التصالح مع جماعة الإخوان دعوة يتبناها بعض المثقفين والسياسيين المصريين بزعم جمع شمل الأمة وإعادة اللحمة للوطن وتجاوز مرحلة الاستقطاب التي تفتت الجهود، وحتى يتفرغ المصريون لمشروعات التنمية وبناء المجتمع الذي أنهكته الثورات بلا طائل. وكان آخر من روّج لهذا الطرح عالم الاجتماع السياسي سعد الدين إبراهيم، الذي تجاوز فكرة التصالح مع الإخوان الى عرض القضية على الشعب من خلال استفتاء عام، كما لو كان هذا التصالح أصبح مشروعاً قومياً، لكن هذا هو «الحق» الذي يراد به «باطل». ربما يعمل من يطرح الفكرة بحسن نية، عبر نظرية التكامل المجتمعي منعاً للصدام أو التقاطع المعوق لحركة التطور. وأتصور أن هذا طرح نظري جانَبه الصواب، لأن الإخوان أنفسهم فشلوا في أن يكونوا فصيلاً سياسياً ضمن بنية المجتمع المصري عندما أخذوا فرصتهم للمرة الأولى منذ أن أنشأ حسن البنا تنظيمهم في العشرينات. في الوقت نفسه، لا نستطيع أن نغفل عن أن هناك من يسوق للتصالح مع الإخوان بسوء نية، من أجل انخراط هذا التيار في صورة أو في أخرى من جديد في المجتمع، وكأن ما حدث بعد ثورة يناير قبل أربع سنوات لم يحدث، بما في ذلك وصول هذا التيار إلى الحكم الذي جرَّ الوطن إلى كارثة دخوله نفقاً مظلماً لولا العناية الإلهية ثم يقظة الشعب المصري اللتين أنقذتا مصر في 30 حزيران (يونيو) 2013. والسؤال: من يصالح من؟ إن الخصومة ليست بين تيار يمثل الإسلام السياسي والنظام الحاكم حالياً، لكنها مع الشعب المصري كله بما فيه النظام. ومن هنا، يعني قبول فكرة التصالح من الناحية العملية رضوخاً لأسلوب العنف الذي اتبعه الإخوان ضد المصريين منذ سقوطهم، أو بالأحرى إسقاطهم في 2013، حيث أن ظاهرة الإرهاب جزء لا يتجزأ من طريقة تفكيرهم، فضلاً عن تبعيّتهم لتنظيم دولي معادٍ لمصر واستقرار الدولة المصرية وسلامتها، وتحرّكه تركيا. ويكفي أنه ارتكب جرائم خيانة وتخابر في حق هذا الوطن. إذاً، كيف يمكن تحقيق مصالحة مع من سقط في بئر الخيانة؟ وهل هناك في العالم دولة ذات سيادة تصالحت مع المنظمات الإرهابية على أرضها؟ وكيف يا دعاة المصالحة، يُستفتى شعب على التصالح مع من أدار الإرهاب على أرضه، وهذا الشعب وغيره من شعوب المنطقة تعاني من الإرهاب؟ ثم أليست جرائم الإخوان لا يزال ينظر فيها القضاء الذي جرّم تنظيمهم ووصف جماعتهم بأنها إرهابية؟ فالذين يدعون في هذا التوقيت إلى عقد المصالحة، إنما يفعلون إما لأسباب انتخابية بغرض اجتذاب أصوات المنتمين الى تيار الإسلام السياسي، أو لأسباب تتعلق بمحاولة إعادة الروح الى جماعة قرر الشعب لفظها بعد أكثر من 83 عاماً عاش منتسبوها ونعموا في ظل وطن يعتبرونه وثناً. وحتى تكتمل الصورة، فإن معظم المتعاطفين مع هذا التيار بعد ثورة 30 يونيو، إما تراجعوا عن هذا التعاطف بعد اكتشافهم فشله سياسياً، وهؤلاء لا مشكلات معهم وهم يعتبرون جزءاً من نسيج الوطن، وبالتالي لا تشملهم دعوة المصالحة المزعومة، أو أنهم جمَّدوا علاقتهم بالإخوان ولا خطر منهم. ويبقى البعض منهم مغيباً أو ما زال متأثراً بفكر الإخوان من دون الانخراط في أي عمل تنظيمي، لكن يجذبه خطابهم الديني الذي يختفون خلفه ويوظفونه لتحقيق مآرب تتعلق بالعودة الى الضوء. وهنا، أدعو مشيخة الأزهر الشريف إلى الاضطلاع بدورها منارةً للوسطية وداعية لصحيح الدين حتى يتسنى كشفهم والعمل على إفاقة المغيبين من المتعاطفين معهم. لكن قبل ذلك، لا بد من أن يقوم الأزهر بتطهير صفوفه من المعمّمين التابعين للإخوان، والذين تحوّلوا إلى خلايا تتحرك في الخفاء لمصلحتهم. مع الأخذ في الاعتبار أن دور الأزهر ليس محايداً في الدفاع عن الدين والوطن، وتلك قضية يمكن مناقشتها في موضع آخر. ثم إذا سلّمنا جدلاً مع دعاة المصالحة بما يدعون إليه، فهل سيقرون بثورة 30 يونيو وأنها لم تكن انقلاباً وأن الرئيس الشرعي المنتخب لمصر هو عبدالفتاح السيسي؟ عموماً، أشك في أنهم سيفعلون ذلك، وحتى ولو فعلوا، وهو أمر غير وارد، سيكون ذلك من منطلق الخداع والتحايل حتى يتمكنوا من العودة مجدداً إلى المشهد السياسي. نقلا عن صحيفة الحياة