بقلم محمد الحنفي [email protected] عندما تحرك الشباب فيتونس، وفي مصر، وفي اليمن، وفي الأردن، وفي البحرين، وفي السعودية، وفي فلسطين،وفي لبنان، وفي الجزائر، وفي العراق، وفي المغرب، لم يتحرك من أجل أن يتحرك، ولميتظاهر سلميا من أجل التظاهر، بل لأن الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال، وعطالةالخريجين، وغيرهم، وحرمانهم من إبداء رأيهم فيما يجري: اقتصاديا، واجتماعيا،وثقافيا، وسياسيا، بسبب سيادة الظلم، والقهر، والاستغلال الهمجي للكادحين، من قبلالحكام، ومن قبل الطبقات الممارسة للاستغلال، هو الذي جعلهم يمتلكون الوعيبالواقع، في تحولاته الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية.وهذا الوعي هو الذي جعلهم يدركون مدى الخطورة التي تتهدد مستقبلهم، فتبين لهم أنهملا يمكن أن يكون لهم رأي، إذا لم تصر السيادة للشعب، الذي يتمكن من تقرير مصيرهبنفسه، بناء على امتلاكه لتلك السيادة. والشعوب العربية، منالمحيط إلى الخليج، لم تعرف في تاريخها الحديث، ومنذ تخلصها من الاحتلال الأجنبي،تمكينها من امتلاك سيادتها على نفسها. فالأنظمة التي كانت،ولا زالت تحكم في البلاد العربية، اعتمدت، منذ البداية، أسلوب الحديد، والنار، مماجعلها جميعا أنظمة مستعبدة للشعوب العربية، ومستبدة بها، ومستغلة لخيراتهاالطبيعية، ولقوة عملها في مختلف المجالات الإنتاجية، والخدماتية، ومرتبطةبالمؤسسات المالية الدولية، وخاضعة لتوجيهاتها، وممكنة الشركات العابرة للقارات منالاقتصاديات الوطنية، التي أصبحت تسيطر على معظمها، عن طريق الخوصصة، وتابعة للدولالرأسمالية الكبرى، التي أصبحت تتحكم في معظم الدول العربية، التي تخضع للالتزام بإملاءاتها. وسيادة الشعوب العربيةعلى نفسها، لا تتم إلا باعتماد دساتير ديمقراطية، تضمن سيادة الشعوب على نفسها. فالدستور الديمقراطي،هو، بالضرورة، دستور شعبي، لكونه يجعل من الشعب مصدرا لكل السلطات، التي تمارسهاالدولة الديمقراطية، القائمة على أساس الدستور الديمقراطي. والدستور الديمقراطي،لا يكون كذلك، إلا إذا: 1) تم وضعه من قبل مجلستأسيسي، منتخب انتخابا حرا، ونزيها، بعد القضاء على كل أشكال الفساد الإداري،والسياسي، في مختلف المؤسسات، وفي المجتمع، وبعد أن يمتلك أفراد الشعب الوعيبأهمية سيادة الشعب على نفسه، التي تمكنه من تقرير مصيره الاقتصادي، والاجتماعي،والثقافي، والمدني، والسياسي، وبعد أن يتقرر، شرط أن يكون الدستور متلائما معالمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وبعد إيجاد الحلول للمشاكل الاقتصادية،والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، التي تضمن، في حالة إيجاد حلول لها، حريةالانتخابات، ونزاهتها، ومنها انتخاب المجلس التأسيسي. فالمجلس التأسيسي،يحتاج إلى قيام حكومة ائتلافية وطنية، تكون مهمتها الأساسية إنضاج الشروطالموضوعية، المساعدة على إيجاد مناخ مناسب لانتخاب هذا المجلس، الذي توكل إليهمهمتان أساسيتان: المهمة الأولى: وضعمسودة الدستور، الذي يخضع للمناقشة الواسعة، من