بقلم علي بدوان جاءت خطوة رئيس وزراء الحكومة الانتقالية في رام الله سلام فيّاض محيّرة للمتابعين للشأن الداخلي الفلسطيني، ولمسار العملية السياسية مع الجانب «الاسرائيلي». فقد رفض سلام فيّاض ترؤس الوفد الفلسطيني لمقابلة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو في منزل الأخير في القدسالغربية، بغرض تسليمه رسالة القيادة الفلسطينية التي كثر الحديث عنها في الآونة الأخيرة. والرسالة المشار اليها كانت قد انجزت خلال الأسبوعين الماضيين بعد تعديلات متتالية أجريت عليها لأكثر من عشر مرات، وقد صاغتها الجهات المعنية في السلطة الوطنية الفلسطينية وفي حركة فتح، وتم بلورتها نهائياً بعد المداولات والمشاورات داخل أروقة السلطة في رام الله وفي هيئات حركة فتح القيادية، إضافة للمشاورات مع بعض الدول العربية والاستماع للموقف الأميركي الذي نصح على لسان وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون بتخفيف لهجة ومضمون الرسالة وتجنب ايراد مفردات القطيعة بين سطورها. مفاجأة سلام فيّاض المفاجأة التي فجرها سلام فيّاض، ليست سحابة صيف عابرة، وليست خطوة غير مدروسة أو تلقائية، بل هي خطوة تعني الكثير، وتحمل العديد من المؤشرات التي أقل مايقال عناها بأنها ذات مدلول سياسي عميق على ضوء الانحدار العام لمسار التسوية بين الطرفين الرسمي الفلسطيني و «الاسرائيلي» خصوصاً بعد فشل ما سمي في حينه مفاوضات التقريب التي قادتها وعملت على انجازها الولاياتالمتحدة، ومن بعدها المفاوضات الاستكشافية التي عقدت في العاصمة الأردنية عمان، وقد بان من وقتها بأن الموقف «الاسرائيلي» لم يتغير قيد أنملة، بل وقدم الموفد «الاسرائيلي» اسحق مولخو في المفاوضات المشار اليها التصورات «الاسرائيلية» ذاتها والتي دأبت الحكومات الاسرائيلية على اطلاقها دون أي تطوير، مع الاصرار على استمرار عمليات التهويد والاستيطان في القدس ومحيطها وداخل أحياءها، وقد انتهت عملياً الى لاشيء على الاطلاق. ومن المعروف بأن سلام فيّاض ومعه أمين سر اللجنة التنفيذية ياسر عبدربه من اشد أنصار العملية السياسية، ومن أشد أنصار خط المفاوضات السياسية، وقد عبر سلام فيّاض عن قناعاته مئات المرات في حديثه المتتالي عن الخيار التفاوضي باعتباره الخيار الوحيد أمام الفلسطينيين في الصراع مع الاحتلال «الاسرائيلي». لكن اللقاء مع نتانياهو عقد خلافاً لما كان مقرراً من حيث المشاركة والحضور، فقد كان متوقعاً أن يتم بين كل من سلام فيّاض، ورئيس دائرة المفاوضات في منظمة التحرير صائب عريقات وأمين سر لجنتها التنفيذية ياسر عبدربه عن الطرف الفلسطيني، وبنيامين نتانياهو عن الطرف «الصهيوني، الا أن اللقاء عقد في منزل نتانياهو في القدسالمحتلة مع رئيس دائرة المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات ورئيس المخابرات العامة اللواء ماجد فرج. ما الذي عدا عما بدا؟ فما الذي عدا عما بدا، ولماذا اقدم سلام فيّاض ومعه ياسر عبدربه على تلك الخطوة التي دفعت السلطة في رام الله في نهاية المطاف على تكليف صائب عريقات عضو اللجنة التنفيذية للمنظمة وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح بزيارة نتانياهو لتسليمه الرسالة الفلسطينية يرافقه قائد المخابرات العامة الفلسطينية اللواء ماجد فرج...؟ لتفسير موقف سلام فيّاض وابتعاده عن مقابلة نتانياهو وتسليمه رسالة الطرف الفلسطيني، يعتقد البعض من المتابعين في الساحة الفلسطينية بأن هناك أكثر من فرضية وراء ذلك الاستنكاف: مصادر أولى تعتقد بأن الاستنكاف من قبل سلام فيّاض وياسر عبدربه، لم يكن ليتم دون مرجعية القيادة الفلسطينية العليا وموقع الرئاسة فيها، حين رأت تلك المراجع العليا ضرورة تخفيض مستوى الوفد الفلسطيني والابتعاد عن صيغة «رئيس وزراء مقابل رئيس وزراء» كصرخة احتجاج وتذمر فلسطينية من الموقف «الاسرائيلي» ومن ردود الفعل التي اطلقتها المراجع العليا في حكومة نتانياهو التي سخرت من مضمون الرسالة الفلسطينية قبل أن يتم تسليمها من الطرف الفلسطيني ليد بنيامين نتانياهو. فالرسالة كانت قد سربت في مضمونها من قبل الطرف الفلسطيني لصحيفة «هآرتس» العبرية قبل ايام من اللقاء مع نتانياهو وتحديداً يوم السبت الواقع في الثالث عشر من ابريل 2012، فيما عقد اللقاء بين عريقات ونتانياهو يوم الثلاثاء السابع عشر من ابريل 2012 وقد تم التسريب على الأرجح لقياس ردود الفعل «الاسرائيلية» التي كانت ساخرة في معظمها وغير مبالية لما ورد في تلك الرسالة، بل وأطلقت بعد التسريب تصريحات عدة عنجهية عن مضمون الرسالة وعلى لسان عدد من قادة حكومة نتانياهو ومنهم وزير الخارجية افيغدور ليبرمان. مصادر ثانية تعتقد بأن سلام فيّاض تفادى وعمل جاهداً على تفادي رئاسة الوفد، والسبب في ذلك وجود خلافات في الرأي بينه وبين الرئيس محمود عباس في موضوع الرسالة المفترض نقلها الى نتانياهو، فسلام فيّاض يعتقد بأن نقل الرسالة الى نتانياهو سيضعه في محرقة أمام الناس وكل القوى والفصائل المعارضة للعودة الى طاولة المفاوضات بما فيها بعض فصائل المنظمة أو بالأحرى غالبيتها كالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وحزب الشعب الفلسطيني وجبهة التحرير الفلسطينية وجبهة التحرير العربية وجبهة النضال الشعبي الفلسطيني، وحتى عند عموم كادرات حركة فتح المتذمرة اصلاً من وجود سلام فيّاض على رأس الهرم القيادي الوزاري للسلطة في رام الله. هذا ويردد بعض المقربين من فيّاض بانه تلقى نصائح عديدة من اطراف فلسطينية بعدم نقل الرسالة لنتانياهو في يوم الاسير الفلسطيني، وان توقيت تسليمها غير سليم، وان تحديد الاسرائيليين يوم هبة وانتفاضة الأسرى للقاء مع نتانياهو لم يكن بريئاً، بل تم اختياره من قبل مكتب نتانياهو بشكل متعمد في يوم الاسير الفلسطيني، الامر الذي رفضه فيّاض، فقرر الاعتذار عن المشاركة في نقل تلك الرسالة في يوم الاسير الفلسطيني. وبناء على ذلك أعلن سلام فيّاض في مجالسه بأن خطوة ارسال الرسالة للقيادة «الاسرائيلية» خطوة عديمة القيمة ولن تحقق شيئا باستثناء تنشيط العلاقات العامة. بينما اشارت مصادر ثالثة، الى ان السبب الحقيقي وراء قرار فيّاض بالاحجام عن نقل الرسالة هو عدم مشاركته في صياغة الرسالة (أو طبخها على حد القول الشعبي الفلسطيني) وعدم معرفته الدقيقة على ما تحتويه للجانب «الاسرائيلي». وفي هذا السياق نشير بأن غالبية أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية لم يطلعوا على الرسالة عقب صياغتها النهائية ولم يتم احاطتهم علماً بالتغييرات التي جرت على المحاور الرئيسية للرسالة كما قال بعضهم في كواليس العمل السياسي الفلسطيني. الرد «الإسرائيلي» المتوقع ولكن ماذا ورد في رسالة القيادة الفلسطينية، وهل حملت في جوهرها ماهو جديد، وكيف استقبل نتياهو الرسالة، وما هي التقديرات بشأن الرد «الاسرائيلي» على الرسالة خلال الأسبوعين المقبليين وفق مصادر حكومة نتانياهو...؟ المعلومات المتسربة عن فحوى الرسالة تتجنب أي شكل من أشكال القطع أو التوتير أو التسخين العالي مع الطرف «الاسرائيلي»، بما في ذلك استبعاد خيار التهديد باللجوء الى خيار حل السلطة كما اوصت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون. فقد ركزت الرسالة الفلسطينية في روحيتها وجوهرها على مسألة المفاوضات كخيار نهائي لابد منه، وأن لا طريق غير التفاوض المباشر، على أن تلتزم «اسرائيل» بالعودة الى طاولة المفاوضات على أساس خطوط العام 1967 وفي ظل الوعد بتجميد البناء في المستعمرات، والا فان السلطة الوطنية الفلسطينية سترى نفسها حرة في مواصلة كفاحها للحصول على الاعتراف بها كدولة واعادة نقل الملف للأمم المتحدة وتحديداً الى الجمعية العامة هذه المرة، للحصول على اعتراف كامل من خلال الجمعية العمومية، استنادا الى المادة التي تسمح بتجاوز مجلس الامن والفيتو الاميركي. فالرسالة الفلسطينية، قالت إن العودة الفلسطينية الى طاولة المفاوضات مرهونة بقبول «اسرائيل» باعادة سحب قواتها حتى خط 2000 أي قبل بدء الانتفاضة الكبرى الثانية، أي اعادة الوضع الى مناطق (أ) من خريطة اتفاق أوسلو واستنساخاته الى سابق عهده حيث يكون للسلطة الفلسطينية صلاحيات مدنية وأمنية مثلما في فترة ما قبل سبتمبر 2000، والمعنى في ذلك هو وقف دخول قوات الجيش الاسرائيلي الى المدن الفلسطينية، وتحديد مبادئ وأجندة المفاوضات الزمنية ووقف الاستيطان، كما في الطلب من نتانياهو باطلاق سجناء فلسطينيين وعلى وجه الخصوص (120) أسيراً اعتقلوا قبل توقيع اتفاقيات أوسلو الأول. في المقابل، ان الموقف «الاسرائيلي» لم يكن متشجعاً للرسالة أصلاً، وبدا فاتراً في تقبلها، فالبيان الاسرائيلي الذي تحدث عن اللقاء كان قصيراً وهزيلاً وقد جاء فيه أن «الطرفين ملتزمان بتحقيق السلام» وهو كلام عام لايتحدث عن الأشياء بمسمياتها أو بشكل واضح، وقد وعد نتانياهو الطرف الفلسطيني بتقديم رد على الرسالة خلال الأسبوعين القادمين. وعليه، وحسب حتى التقديرات «الاسرائيلية» المنشورة على صفحات الصحف في تل ابيب فان احتمال ان يستجيب بنيامين نتانياهو لمضمون رسالة عباس بشكل جدي، هو احتمال منخفض جداً، في ظل الموقف الأميركي المساند لسياسة «اسرائيل»، والذي يقدم لها التغطية الكبيرة أمام المجتمع الدولي. وقد رد نتانياهو وحزبه الليكود على الرسالة بشكل عملي من خلال اعلان وزيرة الثقافة والرياضة «الإسرائيلية» ليمور ليفنات ومعها خمسة أعضاء كنيست من حزب الليكود الحاكم عبر مشاركتهم بمؤتمر عقده جناح المستوطنين في الليكود بهدف الدعوة إلى ضم الضفة الغربية إلى «إسرائيل». هذا هو الرد «الاسرائيلي»، فهل الرسالة الفلسطينية لتفادي المزالق لتقطيع الوقت بانتظار انضاج الوضع الفلسطيني الداخلي لجهة تحقيق المصالحة الفلسطينية على الأرض واعادة بناء الموقف الفلسطيني من بعدها.. أسئلة يتوقع أن تجيب عليها التطورات اللاحقة.