فى أى حرب أهلية، دائما ما تكون هناك لحظة ما قبل السقوط فى الهاوية.. قبل أن ينفجر الوضع، ومصر الآن فى هذه اللحظة، وفقا للكاتب الأمريكى البارز، توماس فريدمان، بصحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية أمس. فريدمان أردف بقوله، فى مقال، إن الكثير من المصريين، مع بداية شهر رمضان، يأملون أن يكون هذا الشهر فرصة لتجميع الأهل والأصدقاء من جميع الأطياف، لإيجاد نوع من المصالحة الوطنية. وتابع: «عندما كنت طالبا فى الجامعة الأمريكية بالقاهرة فى بدايات السبعينيات (من القرن الماضى)، لم أشهد مثل هذه الكراهية الشديدة التى أصابت مصر فى الشهور الأخيرة عندما كان نشطاء الإخوان يلقون بأعدائهم من على أسطح المنازل فى الوقت الذى يثنى فيه غير الإسلاميين على الجيش المصرى فى قتله لمؤيدى الرئيس المعزول محمد مرسى وهم يصلون. فمصر على المحك نحو الهاوية». وتساءل فريدمان: «هل يمكن لمصر أن تكون دولة موحدة أم تكون بلدا يمزقه شعبه مثل سوريا؟.. فعندما يكون الاستقرار فى مصر على المحك، فإن الاستقرار فى المنطقة بأسرها سيكون على المحك أيضا». ومضى قائلا: «أقدر الغضب الذى أثار غير الإسلاميين والليبراليين من الشعب المصرى إزاء حكم مرسى، لأنه ما كان له أن يكون رئيسا بدون أصواتهم، وقد انتزع لنفسه سلطات أكثر مع تراجع الاقتصاد المصرى. ولكن وفقا لعملية التحول الديمقراطى فى الوطن العربى، فقد قدمت مصر شيئا قيما عندما أطاح الجيش بالرئيس المعزول، ولم ينتظر أن يفعل المصريون هذا المرة بمفردهم فى الانتخابات البرلمانية التى كانت ستجرى فى أكتوبر القادم أو فى الانتخابات الرئاسية بعد ثلاث سنوات؛ الأمر الذى أعطى للإخوان المسلمين عذرهم». ورأى أنه «على غير الإسلاميين والليبراليين أن يعملوا مع بعضهم البعض، حيث تفتقر المعارضة إلى إجماع قائد ذى أجندة موحدة، وإن كانت قادرة على عمليات الحشد، على عكس الإخوان القادرين على الفوز فى الانتخابات، ولكن مفتقرين لفن الإدارة والحكم». وأضاف أن هناك «طريقة وحيدة لمصر كى تتجنب هذه الهاوية، وهى أنه على الجيش، السلطة الوحيدة فى مصر، أن يكون واضحا فى الغرض من الإطاحة بنظام الإخوان، وهو إعادة هيكلة الدولة وليس الانتقام، وبغرض وضع البلاد على مسار الانتقال إلى العملية الديمقراطية فى الوقت الحالى، وليس بغرض استبعاد الإخوان من العملية السياسية». ورأى فريدمان أنه «ليس من الواضح أن الإعلان الدستورى الجديد يمنح الإخوان المسلمين فرصة بسلطة مستقبلية حيث يمنع تأسيس أحزاب على أساس دينى، كما كان الوقع إبان فترة حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك؛ ما جعل الإخوان المسلمين يدخلون الحياة السياسية كمستقلين. فمصر لن تكون مستقرة بإقصاء الإخوان». واستدل بآراء الرئيسة التنفيذية لمركز مجاهد للدراسات الإسلامية فى واشنطن، داليا مجاهد، بأن «الديمقراطية فى مصر لديها فرصة إذا أدرك الثوار من مختلف الأطياف سواء كانوا من الشباب أو اليساريين والعلمانيين والإسلاميين، أن الوضع الراهن هو العدو الحقيقى لديهم ليس بعضهم البعض». وقال الكاتب الأمريكى إن «الإخوان المسلمين يمكن أن يقتلوا مزيدا من العلمانيين.. والجيش يقتل المزيد من الإخوان، ومع مرور عقد كامل، فإن الوضع الراهن سيفضى بهم جميعا إلى أن يكونوا قتلى.. وستشهد البلاد كارثة إنسانية. كما أنه فى ظل غياب حزب إصلاحى حقيقى يعمل على مزج الدين مع استراتيجية الحداثة، كما فعل الإصلاحيون المصريون فى القرن التاسع عشر، فإن المصريين سيجبرون على اختيار الأسوأ». ويرى فريدمان أنه «مع شعار الإخوان (السلام هو الحل)، ورغبة الجيش فى عودة الدولة العميقة، مثلما كانت فى الماضى، وإن كانت هذه الدولة العميقة سترسى القانون والنظام مع قمع الإسلاميين، فإنه لا يمكن أن يكون هناك نوع من التفكير فى إصلاحات تعليمية واقتصادية واجتماعية وقانونية». وأضاف أنه وفقا لتقرير التنمية البشرية العربية، التابع للأمم المتحدة الذى صدر فى 2002 على أيدى علماء أغلبهم مصريون، فإنه يجب أن يركز الشعب المصرى على بناء سياسات تتغلب على حالات العجز فى حرية التعبير والتعليم وتمكين المرأة، فهذا هو المسار الذى يجب على مصر أن تتبعه، وليس «مذهب المباركية» أو «المرسية» أو حكم العسكر.