قبل جميع أفراد الشعب، قبلالمصادقة عليه، عن طريق الاستفتاء الذي يجب أن يجرى تحت إشراف هيأة مستقلة، حتىيصير الدستور قائما. والمهمة الثانية: وضعالتشريعات الضرورية، التي تقتضيها شروط التحول، التي يعرفها المجتمع، حتى لا تتوقفالحياة العامة، في انتظار انتخاب مجلس البرلمان. كما أن هذا المجلس، لايمكن انتخابه إلا إذا كانت هناك ضمانات كافية، لتسييد الممارسة الديمقراطيةالحقيقية، وبمضامينها الشمولية، وبتعبيرها عن إرادة الشعب، وبردعها لكافة أشكالالتزوير، التي يمكن أن تعرفها محطات الاستفتاء، أو المحطات الانتخابية. 2) تم ضمان سيادة الشعبعلى نفسه بنص الدستور، حتى يستطيع الشعب أن يصير مصدرا للسلط القائمة في المجتمع،وأن يقرر مصيره الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي؛ لأن مصير الشعب، كمصدرللسلطة، يوجد بيده، لا بيد غيره. فهو الذي يعمل على تحرير الأرض والإنسان: تحريرالأرض من الاحتلال الأجنبي، ومن التبعية للرأسمالية العالمية، ومن الخضوع لإملاءاتالمؤسسات المالية الدولية، وهو الذي يعمل على استكمال تحرير الجيوب، التي مازالتمحتلة في كل بلد من البلاد العربية، وهو الذي يعمل على تحرير الإنسان منالاستعباد، والاستبداد، والاستغلال. فالاستعباد السائد فيالبلاد العربية، يسيء إلى كرامة الإنسان، والاستبداد ينفي إمكانية تحقيقالديمقراطية، والاستغلال يستنزف الخيرات المادية، والمعنوية، وينهك قدرات العمال،وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، في القطاعات الإنتاجية، والخدماتية. وسيادة الشعب المدسترة،هي المدخل لتحقيق الكرامة الإنسانية، التي تعتبر بدورها مدخلا لتحقيق العيشالكريم. 3) نص على الفصل بين السلطة التنفيذية، والسلطة التشريعية، والسلطة القضائية؛ لأن عدم الفصل بين هذهالسلطات، يتناقض مع كون الدستور ديمقراطيا، ويجعل كل السلط في يد شخص واحد، وعلىجميع المستويات: المحلية، والإقليمية، والجهوية، والوطنية، مما يجعل السلطةالتنفيذية تتحكم في السلطة التشريعية، وفي السلطة القضائية. وهو ما يحول الدولة،من دولة الحق، والقانون، إلى دولة التعليمات. فالتنصيص على الفصل بينالسلط، عن بعضها البعض، يجعل كل سلطة مستقلة عن الأخرى، كما يصير منطلقا لتحديداختصاصات كل سلطة، بموجب قانون، وبالتالي، فكل سلطة تعرف من أين تبتدئ مهامها،وأين تنتهي هذه المهام، ليتكرس بذلك احترام الفصل بين السلط، الذي يستفيد منهالشعب في كل بلد عربي، ولا يمكن أبدا أن يستغله الحكام، وبأي صفة كانت؛ لأن الحكامكذلك يتصرفون ضمن الاختصاصات الموكولة إليهم، بموجب قانون، وهو ما يقتضي الحد مناستغلال النفوذ، الشائع، بشكل كبير، في دواليب الإدارة في كل دولة من الدولالقائمة، في البلاد العربية. ذلك أن الاستغلال الذيصار أساسا لتفشي كافة أشكال الفساد الإداري، والسياسي، وتفشي ظاهرة الرشوة، والتهريب، والاتجار في المخدرات، والمؤسساتالإنتاجية السرية، والدعارة، والدروس الخصوصية، وغيرها، مما يعبر عن خلو المجتمعاتالعربية من القيم الإنسانية النبيلة، التي تحصن كرامة الشعوب، وتقوم الشباب. فالتنصيص على الفصل بينالسلط، يعتبر شرطا لقيام دستور ديمقراطي. 