال،وهى تعلم تماما ان استرداد مصر لدورها الاقليمى سيكون لها لا عليها، ولن يّغُيب دور قطر وتطلعاتها وسياستها المحسوبة بدقة لا العشوائية ولا المرتبكة، واستثماراتها التى غزت العالم وهذا حديث آخر. **كاتب المقال صحفى بجريدة الراية القطرية