فى ذكرى احتفالنا بمرور عام على ثورتنا المجيدة 25 يناير ..مررنا خلاله بمنحنيات خطيرة ،وسقط من سقط من الشهداء ،ولكن توجت ثورتنا لأول مرة بانتخابات نزيهة ،خرج المواطن يعطى صوته لمن يستطيع تلبية احتياجاته ،والثمرة الوحيدة التى حصدها الشعب المصرى هى تلك الانتخابات ؛فكان فى الماضى لو خرج يعطى صوته للإخوان كرهاً فى الحزب المنحل ،ولكن اليوم خرج بكامل ارادته وأعطى صوته للإخوان وللسلفيين ،وغض بصره عن الثوار ، وحجته نجربهم ،والكرة الآن فى ملعب تلك التيارات الإسلامية التى لم يشارك أحد منهم فى الثورة ،اللهم إلا شباب الإخوان الذين كسروا تعليمات المرشد ،وخرجوا فى 25 يناير ،أما باقى الجماعة فلم تخرج إلا فى الثامن والعشرون من الشهر نفسه ؛أما السلفيون فلم نراهم فى الميدان إلا بعد تنحى المخلوع ،بل وصل بهم الأمر إلى صياح بعضهم على الفضائيات ليحرم الخروج على الحاكم ، وكان حصاد عام كامل أنهم حصدوا نتائج الثورة واستفادوا منها ،واختارهم الشعب طواعية ، بينما دم الشهداء ما زال طرياً ،ولم يأخذ من قتلهم عقابه حتى كتابة هذه السطور ،وأخشى ما أخشاه أن تكون المحاكمات فى النهاية "فشنك"ولا يثبت عليهم جريمة قتل المتظاهرين ، والكارثة أن معظم الشعب يهاجم الثوار الآن ،وتحديدا "حركة 6 ابريل"بل أطلقوا عليها مجازا "6 إبليس"؛وهؤلاء ومعهم الكثيرون أول من وضعوا مسمارا فى نعش النظام البائد ،ولكن تلك ثقافة المصريين ،التي لن تتغير بين عشية وضحاها ،فالقهر الإجباري الذي مارسه النظام السابق عليهم ، ما زال ساكنا بداخلهم ؛فبعدما كان يمشى جنب الحائط ،بل وصل به الأمر إلى الدخول فى أحشاء الحائط نفسه ؛وجاءته الفرصة ليتنفس هواءا نقيا ينتشي شذرات حريته ،ولكنه مصمم على الجلوس داخل الحائط ،وهذا ليس بغريب على شعب تتحكم فيه عاطفته ،وليس الصالح العام ،وهذا بفضل الأمية التعليمية التى وصلت نسبتها إلى 38 فى المائة ،ناهيك عن الأمية السياسية والثقافية ،وهذا ليس اتهام ولكنها الحقيقة المرة ،فالنظام البائد عشش فى رؤوسنا "أن من معه قرش يساوى قرش"بالفهلوة ممكن ..بالحرام ممكن "وليس بطاعة الله ،ناهيك عن الوازع الديني الذي استغلته التيارات الإسلامية ،فالشعب اختارهم ..ونحن موافقون على ذلك ونساندهم ،وأتمنى من الله ألا يعود الحزب المنحل فى صورة جديدة ،والشهداء لهم الله ..وليعلموا أن التركة مثقلة ،ولم يتغير شيئا فى الأمور الحياتية المصرية ؛فإذا كان هناك شهداء للثورة ؛فيوجد شهداء لكسرة خبز أو أنبوبة بوتاجاز ،أو موت فى عرض البحر لشباب فى عمر الزهور بحثا عن رمق العيش فى بلاد الله ،ومحاصيل إستراتيجية تودع الحقول المصرية كالقطن والأرز ،وفلاحون يخرجون فرادى وجماعات لرى أراضيهم التى أصابها البوار ،وكوب ماء صعب المنال ليستكمل سلسلة المعاناة والمرض لدى المواطن البسيط ..كل هذا يحتاج لحلول ،وليس إلى السياحة حرام ولا حلال ،ندخل الحمام بالقدم اليسرى ولا القدم اليمنى ،نرتدي الجلباب قصيرا أم طويلا،عليه جاكت أم بدون جاكت ..