بقلم نرمين سعد الدين دائماً ما تردد علي مسامعنا كلام عن علاقة الحاج أمين الحسيني مفتي القدس بهتلر والنازية وتسأل البعض هل كان لأمين الحسيني دور فيما كان يفعله هتلر بيهود ألمانيا ؟ وتسأل البعض الأخر هل كان هناك علاقة بين مفتي القدس وهتلر من الأساس أم أنها دعاية يروج لها اليهود ليزيدوا من تعاطف العالم معهم ومع قضيتهم ؟ كلام كثير وجدل أكثر لهذا قررت أن أضع بين أيديكم في السطور القليلة القادمة حقيقة ما حدث بالفعل بين أمين الحسيني وهتلر . كان هناك بالفعل علاقة وثيقة الصلة بين أمين الحسيني مفتي القدس وهتلر قبيل الحرب العالمية الثانية وجاءت تلك العلاقة بسبب إيمان أمين الحسيني بأن انتصار الإنجليز يعني ضياع فلسطين وبما أن ألمانيا كانت عدوة لليهود فأنه رأي عملاً بمبدأ عدو عدوي صديقي أنه يمكن من خلال التعاون مع هتلر رأس الدولة النازية أن يمكن أن يفيد فلسطين بشكل أو أخر . بدأت أولي الاتصالات بين مفتي القدس وهتلر بعد ذهاب الحاج أمين إلى لبنان حيث أرسل د/ سعيد فتاح الإمام رئيس النادي العربي بدمشق إلى ألمانيا حاملاً معه مشروع التعاون العربي الألماني إلا أن السلطات الألمانية أعادته خائباً ، وكان هناك خطوات تمهيدية ونشاطات وتحركات سياسية علي الصعيد المحلي قبل ذهاب الحاج أمين إلي ألمانيا بشكل مباشر فمثلاً قابل يوم 15 يوليو القنصل الألماني في القدس وأبلغه معارضة عرب فلسطين لتقسم فلسطين وأعرب أمامه عن أمله في أن يحصل عرب فلسطين علي مساندة ألمانيا لهم ، إضافة إلى ذلك كانت هناك اتصالات للحاج أمين مع الألمان بهدف الحصول من ألمانيا على اعتراف بالاستقلال العربي والسيادة التامة للبلاد العربية . بدأت بعد ذلك الاتصالات السرية مع سفير ألمانيا في أنقرة فون بابن عام 1940م، ثم أرسل الحاج أمين عثمان كمال حداد إلى برلين حيث أجرى مفاوضات مع وزارة الخارجية الألمانية مطالباً باعتراف دولتي المحور باستقلال البلاد العربية وتعهدهم بعدم فرض إي صيغة تمس استقلال البلاد العربية أو إقامة وحدتها القومية وإعلان ألمانيا والنمسا أن ليست لهما أي مطامع استعمارية في مصر والسودان واعتراف دولتي المحور بأن الوطن القومي اليهودي كيان غير مشروع، ولكن الألمان لم يلبوا تلك الطلبات بحجة تعقيدات الوضع الدولي ، وبالرغم من ذلك أصر الحاج أمين علي استئناف التفاوض مع ألمانيا وأرسل عثمان حداد مرة أخرى إلى برلين في 20 يناير1941م حاملاً رسالة إلى هتلر تذكره بمطالب العرب القومية، وتؤكد عداء العرب لبريطانيا والصهيونية، وتعاطفهم مع دولتي المحور، واستطاع عثمان حداد من مقابلة مسئولين من وزارة الخارجية الألمانية، واخذ منهم وعوداً غامضة تعترف باستقلال البلاد العربية . بعد فشل المفاوضات مع دول المحور واحده تلو الأخرى قرر الحاج أمين أن يذهب لألمانيا وأن يقابل هتلر بنفسه ، ووصل برلين في 6نوفمبر1941م، والتقى مع سكرتير وزارة الخارجية أرنست فون فايتسكر، والتقى أيضا مع وزير الخارجية فون روبنتروب ثم قابل هتلر يوم 28 من نفس الشهر وطلب خلال تلك المقابلة إصدار تصريح ألماني باستقلال البلاد العربية والموافقة على استئصال الوطن القومي اليهودي، فأكد هتلر للحاج أمين بأن هدفه هو شن حرب لا هوادة فيها ضد اليهود، الأمر الذي سيؤدي طبيعياً إلى تحطيم ما يسمى بالوطن القومي اليهودي وتحطيم الشيوعية واليهودية، وإخراج الإنجليز من الشرق الأوسط ولكنه رفض إصدار تصريح استقلال البلاد العربية بحجة أن وقته لم يحن بعد . وتمكن أمين الحسيني خلال إقامته في ألمانيا من إنشاء إدارة سميت "مكتب المفتي"، كان لها نشاطات متمثله في الإذاعة بالمذياع وتنظيم عمليات فدائية في الشرق الأوسط ، وتجنيد مسلمي أوروبا وجنوب روسيا في وحدات عربية مسلحة، وتكوين فرق عربية مسلحة . ومع تزايد الانتصارات الألمانية في شمال أفريقيا ازداد اهتمام الألمان بالنشاط الألماني الإعلامي الموجه للبلاد العربية، فانشأ في 30مارس1942م مركز الإنباء العربي الذي تولى إدارته الصحفي اللبناني عفيف الطيبي، كما كان المعهد الإسرائيلي المركزي يقوم بترجمة خطب الحاج أمين في المناسبات العربية والإسلامية وينشرها باللغة الألمانية . لكن هذا الوضع لم يستمر طويلاً، حيث بدأت ألمانيا تخسر الحرب تدريجياً، فحاول الحاج أمين الهرب إلى سويسرا، غير أن السلطات الفرنسية رفضت السماح له بالإقامة، فحاول العبور إلى فرنسا، ولكن الفرنسيين القوا القبض عليه، وفرضوا عليه الإقامة الجبرية ولكنهم لم يسلموه للإنجليز كمجرم حرب، بسبب هروبه إلى القاهرة عام 1946م بواسطة جواز سفر مزيف وبقي هناك حتى نهاية الانتداب البريطاني على فلسطين . لم يكن أمين الحسيني سبباً لاضطهاد هتلر لليهود والا شارك في ذلك من قريب أو بعيد بل أنه بعدما رأي الإجراءات التعسفية التي اتخذتها الدولة الألمانية ضد رعاياها من اليهود تيقن أن هتلر ودولته علي عداء مع اليهود كجنس فحاول كرجل سياسة الاستفادة من وضع قائم بالفعل وعمل تحالف مع هتلر عملاًً بالمبدأ السياسي الشهير ( عدو عدوي صديقي ) والدليل علي ذلك أن العلاقات الألمانية الفلسطينية لم تبدأ بشكلها الواضح المباشر من خلال أمين الحسيني وهتلر إلا بعد قيام الحرب العالمية الثانية – وجميعنا نعلم أن اضطهاد هتلر لليهود بدأ منذ توليه الحكم كمستشار للرايخ وتطور حتى بلغ ذروته بعد ليلة الزجاج المحطم ( كريستال ناخت ) في 7 نوفمبر سنة 1938 م - ولكن آماله تلك تحطمت علي صخرة هزيمة ألمانيا وانتحار هتلر .