تعارفت الممارسات البرلمانية في الدول المتقدمة برلمانياً علي ضرورة توافر ما يعرف ب«المثلث البرلماني» لنجاح الممارسة البرلمانية، ولتلافي الأعراض الجانبية السلبية للممارسات البرلمانية والمعارك الانتخابية. ويتكون هذا المثلث البرلماني المتساوي الأضلاع من ثلاثة أضلاع متساوية في الطول ومتماثلة في الأهمية ومتوازية في القوة، وبدونها يحدث ما لا يحمد عقباه من نتائج سلبية وخطيرة. والضلع الأول في هذا المثلث هو «الاستقرار الأمني» إذ لا يمكن علي الإطلاق، ومن غير المتصور إجراء انتخابات برلمانية في ظل ظاهرة عدم الاستقرار الأمني السائدة حالياً، وهذه الظاهرة هي نتيجة طبيعية لكل الثورات الشعبية في العالم، فهي ليست عيباً في ثورة 25 يناير، وهي ليست كما يتردد من البعض من نتائج هذه الثورة.. ولكن.. الأمر السلبي الذي نؤكده هو التراخي في القضاء علي هذه الظاهرة أو معالجتها بأسلوب تقليدي يبتعد كثيراً عن علوم إدارة الأزمات.. إن أي خبير أمني أو برلماني أو سياسي لابد وأن يتوقع حدوث انتهاكات أمنية شديدة وخطيرة في كثير من الدوائر الانتخابية سوف يكون لها تأثير سلبي ومباشر علي أمن البلاد وسلامة العباد ومجريات الاقتصاد.. إذ سوف تجري الانتخابات الثنائية وليس الفردية في (126) دائرة انتخابية، وانتخابات القوائم في (58) دائرة بمجموع (184) دائرة انتخابية في 27 محافظة! الضلع الثاني: سلامة وتوافق البيئة الانتخابية.. ويتمثل هذا الضلع في أربعة أطراف أساسية؟ أ الناخبون، ب المرشحون، ج الإعلام، د الوسطاء (فرق الدعاية)، وهذه الأطراف الأربعة ليست مؤهلة بعد للممارسات الانتخابية البرلمانية حالياً للأسباب التالية: 1 عدم وضوح قواعد وأسس النظام الانتخابي المصري، ومن دلائل ذلك: الأخطاء الإعلامية والجهل السياسي بقواعد نظم الانتخابات إذ يتداول إعلامياً وسياسياً عن نظام القائمة سمي (القائمة المشروطة)! في حين أن المسمي العلمي الصحيح هو «القائمة النسبية المغلقة»! تمييزاً له عن نظام القائمة النسبية المفتوحة أو القائمة المطلقة.. كما يطلق وسائل الإعلام والسياسيون والأحزاب دون استثناء علي النظام الثاني «الانتخاب الفردي» بينما مسماه العلمي الصحيح هو «نظام الانتخاب الثنائي مع التمييز الفئوي»!!.. وهو ما أثبتناه من قبل في رسالة الدكتوراة عام 1995! 2 عدم وضوح الرؤية السياسية بالنسبة للبرامج الانتخابية، وهو الأساس الأول والمهم في نظم الانتخابات بالقائمة، إذ من المتوقع أن تتم المفاضلة من جانب المرشحين بين القوائم علي أساس شخصي يتمثل في أسماء القائمة وليس البرامج الانتخابية التي تعبر عنها القائمة الحزبية. 3 أما العنصر الثالث في البيئة الانتخابية فهو الوسطاء أو فرق الدعاية الانتخابية والتي سوف تتألف من كل أطياف ممارسي البلطجة في مصر مما سيترتب عليه انتهاكات أمنية شديدة الخطورة أثناء الممارسات الانتخابية وسوف يكون لها آثارها السلبية الممتدة علي المجتمع المصري. 4 سوف تتحول العمليات الانتخابية في كثير من الدوائر من ممارسات انتخابية صحية إلي معارك انتخابية لا يحمد عقباها.. الضلع الثالث: هو التوافق التشريعي، وتتقصد به القواعد القانونية التي سيتم تطبيقها علي الممارسات الانتخابية والموزعة في أكثر من مصدر تشريعي: (الدستور قانون مجلس الشعب قانون الأحزاب السياسية مشروع القانون الجديد بتقسيم الدوائر الانتخابية)، ويمكن القول إنه باستقراء ودراسة وتحليل هذه القواعد يمكن الخروج منها بالاستدلالات التالية: 1 عدم سلامة المزج بين نظامين انتخابيين متعارضين: الأول هو «نظام الانتخاب بالقائمة النسبية المغلقة» والثاني هو «نظام الانتخاب الثنائي مع التمييز الفئوي» وذلك أن قاعدة ال50٪ للعمال والفلاحين لا تتفق إلا مع النظام الثنائي فقط، وتتعارض تماماً مع أي نظام انتخابي آخر، وهذا ما أثبتناه في رسالة الماجستير الخاصة بنا عام 1986! 2 عدم وجود معايير علمية ومحددة في الفصل بين الدوائر الثنائية من جانب ودوائر القائمة من جانب آخر. 3 عدم وجود معايير علمية واضحة لتقسيم الدوائر؟! علماً بأن المعايير العلمية المتعارف عليها دولياً هي: «معيار عدد السكان المعيار الجغرافي المعيار الاقتصادي المعيار الاجتماعي معايير الإدارة المحلية: المقاطعات أو الولايات أو المحافظات». وتقسيم الدوائر المعروض لم يأخذ بأي من هذه المعايير، وإنما كان مجرد عملية ترقيع ساذجة للقوانين الحالية والسابقة. 4 عدم مراعاة التجمعات السكانية والعمرانية الجديدة وهي: 6 أكتوبر وتجمعات شرق القاهرة والمدن الجديدة غرب النيل في وسط الصعيد. لكل هذه الأسباب مجتمعة يجب اتخاذ قرار سريع بإرجاء الانتخابات البرلمانية لمدة عام، وذلك للدواعي الأمنية وللمواءمة السياسية وللاستقرار التشريعي البرلماني، وتشكيل برلمان توافقي مؤقت لمدة عام لتسيير المسائل التشريعية إلي حين إصلاح وتجديد وتقويم المثلث البرلماني علي النحو السالف ذكره. والله الموفق *جامعة حلوان [email protected]