فاللهم أعنهم على هذه التركة المثقلة . فيكتوريا هذا الاسم "أثرى" وتنبعث منه رائحة تاريخنا العريق ،ولكن قصتها تقشعر لها الأبدان..وللأسف استولى على إرثها أحد الفلول الذى يتغنى ليل نهار بأن له رصيد من الحب لدى الشعب المصري ، ويهاجم كل رموز هذا البلد على "المصطبة "التي يجلس عليها يوميا ..ففكتوريا .ا.ع"من سرسق مركز طلخا بمحافظة الدقهلية ..مواطنة مثل ملايين المواطنين فى بر مصر المحروسة ..حضرت إلينا وبحوزتها حزمة من الأوراق ،بلغت من العمر أرذله ..فى بدايات العقد السابع من عمرها ..رسم الزمن عليها تجاعيده ،وسرق الشقاء منها الابتسامة ،لا تعرف القراءة والكتابة ،وعوامل تعرية الزمن الرديء وإفرازاته السيئة جعلها لا ترى بعينها ..تخبطت فى سيرها حتى وصلت إلينا ،تحمل فوق كاهلها ما تنوء عنه الجبال ،لها من الأولاد ستة ..مات منهم اثنين ،ويعيش معها أربعة ..كلهم رجال ..شيدت لهم منازل بشقائها وزوجتهم ،وبعد موت زوجها حاولوا التخلص منها "بالسم"على حد قولها من واقع المحضر الذى تحرر لهم ،نموذج من نماذج كثيرة أكل الزمن على دهرها وشرب ..جلست أمامى وانخرطت فى بكاء هادر ،لفت انتباه كل الزملاء ..فالتفوا حولها يهدأون من روعها ..كعادتنا نحن المصريين نقشعر عند البكاء ،ويرتسم الحزن على وجوهنا ،ونتضامن مع من يبكى ...يااااااه..زمن فقدنا فيه أبجديات التعامل مع بعضنا البعض ؛فتاهت المودة والرحمة فى دروب النظام البائد ،وأصبح الجشع والطمع عنوانا دائما لبيوتنا حتى مع أقرب الأقربين ،فلغة المال تقبع على أنفاسنا وأوصلتنا إلى قتل الأخ أخيه والإبن أبيه وأمه غير عابئين بالآخرة ونار جهنم التى سنكتوي بنيرانها إن لم نغير من تصرفاتنا ؛فالله سبحانه وتعالى أوصانا بالوالدين وتحديدا "الأم"فيقول المولى سبحانه"ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله فى عامين"،وروى لنا السلف الصالح حكاية الدكتور ووالده ..يقال أن رجلا على باب الله ،شقى حتى ربى ابنه ،فكان يحمل الابن فوق كتفه ،ويمر به فى شوارع القرية ،ويشترى له ما يطلبه ،وكان يتبول على أبيه ،وكان الرجل سعيدا بتبول ابنه عليه ومنتشيا لذلك ،وعندما بلغ الابن مرتبة من العلم وأصبح دكتورا ..أراد أن يرد لوالده بعضا مما أفاض به عليه ،ورفض الوالد لأنه لا يستطيع أن يرد ذرة مما فعله معه ،وأمام إلحاح الابن وافق الأب ،فطلب منه أن يحمله على كتفه ويطوف به فى جنبات القرية ،وفعل نفس ما فعله ابنه معه وهو صغير ،فرماه الابن من فوق كتفه قائلا:يا أبى أنا دكتور وتفعل معى هذا ..فرد الأب هذا بعض من كل يا ولدى. فالشاهد هنا أننا لا نستطيع أن نوفى آبائنا حقهم ،وقرآننا الكريم حثنا على ذلك "واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا"."وإن جاهداك على ألا تشرك بما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما فى الدنيا معروفا ". وعود على بدء لقصة الحاجة فيكتوريا ..