4) أقر ضرورة تمتيعجميع أفراد الشعب، بجميع الحقوق: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية،والسياسية، كما هي في المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وأن يكون الإقرارالدستوري ملتزما بالمصادقة عليها، حتى تصير مصدرا للتشريع على مستوى كل دولة عربيةعلى حدة، سواء كانت تلك المواثيق ذات طابع عام، أو ذات طابع خاص، ومن أجل أن تصيرجميع القوانين المعمول بها في إطار كل دولة عربية على حدة، ملتزمة بإشاعة، وأجرأةاحترام حقوق الإنسان. وإلا، فإنه إذا لم يتم إقرار تمتيع جميع أفراد الشعب، بجميعالحقوق. وإذا لم يتم الإقرار بالمصادقة على جميع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوقالإنسان العامة، والخاصة، فإن أفراد الشعب سيبقون معرضين لكافة أشكال الانتهاكاتالجسيمة، وباسم القانون. 5) نص على طبيعةالمؤسسات المحتمل انفرازها عن أي انتخابات حرة، ونزيهة، يمكن إجراؤها في كل بلد منالبلاد العربية، حتى تكون تلك المؤسسات في خدمة جميع أفراد الشعب، على مستوىالدولة الواحدة، أو على مستوى جميع الدول العربية؛ لأن التنصيص على طبيعة المؤسسةالمنفرزة عن الانتخابات الحرة، والنزيهة، يجعل مصالح الشعب بيد المؤسسات المحلية،والإقليمية، والجهوية، والوطنية، التي تمثل مجموع أفراد الشعب الواحد، لا بيدالأفراد، الذين يقدمون مصالحهم الخاصة، على مصالح الشعب، والاحتكام إلى المؤسساتيقف وراء جعل الدولة دولة للمؤسسات. 6) نص على طبيعة الدولةالوطنية، المتسمة بالتعدد اللغوي، والعرقي، والديني، في إطار الوحدة الوطنية في كلبلد عربي، حتى يصير ذلك التنصيص منطلقا لتسييد التعدد، الذي يخدم الوحدة، فيأبعادها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، مع ضرورةالتنصيص على تجريم النزعة الطائفية، التي تتناقض تناقضا مطلقا مع طبيعة الصراعالمشروع في المجتمع الواحد؛ لأن الصراع لا يكون إلا طبقيا، وأساليب الصراع الطبقيمعروفة، ويمكن أن يتم التنصيص عليها في الدستور، وفي القوانين المعمول بها. أما الصراع القائم علىأساس عرقي، أو عشائري، أو قبلي، أو ديني، أو لغوي، فإنه صراع غير مشروع؛ لأنه يؤديإلى شرذمة الشعب، بينما نجد أن الصراع الطبقي صراع قائم على أساس وحدة الشعب، فيإطار الترسيمة الآتية: (وحدة صراع وحدة). 7) نص على طبيعة الدولة،التي تصير حسب الدستور، وما يقره، دولة للحق، والقانون، سواء كانت هذه الدولة دولةجمهورية، أو ملكية. والمهم هو أن تصير برلمانية، حتى تعكس قدرة الشعب على التحكمفي مؤسساته،ا ومن أجل أن تتشكل الحكومة من الأغلبية البرلمانية، حتى تكون مسؤولةأمام البرلمان، ومن أجل أن تصير الحكومات العربية مسؤولة أمام برلماناتها، التيتنتخبها الشعوب انتخابا حرا، ونزيها، بعيدا عن كل أشكال الفساد السياسي، التيتعودنا على تفشيها في البلاد العربية، كلما كانت هناك انتخابات تجرى في إطارديمقراطية الواجهة، وفي أي بلد من البلاد العربية.