لملمت أشلاء حسرتها على أبنائها وما فعلوه بها قائلة :زوجي كان شغال عند الباشا "سايس"ولما جه عبد الناصر الله يرحمه إدى لنا 4 فدادين بتوع الإصلاح "اثنين ليه واثنين لزوجى"،وكنت بسرح ب "خٌضّرة " وبصحى من الفجر ،وكنت عاملة "قلة"أحط فيها الفلوس ،واشتريت منها فدان ونصف ،وطلعوا فى المبانى دلوقتى ..اشتريت الأرض بتجارتى وحفايا ،وربطت عيالى على ظهرى عشان خايفة عليهم ،وبعد ما جوزى مات من 5 سنين كنت جوزتهم كلهم ،وبنيت بيت على ثلاث قراريط إلا ثلث ،وكل واحد قعد فى شقته ومنهم واحد قاعد بره بقاله 17 سنة ،وبعد الأربعين بتاع جوزى التقيت ولادى ونسوانهم عزمونى على الغداء ،وكانوا حاطين فيه "سم"بعيد عنك لقيت بطنى سكاكين بتقطع فيها ،رحت للدكتور فى البلد قالى ياحاجة إنتى كلتي حاجة سامة ،والسم ده بطىء ..أنا هبلغ ..وعملوا لى غسيل معدة ،والكبد بتاعى اتلط ومن يومها وأنا تعبانه،وعملت محضر لولدى الاثنين "يحمل رقم 58 لسنة 2007 إداري طلخا"بتهمة شروع قتل بالسم ضد ولديها ،وعملوا قاعدة عرفية وكان حاضر فيها رجل واصل من أهل القرية "على فكرة الأخ ده صاحب قعدات المصطبة إياها "هوه اللى دخل وحفظ المحضر وكان معاه واحد تانى "بينهما خلاف كبير الآن"وراحوا ولادى جايبين نسوانهم وضربونى ؛فرحت أنام عند الجيران ..وجاءوا ورايا وكسروا الشبابيك ،وبصمونى على ورق ،وقالوا للناس عشان تعرف تجيب "كيماوى"والورق ده كان عقود بيع منى لهم ،فرحت فى شهر ستة عام 2010مركز طلخا وعملت لهم محضر ،واشتكتهم فى نيابة جنوبالمنصورة وعند المحامى العام ،وأنا خايفة ليقتلونى لأنهم قالوا لى "هنفحر حفرة تحت العتبة وندفنك "،وكل ما أروح مركز طلخا يطردونى اثنين عارفين عيالى كويس وبيدوا لهم فلوس ..واشتكتهم لرئيس نيابة طلخا لأنهم قالوا لعيالى ارموها تحت القطر ..أنا مش عارفه ولادى كاريين عليا ليه ..ده أيام النكسة كانت عربية العساكر واقفة فى الشارع ،وكنت لسه راجعة من بيع الخضار ،وكنت حطه حتة طماطم وعليها "سم"عشان الفئران ،وابنى لما جاع أكلها شلته على صدرى وجريت به وأنقذته ،ودلوقتى عايزين يسمونى عشان الأرض ..أنا عايشه بمد ايدى للناس وربنا بيحنن قلبك وقلب غيرك ،وهو ابنك لو حلو معاك هتأسى عليه ..أنا عايزه حد يجبلى حقى وأعيش اليومين اللى عيشاهم مرتاحة ..همه دلوقتى عاوزين يصورونى عشان يعملوا لى شهادة أطفال . هذه مأساة فيكتوريا نعرضها لذوى القلوب الرحيمة ولأبنائها وللأخ إياه.. الذى استغل حزبه الواطى مقابل حفنة من الجنيهات لتدمير هذه السيدة .. الذين انتزعت من قلوبهم الرحمة ..ولكل المسئولين ..فهى مواطنة ..حتى لو بينها وبين القبر خطوة ..فلها حق علينا جميعا ..وعلينا أن نصفى قلوبنا من الضغائن ونلم شملنا الذى تاه فى غياهب هذا الزمن الردىء ..حتى بعد قيام الثورة..،وليعلم الجميع أننى نشرت مأساة هذه السيدة فى جريدة "الوفاق"فى شهر أغسطس 2009 والنظام البائد فى عنفوانه ،وبعدها أخينا بتاع "البط" طلب من المجلس المحلى لمحافظة الدقهلية بصفته رئيسا للجنة الإعلامية بمنع الصحفيين من دخول جلسات المجلس إلا بموافقة أمن الدولة وقتها!!واليوم ينصب نفسه متحدثا رسميا باسم المجلس العسكرى ..قمة الملهاة ..ويا لمفارقات القدر.